“سوريا الفن والهروب” معرض للفن التشكيلي تستضيفه كولونيا
تحتضن كولونيا معرضا للفن التشكيلي يرصد قضية الدمار الذي تمثله الحرب السورية. ويشارك فيه أكثر من 20 فنانا يقدمون أعمالهم بين النحت والرسم، ويشكلون حلقة وصل بين الشعبين الألماني والسوري. DW زارت المعرض وتحدثت مع فنانين.
“يهددون بأن يقطعوا وأن يقتلوا عندما يسمعون في كلامي حرية؛ لأنهم يخافون الحرية”، “صلاة: في زمن الظلم والظلام، وعلى هذه الأرض المحروقة، نحن بحاجة إلى صلاة من القلب”. كانت هذه هي أقوى العبارات المرافقة لأعمال فن تشكيلي، جمعت بين النحت والرسم، شارك بها ما يزيد عن 20 فنانا سوريا في معرض فني بمدينة كولونيا الألمانية، انطلق في السادس من آب/ أغسطس الجاري، ويختتم في الـ 21 من الشهر نفسه. ويحمل المعرض عنوان “سوريا الفن والهروب” ويقام في بناء قديم يرجع للحرب العالمية الثانية.
لم. ح.، فنانة تشكيلية سورية، تشارك في المعرض بثلاث لوحات. ولدت في أسرة محافظة، وفي وسط لا يقبل متابعة الفتاة للدراسة، بل يكفي البقاء في كنف العائلة، حتى يأتي صاحب النصيب. غير أن هذه الحواجز لم تعترض طريقها، على حد تعبيرها.
وحول ما يميز اللوحات التي تشارك بها في معرض “سوريا الفن والهروب” تقول الفنانة لم. ح. لـ DW عربية: “لوحاتي هي مرآة لواقع سوريا ولما أفكر به”.
وتؤكد لم. ح. أن أحب لوحاتها إلى قلبها هي “لوحة صمت”، حيث تقف كمتفرجة خارجية لما يحدث بعدما ضاع ما ضاع، بعد فقدان الناس لبيوتها، حسبما تقول الفنانة. وتضيف “لذلك لدي الكثير لأقوله، لأقول من أنا، وماذا أريد وكيف أفكر؟ ولكن لم يحن الوقت بعد”.
“كأمرة.. عليَّ مسؤولية في ألمانيا”
وأضافت الفنانة التشكيلية السورية أنها شاركت في عدد من المعارض، لكن معرض” سوريا الفن والهروب” مهم لها بشكل خاص، لأنه أتاح لها فرصة المشاركة مع كثير من الفنانين السوريين في ألمانيا، “وليكون تعريفا للشعب الألماني بنا كشخصيات سورية مختلفة قبل أن نكون فنانين”.
وعن دور الرسم في حياتها تقول لم. ح.: “الرسم هو الذي ساعدني على تخطي الحزن لما يحصل في بلدي، ليس فقط على صعيد الحرب، وإنما أيضا على صعيد التفكير، ومعالجة الأمور”. فمن خلال الرسم كانت تترجم ما تشعر به، حتى خلال الدراسة بالجامعة في ألمانيا، حسب قولها. “كنت أميل إلى معالجة المشاريع المعمارية على الطريقة الفنية، وربطها دائما بسوريا، فأنا أشعر بأنني هنا كامرأة عربية سورية مسلمة، لدي دور كبير ومسؤولية في ألمانيا، لإيصال صورة حسنة عن نسائنا”.
“لو كنت في سوريا لأعدمت في الميدان”
زهران العقيل، فنان تشكيلي سوري، نشأ في عائلة فنية. شارك بعدة معارض جماعية، نذكر منها معرض الشباب السابع، في صالة الرواق العربي بدمشق، ومعرض للغرافيتي في المركز الثقافي بعمان، والآن معرض سوريا الفن والهروب في مدينة كولونيا الألمانية الذي يشارك فيه بثلاثة أعمال.
وفي أحدى لوحاته يعبر زهران العقيل عن صورة الديكتاتور الذي “يجسد حالة أنظمة الحكم في بلدان الشرق الأوسط، والتي تقمع الحريات وتكمم الأفواه وتكسر الأقلام”، حسب ما قال لـDW عربية. والسلاح الوحيد الذي يحمله زهران هو ألوانه وريشته، يعبر بها ويخوض في الأعماق. لكنه لو كان داخل سوريا، ورسم هذه اللوحة لكان مصيره الإعدام الميداني بالتأكيد، يقول الفنان السوري. أما ألمانيا فقد وفرت له المناخ الملائم للتعبير عن حرية الرأي، “والانطلاق بكل حرية نحو التعبير بأسلحتنا التقليدية، وهي الألوان والتي شكلت مصدر رعب شديد للأنظمة الحاكمة في بلداننا”، يقول زهران العقيل.
وفي لوحته عن حالة ما بعد القصف في سوريا، يجسد العقيل حالة من الذهول، الحاصل للأبنية السكنية نتيجة القصف الوحشي الذي تتعرض له البلاد منذ ما يقارب الستة أعوام، حسب ما قال، ويضيف “رؤية المشاهد المؤلمة تولد لدى الفنان شعورا بإنجاز أي شيء تعبيري للفت الانتباه لما يحصل من انتهاكات بحق البشر والحجر.
أما عبدالله جبار، فهو باحث آثار سوري، مقيم في ألمانيا، وهو أحد القائمين على تنظيم المعرض الفني في كولونيا، ويقول: “بدأت فكرة تنظيم هذا المعرض بمبادرة مني ومن الفنان زهران العقيل، وبدأنا التواصل”.
كان الهدف الأساسي من تنظيم هذا المعرض هو فتح جسر التواصل بين الشعب الألماني والشعب السوري، يقول عبدالله جبار، ويتابع: “وفي نفس الوقت العمل على رصد الألم، الذي تعرض له السوريون، من خلال تجسيد الخسائر المادية والبشرية، وكذلك النفسية التي تنتج عقب الدمار والحرب”.
لكنْ هناك هدف آخر لا يقل أهمية وهو “تجاوز الصورة السلبية، التي تم تكريسها من قبل مجموعة من المنابر الإعلامية، بخصوص اللاجئ السوري”. فاللاجئ السوري في ألمانيا أصبح إنسانا فاعلا في المجتمع الألماني، وبوسعه أن يعبر عن القضايا، التي تشغله مستخدما طريق الفن، الذي يظل أحسن وسيلة للتوثيق، وتأريخ أهم الأحداث، حسب ما يعتقد عبدالله جبار.
رفض لتسمية السوري باللاجئ
أما سونيا، فهي فنانة تشكيلية ألمانية، كانت المشاركة الألمانية الوحيدة في المعرض. وقد ساعدت عبد الله جبار في تنظيمه، بعدما سبق وتعرفت عليه في أحد المعارض الفوتوغرافية. وبسبب اهتماماتهما المشتركة، بدأت فكرة التخطيط لإطلاق معرض سوري يتحدث عن القضية السورية في الظهور، وقالت في هدا الصدد إن المعرض لقي إقبالا كبيرا من قبل الحضور الألماني، خصوصا وأنهم أعجبوا بمختلف اللوحات، التي تكرس معاناة الشعب السوري مع الحرب، فضلا عن كون هذا المعرض كان الفرصة المناسبة للتواصل بين الشعبين: السوري والألماني.
وأضافت سونيا في حديث مع DW عربية أن الفن يظل أحسن لغة يمكن أن تتواصل من خلالها مختلف الشعوب، بغض النظر عن الاختلافات التي تفرقها سواء من حيث الدين، أو اللغة أو غيرهما. “خصوصا وأن الفن كفيل بالتعريف بقضية الإنسان السوري”، التي رفضت تسميته باللاجئ السوري، مادام بوسعه الاندماج والتأقلم.