مهرجان بيروت للأفلام الفنية.. ليالي الروائع
بانة بيضون-الأخبار
للسنة الأولى، يقام «مهرجان بيروت للأفلام الفنية الوثائقية» من تنظيم أليس مغبغب كرم مؤسِّسة ومديرة المهرجان. تضم التظاهرة التي تنطلق اليوم، 25 فيلماً وثائقياً تضيء على مختلف الفنون وتاريخها. وتتوزع العروض بين «سينما متروبوليس أمبير صوفيل» والجامعات اللبنانية.
من العروض المنتظرة شريط «فيروز» (١٩٩٨ ــ 8/11 ــ متروبوليس) للمخرج ووزير الثقافة الفرنسي السابق فريديريك ميتران، إبن أخ الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا ميتران. فريديريك الذي هو أيضاً كاتب وممثل، أثارت روايته «الحياة السيئة» (2005) المستوحاة من سيرته الذاتية الكثير من الجدل في فرنسا، بسبب المقاطع التي يسرد فيها تجاربه الجنسية في بانكوك، وإدمانه الجنس مع «الصبيان» (كما يسميهم في الرواية) الذين يعملون في بيوت الدعارة هناك. يحاور المخرج فيروز، مستعيداً معها بداية مسيرتها وتعرّفها إلى الموسيقى، منذ أن كانت الطفلة نهاد الحداد المقيمة مع عائلتها في زقاق البلاط تستمع إلى صوت الراديو الآتي من الشرفة، وتحفظ ما يحلو لها من الأغاني من دون دراية بالموسيقى. كما يستعيد دخولها المعهد الوطني للموسيقى، ثم غناءها في الإذاعة، وتعرفها إلى عاصي ومنصور الرحباني. نعيد اكتشاف فيروز عبر الفيلم في صمتها المختار بعناية كما كلماتها، في خجلها وطبعها الانعزالي الذي تحدثنا عنه أيضاً من دون أن تكتمل الصورة في مخيلة المشاهد: فيروز الفعلية تبدو محيرة مثل فيروز المتخيلة في أذهاننا. لا ينبع ذلك من غموض مفتعل، بل هي البساطة التي تصوغ بها أجوبتها، واقتضابها الذي يجعلها مفتوحة على كل التأويلات، فهي تمنح السائل كأنما لمحة عن الجواب تاركة له تخيل البقية. حتى في حسّ فكاهتها، تبدو كتومة وساخرة كما حين تصف لنا ممازحة أحد الجيران الذي كان ينزعج من غنائها الصباحي، ويصفها ساخراً بأنها تشبه جهاز الراديو.
ثم تضيف بأن الوضع استمر على حاله سنوات حتى غادرت المنزل وارتاح الجار من صوتها. كذلك في حديثها عن علاقتها بزوجها الراحل عاصي الرحباني وعملهما معاً، تمنحنا بعضاً من المفاتيح التي قد تساعدنا على تخيل العلاقة بين الإثنين وأوجه الاتفاق والصدام بينهما، وتشبث كل منهما برأيه من دون أن تغوص في تفاصيل قد تقترب من الحميمية. إلى جانب ذلك، ينسج المخرج ما يشبه صورة متخيلة عن لبنان الذي كان جنة قبل الحرب الأهلية، ثم هبطت عليه تلك الأخيرة كأنما من كوكب آخر. يعتمد بطريقة مضحكة على منطق التصنيف الطائفي لدحض مفهوم الطائفية، مثل القول إنّ المنطقة التي ولدت فيها فيروز كان قاطنوها بأغلبهم من الشيعة! لكن برغم ذلك، فهم يحبون فيروز، ويعدّونها ابنة المنطقة… يا للعجب! بخلاف ذلك، يمزج المخرج بسلاسة بين الصور الفوتوغرافية ومقاطع الأغاني والأفلام، مضيئاً على أبرز المحطات في مسيرتها الموسيقية ضمن أسلوب كلاسيكي، لكن متقن.
وفي ما يخص السينما الإيطالية، سنشاهد «فيلليني مقابل فيسكونتي ــ المواجهة الإيطالية» (2014 ــ 7/11 ـ متروبوليس) لماري دومينيك مونتيل وكريستوفر جونز. يضيء العمل على العلاقة المتأزمة بين فريدريكو فيلليني ولوشينو فيسكونتي، اللذين ظلا على خصام علني لفترة طويلة. ويستعرض أوجه الشبه والصدام بين المعلّمين، متوقفاً عند الروائع السينمائية التي أنجزاها، ومثّلت محطات للتنافس بين الإثنين. ويشرح الشريط الخلفية الاجتماعية المختلفة لكل من المخرجين، وظروف نشأتهما التي أثرت في رؤياهما السينمائية. ففيلليني ولد في مدينة ريمني الإيطالية الصغيرة من أسرة تنتمي إلى الطبقة الوسطى، وأبوه كان بائعاً جوالاً. تعرّف في طفولته إلى عالم السيرك وأفلام غيدو برينيونيه. وهذا من التأثرات التي سنراها لاحقاً في أفلامه، والشخصيات الغريبة التي يصورها في عالمه الخيالي. أما فيسكونتي، فقد ولد لعائلة نبيلة في ميلانو، وأبوه كان دوقاً، حتى هو كان يلقَّب بالكونت. تلقى تربية أرستقراطية نموذجية، فدرس كلاسيكيات الأدب والموسيقى، وتتلمذ في عزف التشيللو على يد المؤلف لورنزو دو باوليس، وتعرّف باكراً إلى عالم الأوبرا، الذي ترك أثره في بنية أفلامه، من حيث الجمالية البصرية والإيقاع الدرامي. فيلم آخر يعرض في المهرجان هو «كالاس مقابل تيبالدي ـ النمرة والحمامة» (2013 ـــ 8/11 ــ متروبوليس) لرينيه – جان بويير. يصوّر الشريط التنافس بين اثنتين من أهم مغنيات الأوبرا في العالم: ماريا كالاس وريناتا تيبالدي. أيضاً في تاريخ الموسيقى، يعرض «أم كلثوم، نجمة الشرق» (2008 ــ 8/11 ــ متروبوليس) لفيريل بن محمود ونيكولا دانيال. وإلى تاريخ الفوتوغرافيا، يأخذنا المخرج والفنان البصري أكرم زعتري في فيلمه «ثمان وعشرون ليلة وبيت من الشعر» (2015 ــ 8/11 ــ متروبوليس). في استوديو قديم في مدينة صيدا الجنوبية، يستكشف المخرج مع المصور هاشم المدني (١٩٢٨) الأرشيف الفوتوغرافي الضخم الذي يملكه. ما يوثقه المخرج ويشرحه هو تاريخ العلاقة مع الصورة الفوتوغرافية. الاستوديو يتحول إلى مسرح لتمثيل كل الرغبات المكبوتة، أو صور الشخصيات الأخرى التي يرغب الآتون في تقمّصها، فيعبرون عبره إلى عالم السينما. ما هو لافت أيضاً ويرصده المخرج، هو مساحة الحرية الفردية والجنسية التي تعكسها هذه الصور قبل أن تتقلّص إن لم تفقد تماماً في حاضر صيدا وفي لبنان ككل. يتمثّل ذلك في المرأة التي يحدثنا عنها المصور، وطلبت أن يصورها عارية، أو صور الرجال الآخرين الذين يرتدون ملابس النساء أو يمثلون دور العريس والعروس. يشرح المصوّر ببساطة أنّهم يحبون تبادل الأدوار، أو يتحدث عن شاب آخر كان من زبائنه المنتظمين، ويحب أن يكون امرأة. وجهة نظر تعكس ببساطتها وبابتعادها عن التصنيف، قدراً من الانفتاح والتحرر قد يفوق الحاضر الذي أثقلته ربما حاجتنا إلى تحديد الميول الجنسية على اختلافها وحصرها ضمن كلمات أو تعريفات معينة. أيضاً، نحدس من خلالها كيف أسهمت الفوتوغرافيا في التحرر من قيود الجندر من خلال لعبة تبادل الأدوار التي قدمتها. وفي «دالي: التحفة الأخيرة: (2015 ــ اليوم ــ متروبوليس) لدايفيد بوغول، نستكشف مسرح المتحف الذي صممه وبناه أحد أعلام السريالية سيلفادور دالي في بلدته الأم فيغيريس في إسبانيا. اللوحات وشخصه الاستثنائي ومخيلته كلها تأخذنا إلى مسرحه العجائبي. إلى جانب ذلك، هناك عدد من الأفلام الأخرى المهمة التي تتناول فن الرسم كما «ماتيس وبيكاسو: اللون والرسم» (2013 ــ 6/11 ـ متروبوليس) لجرميلا بوزكوفا، أو «الرجل الذي أنقذ اللوفر» (2014 ـ 5/11 ـ متروبوليس) لبيار بوشارت وجان بيار ديفيلر عن جماعة مقاومة تنقذ الأعمال الفنية العظيمة في متحف اللوفر من أيدي النازيين أثناء الحرب العالمية الثانية. أيضاً، تستكشف أفلام تاريخ فنون أخرى كالهندسة، وأعظم التحف المعمارية مثل «كاتدرائية السغرغادا، سر الخلق» (2013 ـ 7/11 ـ متروبوليس) لستيفان هوبت أو تصميم الأزياء في «شانيل مقابل شيابارلي» (2013 ـ 5/11 ـ متروبوليس) لكاتيا شابوتيه الذي يصوّر أيقونتي الموضة غابريال شانيل وإلسا شيابارلي.