نشرت «مجلة العلوم والتقنية» التي تصدر عن «مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية»، تقريراً مترجماً أعده موريال فالان، يكشف ابتكار نوع جديد من الزجاج يولد الكهرباء من أشعة الشمس بكميات وفيرة.
وإضافة إلى ذلك، يحتفظ ذلك النوع من الزجاج بخاصية الشفافيّة، بمعنى أنه يبدو كزجاج عادي لكنه ينتج طاقة الكهرباء من دون أن يكون ذلك ظاهراً للعيان.
وعندما عُرِض ذلك اللوح الزجاجي، أشار صانعوه بوضوح إلى أنّه يخفي في تركيبته لوحة ضوئيّة تنتج الكهرباء بمجرد تعرّضها للشمس، ما يجعله أول لوح شمسيّ شفاف فعليّاً.
جرى تصنيع ذلك اللوح الشمسي في جامعة ميتشيغن الأميركيّة، وستكون من دون شك سابقة تاريخية لأنها ستوفر إمكان تحويل كل السطوح الزجاجية مصدراً محلياً خفياً للطاقة. وكذلك يتيح لزجاج السيارات، والمباني، والمنازل، ومحطات الحافلات، والهواتف النقالة وغيرها، أنّ تتزوّد بالطاقة ذاتيّاً، وربما مجّاناً أيضاً.
قفزة كبرى إلى الأمام
في حديث إلى أحد المواقع الشبكيّة العلميّة، شرح البروفسور الأميركي ريتشارد لانت، وهو مدير البحوث الذي كان وراء ذلك الإنجاز: «لحد الآن، بعيداً من الخلايا الضوئيّة الكلاسيكيّة، قادت كل الاختبارات حول الألواح الضوئيّة إلى صنع زجاج نصف شفاف تقريباً وملون دائماً. نموذجنا الأولي مميّز لأنه الأول من ناحية الشفافيّة بالعين المجردة. وصل مؤشر شفافيته إلى 85 في المئة، وذلك قريب تماماً من نسبة الـ 90 في المئة شفافيّة التي يحوزها الزجاج كلاسيكيّاً».
كما هي الحال غالباً في العلوم الحديثة، لم يأتِ إنجاز لانت وفريقه من فراغ، بل استند إلى جهود تبذل منذ ما يزيد على عشر سنوات في المختبرات الكبرى المختصّة في حقل طاقة الشمس في فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة، بهدف إنجاز ألواح شمسيّة شفافة.
نجحت المؤسّسة الفرنسية «سانبارتنر تكنولوجيز» Sunpartner Technologies في تحدي الشفافيّة، لكن ذلك لم ينطبق سوى على المساحات الصغيرة كشاشات الهواتف الذكيّة.
ثمة رهان كبير معقود على تلك الألواح الشفّافة. فمن المعروف أنّ شبكات الخلايا الضوئيّة الكلاسيكيّة تكون سوداء اللون، فلا تكون خفيّة عند تركيبها على سطح منزل أو في حديقة. يمثّل ذلك الأمر جانباً قبيحاً يكبح ازدهار الطاقة الشمسيّة، إلى حدّ أن معالجته أصبحت موضوعاً لبحوث مستفيضة، مع ملاحظة أن تحويل لوحة شمسيّة إلى لوحة شفافة كلياً يشكّل معضلة تقنيّة حقيقيةّ.
بديهي التذكير بأن الأجسام الداكنة تمتص أشعة الشمس وحرارتها، فيما الأجسام الشفافة تسمح بمرور الضوء من دون امتصاص أيّ من مكوّناته. واستطراداً، يجب على اللوح الذي ينتج الكهرباء من ضوء الشمس، أن يمتص قسماً من طيف الأشعة الشمسيّة كي يحوّله طاقة تساعد في انتاج الكهرباء.
ومع انعدام عملية الامتصاص في الأجسام الشفافة، تقل الطاقة المتحصلة من الشمس، وتالياً تتضاءل كمية الكهرباء التي تنتجها، بل ربما انعدمت! وشكّل ذلك المعطى العلمي الأولي عقبة كأداء أمام صنع ألواح شمسيّة شفافة.
واستطاع ريتشارد لانت وفريقه ابتكار طبقة رقيقة من مادة شفافة بطريقة تجعلها قادرة على التقاط الجزء «الخفي» من ضوء الشمس، بمعنى أنّه الجزء الذي لا تراه عين البشر. ثم عملوا على استنباط طاقة الكهرباء من الطاقة التي يحملها ذلك الجزء «الخفي» من الضوء! ويتراوح طول موجة الجزء «الخفي» من الضوء بين 700 و800 نانومتر، وهو الجزء الذي يندرج في طيف الأشعة تحت الحمراء في الضوء.
دور الكيمياء
من الناحية العملية، عندما تمرّ أشعة الشمس في الألواح الشفافة التي ابتكرها لانت، يجري امتصاص الأشعة تحت الحمراء (ثم تتحوّل كهرباء)، ولأنها أصلاً غير مرئية لعين البشر، لا يلاحظ المراقب تغييراً في النور الذي يعبر تلك الألواح، فتبدو شفافة لعينيه.
وقدّم لانت تفاصيل إضافيّة عما أنجزه قائلاً: «مفتاح ذلك الزجاج هو جزيئات شفافة للعين تدعى «سيانين» Cyanine عملنا عليها في السنوات الثلاث الأخيرة. وقبل سنة، تمكّنا تدريجياً من تصنيعها كيماوياً لتتسم بالميزة المحدّدة التي نبحث عنها، وهي امتصاص الأشعة تحت الحمراء وحدها وتمرير بقية الطيف الضوئي».
وفي التفاصيل، تذوب مادة الـ «سيانين» في طبقة من البوليمر كي تؤدي مهمة «المرشد» لموجات الضوء، على غرار ما يحصل في الألياف الضوئية لكوابل الإنترنت. وتحتجز الـ «سيانين» الأشعة تحت الحمراء، وتوجهها نحو خلايا مجهرية ضوئيّة من السيليكون. عند الوصول إلى تلك المرحلة، تُحَوِّل الأشعة إلى كهرباء.
في سياق متّصل، تشاركت شركتا «آي بي أم» IBM، وهي من عمالقة المعلوماتيّة والاتصالات المتطوّرة، و»إرلايت أنيرجي» Airlight Energy السويسريّة لإنجاز ألواح ضوئيّة يُذَكر شكلها بدوار الشمس. وعلى قائمة ارتفاعها قرابة 10 أمتار، يظهر طبق مساحته 40 متراً مكعباً وهو يتتبّع حركة الشمس في مسارها. وتعمل المرايا الــ 36 المنتشرة فيه، على توجيه أشعة الشمس بعد تضخيمها بمقدار 2000 ضعف، إلى جهاز استقبال مؤلّف من خلايا شمسيّة، وهو موجود على بُعد 4 أمتار من وسط الصحن. ويتميّز ذلك «الدوار الشمسي» بنظام تبريد يشبه ما تستعمله شركة «آي بي أم» في آلاتها الضخمة المسمّاة «سوبر كومبيوتر» Super Computer.
إذ ترتكز تلك الخلايا الشمسيّة الى وسادة تخترقها ممرات مجهريّة، يتدفق فيها الماء، ما يعطيها قدرة على التبريد تفوق ما يتحصّل من دوران الهواء، بقرابة 10 أضعاف.
وبذا، يجري تحويل 80 في المئة من الطاقة الشمسيّة المجمّعة إلى كهرباء. إذ تنتج 30 في المئة من تلك الطاقة كهرباء بصورة مباشرة، ما يعني أن كل صحن يعطي قرابة 12 كيلوواط في يوم مشمس، فيما يتحوّل 50 في المئة من أشعة الشمس إلى حرارة تختزن في الماء.