شغفه الجبلي بالجيولوجيا
البيان – علي الظاهري
تتناغم عناصر البيئة مع اهتمامات الفرد أحياناً، وتحشره في هوايات تبقيه في أحضان الطبيعة الساحرة، وفي رأس الخيمة تلك الإمارة التي تكسو أرضها الجبال الشامخة، استلهمت صناعة التحدي قلب المواطن صالح الشحي، وحرضته على تسلق الجبال بشغف غير مسبوق..
هذه الهواية دفعته إلى المجازفة والمخاطرة بحياته كثيراً، لكن سطو المتعة وسيطرة حب الاكتشاف، كان لهما الدور الأكبر في تحريك حواس الشحي لمحاكاة طبيعة بلاده، متجاوزاً بذلك 60 رحلة تسلق محفوفة بالمخاطر، مقدماً خلال هذه السنوات برهانا بعدسة تصويره عن مواطن السحر والجمال في طبيعة الإمارات الساحرة.
تعرجات الجبال
في طفولته، كانت عائلته تمنعه من الذهاب للجبال خوفاً عليه، وبقي مراوحاً مكانه في المنزل متمعناً تعرجات الجبال عن بعد، ومتأملاً عظمة الخالق فيما صنع، لكن ارتباط والده بالجبال قديماً، مهد الطريق كي يتقرب صالح من الجبال عن كثب، من خلال مرافقة والده في الزيارات إلى بعض الأقارب والأصدقاء في الجبال.
استغل صالح الدراسة في إشباع رغبته نظرياً، فتعمق في علوم الجغرافيا والجيولوجيا، وأصبح بما استقى من معلومات قادر على دخول امتحانات المادة واجتيازها بتفوق، وهذا ما بدا واضحاً في علاماته المدرسية، كذلك كان يهوى جمع الأطالس وهي عبارة عن كتب تحوي مجموعة خرائط جغرافية، يشتري بعضها ويحصل على بعضها الآخر من أصدقائه، ولا يزال يحتفظ إلى الآن بأطلس يزن نحو 10 كيلو غرامات.
وتسللت إلى قلبه هواية التصوير، وألتقط الكثير من الصور الرائعة من أعالي جبال إمارة رأس الخيمة ولمعالم مدينة دبي مثل برج خليفة ومرسى دبي بواسطة آلة تصوير مخصصة لالتقاط الصور من مسافات بعيدة، ناهيك عن تصوير القمر والكواكب الأخرى مثل المشتري، ورصد بعض الظواهر الفلكية مثل خسوف القمر وانفجارات الشمس.
الانطلاقة الحقيقية
الانطلاقة الأولى والحقيقية للشحي نحو تسلق الجبال، كانت في عام 2005 عندما اشترى سيارة دفع رباعي قام من خلالها بالتعمق في الأودية والجبال والمناطق الوعرة، ليتسنى له اكتشاف المزيد من سحر جبال رأس الخيمة الشامخة، مستخدماً أثناء ذلك جهاز الملاحة لتحديد المواقع.
ومن الطبيعي أن يمر متسلق الجبال بمشاهدات تأبى النسيان، أهمها المغامرة الأولى عند صعوده جبل جيس برفقة شقيقه الأصغر في فصل الصيف ظهراً، لم يهتم حينها بحمل المعدات واكتفى بحمل زجاجة مياه للشرب، حتى وصل إلى أعلى قمة في دولة الإمارات يبلغ ارتفاعها 1739 متراً.
عندما أراد النزول من القمة، اختار طريقاً مختصرا للنزول لم يع ما يخفيه هذا الطريق من مفاجآت أمامه، ومضى في طريقه نحو ساعة ونصف من الزمن ليقف في النهاية عند منحدر خطير يصعب تخطيه، فقرر تغيير المسار مرة أخرى الذي استغرق نحو ساعة ونصف أيضاً، ليتكرر السيناريو ذاته ويصطدم مرة أخرى بمنزلق خطير، لكن إدراك الظلام لهما وتخييمه على المكان قلص الخيارات أمام الشحي وشقيقه، وجعل القرار حاسماً بالمخاطرة والقفز إلى الصخرة أمامهم ثم التشبث بجذور الأشجار الصغيرة، وكاد شقيقه أن يفقد حياته في تلك اللحظة نتيجة تزحلق ساقه، لكن العناية الإلهية كللت تلك الرحلة بنجاح في نهاية المطاف.
مغامرة «الرحبة»
مغامرة أخرى عرج على ذكرها الشحي، كانت هي الأخرى يصعب نسيانها، عندما كان ذاهباً لتسلق جبل يطلق عليه “الرحبة” يقع في إمارة رأس الخيمة مصطحباً أشقاءه، وفي الطريق تعرض أحد أشقائه لإصابة والتوى كاحله، فعاد أدراجه إلى السيارة وقرر صالح بصحبة شقيقه الآخر استئناف الرحلة إلى القمة، فاستطاعوا الوصول إليها عند أذان المغرب، عندئذٍ اتصل صالح بفرق الطوارئ والإنقاذ طالباً منهم المساعدة، واستجابوا لندائه سريعاً رغم صعوبة الطيران حينها لكن ورغم الخروج من المأزق، إلا أن القلق والخوف ظل يساور صالح على شقيقه الأصغر لاسيما وأنه مر على فراقه نحو ست ساعات، كذلك كانت السيارة مقفلة ونسي صالح أن يعطي شقيقه المفتاح، فضلاً عن انعدام الإرسال من الهواتف المحمولة في تلك المنطقة النائية، لكن بدد جميع مخاوفه رؤية شقيقه جالساً داخل السيارة إذ دخل بطريقة ذكية من الصندوق الخلفي.
حيوان «الوشق»
مما لاشك فيه، أن عشاق تسلق الجبال يتعرضون إلى الإصابة كثيراً إثر السقوط، وصالح بصفته ممارساً للهواية تعرض لحوادث تراوحت بين البسيطة والمتوسطة، لكنه يروي في هذا الصدد أن الكثير من السياح الأجانب فقدوا حياتهم لقاء حب هواية التسلق تم العثور عليهم في الجبال التي حرص على صعودها بين الحين والآخر.
أما أبرز المشاهدات الأخرى، قال إن حيوان “الوشق” وهو حيوان لاحم مفترس يتغذى على الأرانب والأغنام شاهده بكثرة، إلى جانب النسور والصقور والأفاعي الصغيرة ومتوسطة الحجم التي كاد أن يدوس على إحداها حيناً.
قرر الشحي منذ بضع سنوات تأليف كتاب عن جبال الإمارات، لكن لظروف ما أجل مشروعه إلى وقت لاحق، مقدماً نصيحة لأبناء الوطن ليكشفوا عن مواطن السحر والجمال في الإمارات، مؤكداً أن الكثير من الأصدقاء ذهبوا برفقته أدهشتهم المناظر الخلابة على سفوح الجبال، ومواقع سياحية أخرى تفتقر إلى مرتاديها، سواء في الجبال أو الصحاري والبحار.
خطاط
أخفى صالح الشحي موهبة فريدة من نوعها في الصغر، وهي الرسم بالخط، وبلغ في ذلك مستوى عاليا من الاحترافية، إذ كان معلموه يظنون عند مشاهدة لوحاته أنه استعان بخطاط محترف من الخارج.
وذكر الشحي أنه في عام 1986 نظمت منطقة رأس الخيمة التعليمية مسابقة لأجمل لوحة على مستوى المدارس في الإمارة، فبحثت المدرسة عن خطاط يشارك في رسم اللوحة إلى جانب الرسامين، ونظمت اختبارا داخليا في المدرسة لم يشارك صالح فيه، فرشحت اللجنة طالبا آخر يؤدي هذه المهمة، لكن معلم صالح ورائد فصله أوضح لمدير المدرسة أن هناك من يتفوق على الطالب المرشح، فطلب المدير حضور صالح والكتابة بخط جميل أمامه، فوافق وتعجب مما رآه، وفازت اللوحة بالمركز الأول بعد مشاركة الشحي.