“رجاء العريضي”.. فن يحمل الأسئلة الصعبة
ضياء صحناوي
ظلت على مدى سنوات وفية للفن ومتلقيه من خلال التحريض على طرح المواضيع الشائكة بلغة بصرية جعلتها نصف مقروءة للناس، ونصفها الثاني لإبداعها، وخطت على قماش لوحاتها ألوان الفرح والقلق والوحشة لتكون قريبة من ذاتها المتمردة على السواد الأعمى المحيط بنا، فتركت إشارات التعجب عالقة في عقولنا محرضة على التساؤل والتفكير.
المفكرة الثقافية تابعت تفاصيل خطوات الفنانة الشابة “رجاء العريضي” مع الفن التعبيري، والخطوط الأخيرة في لوحاتها، حيث قالت: «تأخذك عوالم اللوحات منحاً مغايراً لما رسمته في السابق، فالفنان في النهاية ابن واقعه، ولا يمكن أن ينسلخ عن هموم الناس ويبقى في برجه العاجي، واللوحات تمثل مرحلة زمنية مهمة في حياتي هي عمر الأزمة الحالية، واللونين الأحمر والأسود كانا طاغيان على كياني من خلال الدم النازف، والحقد الأسود الذي يتربص بالوطن، ويفعل فعله في مجتمعنا، كانت الخطوط تأخذني إلى حالات لم أستطع التخلص منها بسهولة، وقد اعتمدت في لوحاتي على ما تختزنه الذاكرة من قصص وحكايات، ومن الكتب الفلسفية التي أقرؤها».
الفنان “طلعت كيوان” تحدث عن تجربتها بالقول: «تنطلق الفنانة “رجاء العريضي”في لوحاتها من الواقعي، ومحاولة فهم العنصر الذي تستهدفه للوصول إليه بطريقتها، وبالتالي الوصول إلى قلب وعقل المتلقي بأقصر الطرق، وكان اللون النظيف الطاغي والمعبر عن تلك الحالة وسيلتها لذلك الوصول.. والملاحظ في أعمالها الحديثة أنها لامست السريانية الحديثة من ناحية توظيف اللون والعنصر الواقعي لإنجاز اللوحة، ولكنها لم تشتغل عليها بشكل مباشر، وما اللونين الأسود والأحمر سوى محاولة للمس التجريد من خلال تحوير الشكل الواقعي للعنصر واستخدامه كرمز لإيصال فكرة معينة (أياً كانت)، وقد خدمها اللون في التعبير عن الوضع الحالي. وباعتقادي أن مشروع الفنانة “رجاء العريضي” مشروع بحث عن الذات دون أن تكتفي، وهي محاولة للوصول إلى هوية فنية كأي فنان، وما الإشارات إلا حالة من حالات البحث في اللون والخطوط للوصول في النهاية إلى اكتمال التجربة الفنية».
الفنان والناقد الفني “فرزان شرف” تحدث باللغة التي يجيدها (النقد) معتبراً أن ما تصنعه الفنانة ما زال في طور التجريب والبحث عن الذات، ومرد ذلك برأيه الحالة الفطرية، ولكنه بنفس الوقت يعول على المتابعة والمثابرة التي تجتهد الفنانة من خلالهما للوصول إلى مبتغاها، ويقول: «في الحقيقة أقف أمام تجربة متذبذبة فنياً وبصرياً، فحالة التساؤل عند الفنانة مرده الحالة الفطرية التي ما زالت تسكنها ولم تخدمها في حالات النضج إلا إن قررت الفنانة نفسها التخلي عن تلك الحالات والانطلاق بحثاً عن ذاتها الفنية بعيداً عن التجريب غير المجدي في نفس الدائرة التي وضعت نفسها بها، وهنا أشبه أعمالها بالنحلة التي تتنقل بين عدد من الزهرات المختلفة النوع دون أن تصنع عسلها الخالص. وأنا هنا لا أسخّف من إنتاجها الذي يحترم! ولكني أجد في أعمالها حالة من النسخ والتصوير، وما خطوطها الحمراء والسوداء في أعمالها الأخيرة سوى حالة من عدم الإشباع عند الفنانة بتجربة فنية خالصة، فهي ليست مشبعة فنياً من المدرسة الواقعية على الرغم من جمال التجربة ونظافة اللون، ووجدت أنها ليست حرة داخلياً لتقارب الاختصارات بعمل تجريدي، فتظهر وكأنها حيرى فيما تريد أو تعبر.. أقول ذلك لأنني أمام تجربة يمكن العمل على تحويلها إلى حالة فنية متفردة، أو لأكون المحرض الفعلي لمكنونات الفنانة الداخلية».
الجدير بالذكر أن الفنانة “رجاء العريضي” من مواليد مدينة “شهبا” ولها العديد من المعارض الفنية الفردية والجماعية، وقد تتلمذت على يد الفنان الكبير “فادي قطيش” وما زالت تعمل معه في مرسمه الخاص بمدينة “السويداء”.