|
|||||||||||||
حسن سليمان فنان الضوء والكتلة
يهبط الضوء فترتجف الكتلة.. يداعب مكانا ما هبط فتستجيب بقية الكتلة ..تتفاعل وتنهض.. ينفخ فيها فتتحرك، ويحتويها فتذوب مفجرة ما بداخلها من طاقات قد لا نراها ولكننا نحسها فى أعمال الفنان حسن سليمان الضوء يضاجع الكتلة ويذوب فيها.. يحرك الكامن فتنبض بالألحان.. الضوء بقوته وعلاقته بالكتلة يشبه العزف بالآلات الموسيقية النحاسية والنفخية مرتفعة الصوت ينعكس علينا بالأنغام وليس بالضجيج .
لم يتعامل حسن سليمان مع نساء لوحاته بمعاير الرؤية الفنية المذهبية فقط ولكنه يراها ملحمة لتاريخ لم تطو صفحاته وجغرافيا ممتدة لأوطان يسكن فيها ويطالعنا بأسرارها تشعر بأن الملابس جزءا من الجسد إنها حالة من التوحد اوجدتها عجينة ألوانه الخاصة بمهارة خبير وقدرات فيلسوف مبدع فنان لا يغازل مفرداته من بعيد ولكنه يغوص فيها وتبادله الغوص فتسحرك بمهابتها وما تضيفه من ثراء جمالى وإبداعى وما تحققه من حرفية فى التوزيع اللونى والضوئى الذى يخاطب النفس والعين وما يدور من أفكار وأحلام يترجمها الفنان إلى حقيقة تجعل من القراءة امتدادات لا حدود لها.
كان اهتمام حسن سليمان بالموديل أمرا فى غاية الأهمية وكان يقول فى هذا الأمر: ` إذا لم يفهم الطالب ويدرك قيمة الموديل وقيمة الطبيعة فلن يستطيع أن يدرك معنى الفن مهما كانت عبقريته فإن الطبيعة والموديل هما البوابة العظيمة للإبداع `
حين تتأمل المرأة فى لوحات الفنان تجدها كتلة من الأحاسيس بالدرجات اللونية والضوئية والإيقاعات المتناغمة ،كل هذا يقيم حوارا بصريا، فيشعرك بأنك بمحراب لرجل صوفى يدعمه اختياراته اللونية وفلسفته الذاتية وفكره الممتد الذى قدم لغة جديدة لحواريه التجريدى مع التعبيرى فى حالة من العشق تجعلك تشعر وكأن الإنتقالات الضوئية تحرك الشكل فينفض فى مشاهد تفاعلية ويستسلم فى مشاهد أخرى فى جو من الجمال .
الملفت أيضا أن الفنان استطاع أن ينقلك من المشاهدة التقليدية من بحث تفاصيل وبنايات العمل للنظر للفكرة التى تطرحها الأعمال ورؤية القيم الدرامية والإنطلاق فى رحاب تجربة الفنان المرتبطة بعلاقات مركبة بين اللون والضوء والمساحات التى تحقق إيقاعات متناغمة تصور معنى الحياة متجاوزة وصفها، فحين تتأمل لوحات حسن سليمان فإنك تراها وتعايشاتها بقدر من الوعى وفى ذات الوقت بقدر من تجاوز المنطق وهذا هو السر الكامن فيها .
ولد حسن سليمان عام 1928 ورحل عام 2008 وحصل على بكالوريوس الفنون الجميلة قسم التصوير عام 1951 أقام العديد من المعارض واقتنص عددا من الجوائز، وله مقتنيات لدى الأفراد بمصر والخارج وله مقتنيات رسمية بمتحف الفن المصرى الحديث ومتحف الفنون الجميلة بالإسكندرية وله أعمال بجاليرى ( جوجونيونا ) بروما منذ عام 1966. واعتزل الحياة الثقافية معتبرا أنها تعج بالشللية منذ عام 1987 وظل ينتج فى مرسمه حتى رحيله .
سامى البلشى
الإذاعة والتليفزيون 2013
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ