بقلم هاني جبران
“التكوين” في الصورة الفوتوغرافية
يحمل “التكوين” الفوتوغرافي بشكل عام معنى تآلف وانسجام العناصر المختلفة التي تحتويها اللقطة الفوتوغرافية الواحدة، وهو ما يجعل جميع تفاصيل الصورة متناسقة، متممة لبعضها البعض. يضمن “التكوين” للصورة توازنا منطقيا ذو لمسات فنية جذابة تحاكي موضوعا معينا وفق ما نراه، سواء في العناصرالمنتقاة بدقة فائقة، أوفي طريقة ترتيبها ضمن إطارموحّـد. ولعل أجمل الصور “تكوينا” أو تآلفا وانسجاما تلك البسيطة في عناصرها وذات المضمون التعبيري الساطع.
إن “التكوين” في الصورة الفوتوغرافية يعتمد على عدد من القواعد الفنية الهامة والمعتمدة من قبل الفنان المصوّر أساسا. وتعتبر قواعد الفوتوغراف أو المصور هذه أداة لــنقد العمل الفني الفوتوغرافي من ناحية ” تكوينـه”، وهي السبيل إلى إبراز مضمونه أو موضوعته الأساسية بالشكل الأمثل. ومن قواعد الصورة المتعارف عليها يمكن أن نذكر باختصار: قاعدة الثلث وهي تقسيم الصورة إلى ثلاثة أقسام أفقية وثلاثة أقسام عمودية بحيث يقع العنصر الأساسي في تقاطع خطوط الثلث ما يجعله بارزا في اللقطة، وقاعدة الأفق المتجلية في ألا يمر خط الأفق بمنتصف الصورة حتى لا يتشتت التركيز عن العنصر الأساسي. هكذا إذا كانت العناصر الأساسية في الأرض فيجب أن يكون خط الأفق في الثلث الأعلى من الصورة، أما إذا كانت العناصر الأساسية في السماء فيجب أن يكون خط الأفق في الثلث الأسفل من الصورة.
من قواعد التصوير أيضا قاعدة الخطوط التي تكسب الصورة عمقا محسوسا، إضافة إلى دورها في اجتذاب النظر إلى العنصر الأساسي أيضا في إطار ذوق فني ووعي كيفية إظهار المضمون، وقاعدة المقدمة التي تركز على إبراز العمق والبعد في اللقطة وفق الوجه الأنسب ومثالها تصوير طريق ممتدة واختيار أي عنصر قريب من عدسة المصور ليكون مقدمة تبرز العمق والبعد في اللقطة، إلى جانب قاعدة التأطير وهي أحد القواعد الهامة التي تمنح ” تكوين” الصورة مـسحة جـمالية رائعة، ومن شأنها أيضا إبراز العناصر الأساسية والتركيز على المضمون، ومثالها “تأطير” الصورة كالتصوير من خلف نافذة أو بين الصخور أو اتخاذ أغصان الأشجار كإطار (برواز) بشكل مناسب.
إن هذه القواعد الفوتوغرافية يعتبرها بعض المصورين إرشادات أكثر منها قواعد، لأهميتها البالغة في إبراز مضمون الصورة وتحديد عنوانها الأساسي. ورغم وجود مثل هذه القواعد الناظمة يبقى “التكوين” الفني الفوتوغرافي حساً ينطق به الفنان من خلال عدسته وبلغته أو أسلوبه الخاص. إنه تنظيم العناصر البصرية الأساسية بعد “ترجمتها” عن خيال مفعم بالجمال، ما يرسم أمامنا معنى الصورة كاملا وييسـّر فهمها وإدراك مضمونها الأساسي في سياق إطار فني مصقول بمهارة فائقة وذوق راق، يمتعنا بصريا، ويشدو ضوءا ليحل عمله الفني ضيفا خفيف الظل على أفئدتنا.
التعبير الفوتوغرافي الفني.. علامة فارقة عبر الزمن
وعلى الرغم من أن هذا النوع من الفن لم يعترف به إلا في وقت متأخر نسبيا، فإنه قد أصبح للصورة في وقتنا الحالي جمهور واسع رافقته قيمة فنية متميزة.
والفرق بين الرسم والتقاط الصورة يظهر لنا جليا، فالصور تعتمد على استغلال الفرص واكتشافات الصدفة في غالب الأحيان.
بالإضافة إلى حقيقة أن بين الصورة واللوحة والتعبير الفني مسافات بعيدة
تفشل الصور الفوتوغرافية عندما تحاول تقليد الرسم. فالصورة لا تترك نفس الانطباع الذي قد تتركه لوحة ألوان زيتية لفنان. إذ أن اللوحة- الصورة هي انطباع لحظة وإيقاف الزمن لـوهلة تحفظها عدسة المصور..