كان يطلق الآراميون على دمشق “درمسق” والسريان “درمسوق” وكانت تعني في اللغة الهيروغليفية الأرض المزهرة أو الحديقة الغنّاء. هي أقدم مدينة في العالم، ظلت عامرة نحو أربعة آلاف سنة، كتب لها العديد من الكتاب والشعراء منذ العصور القديمة إلى وقتنا الحالي.
قال عنها أحد المؤرخين:
دمشق في أوصافها جنت خلد راضية أما ترى أبوابها قد جعلت ثمانية
سنعرض هنا لمحة عن 10 قصائد من أجمل ما وصف المدينة التاريخية.
1 – نزار قباني
لا أستطيع أن اكتب القائمة دون أن أبدأ بالشاعر الدمشقي نزار قباني، الذي أصبح أسمه معروفاً في كل أسرة عربية، بالإضافة إلى انه أصبح معروفاً عالمياً وترجمت العديد من قصائده إلى لغات أخرى. ولد في 21 مارس عام 1923، درس الحقوق وتخرج منها في عام 1945، كتب أول ديوان له في عام 1944 وكان الديوان بعنوان “قالت لي السمراء” عمل في السلك الدبلوماسي بين عامي 1945 و1966.
المعروف عن نزار قباني على انه كاتب قصائد الحب، لكن بالرغم من شهرته بمثل تلك القصائد فقد كان لديه العديد من القصائد السياسية التي أثارت ضجة كبيرة في الوطن العربي، وفي بعض الأحيان كان يُمنع انتشار تلك القصائد وتداولها في وسائل الأعلام.
الأبيات من قصيدة “عاشق دمشقي”، من أجمل ماقيل في دمشق
فرشتُ فوقَ ثراكِ الطاهـرِ الهدبـا فيا دمشـق… لماذا نبـدأ العتبـا؟
حبيبتي أنـت… فاستلقي كأغنيـةٍ على ذراعي، ولا تستوضحي السببا
أنت النساء جميعاً.. ما من امـرأةٍ أحببت بعدك.. إلا خلتها كـذبا
يا شام، إن جراحي لا ضفاف لها فمسحي عن جبيني الحزن والتعبا
وأرجعيني إلى أسـوار مدرسـتي وأرجعي الحبر والطبشور والكتبا
9 – محمود درويش
هنا لدينا أيضاً الشاعر الفلسطيني محمود درويش الذي كتب قصيدة عبر فيها عن تعلقه وعشقه لدمشق تحت عنوان “طريق دمشق”. ولد محمود درويش في 13 مارس عام 1941 في قرية البروة في الجليل. يعد شاعر المقاومة الفلسطينية. درس الاقتصاد السياسي في الاتحاد السوفيتي. أول ديوان له كان بعنوان “أوراق الزيتون” في عام 1964، وكانت أخر قصيدة كتبها قبل رحيله بساعات هي “لاعب النرد”، كان رئيس رابطة الكتاب والصحفيين الفلسطينيين ومحرر في مجلة الكرمل.
الأبيات من قصيدة “طريق دمشق”
من الأزرق ابتدأ البحر
هذا النهار يعود من الأبيض السابق
الآن جئت من الأحمر اللاحق..
اغتسلي يا دمشق بلوني
ليولد في الزمن العربي نهار
أحاصركم: قاتلا أو قتيل
و أسألكم .شاهدا أو شهيد
متى تفرجون عن النهر. حتى أعود إلى الماء أزرق
دمشق. ارتدتني يداك دمشق ارتديت يديك
كأن الخريطة صوت يفرخ في الصخر
نادى و حركني
ثم نادى ..و فجرني
ثم نادى.. و قطرّني كالرخام المذاب
8 – أحمد شوقي
الشاعر المصري أحمد شوقي الملقب بأمير الشعراء كتب أيضاً لدمشق. ولد الشاعر في القاهرة في 18 أكتوبر عام 1868، نفي من قبل الإنكليز إلى إسبانيا في عام 1951 ويقال انه في ذلك الوقت اطلع على الأدب العربي والحضارة الأندلسية والآداب الأوروبية الأخرى. عاد إلى مصر في عام 1920، وفي عام 1927 اقر جميع الشعراء على أن أحمد شوقي هو أمير الشعر، من ثم انتقل شوقي إلى المسرح الشعري ويعد هو الرائد الأول عربياً في هذا المذهب المسرحي، من أشهر مسرحياته مصرع كليوباترا، ومجنون ليلى، وعنترة، والبخيلة. من روايته الفرعون الأخير، وعذراء الهند.
سلام من صبا بردى أرق ودمع لا يكفكف يا دمشق
ومعذرة اليراعة والقوافي جلال الرزء عن وصف يدق
وذكرى عن خواطرها لقلبي إليك تلفت أبدا وخفق
وبي مما رمتك به الليالي جراحات لها في القلب عمق
وتحت جنانك الأنهار تجري وملء رباك أوراق وورق
7 – أيليا أبو ماضي
يعد إيليا أبو ماضي من أهم شعراء المهجر، ولد عام 1890 في لبنان، انتقل في عام 1902 إلى مصر مع عمه للتجارة بسبب الفقر الذي أصابه، وهناك نشر أول قصائده في مجلة الزهور عندما التقى بالكاتب ومؤسس المجلة أنطون الجميل. أصدر أول ديوان له في عام 1911 تحت عنوان “تذكار الماضي”. شارك في تأسيس الرابطة القلمية مع خليل نعيمة وجبران خليل جبران. من دواوينه الخمائل وتبر وتراب.
الأبيات من قصيدة “لوس أنجيلوس”
أنا لست في دنيا الخال و لا الكرى و كأنّني فيها لروعة ما أرى
يا قوم هل هذي حقائق أم رؤى و أنا ؟ أصاح أم شربت مخدّرا ؟
لا تعجبوا من دهشتي و تحيّري و تعجّبوا إن لم أكن متحيرا
خلع الزّمان شبابه في أرضها فهو اخضرار في السفوح و في الذرى
أخذت من المدن العواصم مجده و جلالها ، و حوت حلاوات القرى
6 – حافظ إبراهيم
حافظ إبراهيم الذي كان يلقب بشاعر الشعب وشاعر النيل هو من مواليد مصر عام 1872. يعد من أهم شعراء العرب، عين في دار الكتب المصرية وصار مديراً له وعمل محرر في جريدة الأهرام، توفي في عام 1932 وجمعت جميع أشعاره في ديوان من جزئيين، من أشعاره “اللغة العربية تنعي نفسها”، و “مصر تتحدث عن نفسها” التي غنتها إم كلثوم، ومن الروايات التي قام بترجمتها رواية البؤساء لفيكتور هوجو.
لمِصرَ أم لرُبُوعِ الشَّأمِ تَنْتَسِبُ هُنا العُلا وهُناكَ المجدُ والحَسَبُ
رُكْنانِ للشَّرْقِ لا زالَتْ رُبُوعُهُما قَلْبُ الهِلالِ عليها خافِقٌ يَجِبُ
خِدْرانِ للضّادِ لَم تُهْتَكْ سُتُورُهُما ولا تَحَوَّلَ عن مَغْناهُما الأدَبُ
أمُّ اللُّغاتِ غَداة َ الفَخْرِ أَمُّهُما وإنْ سَأَلْتَ عن الآباءِ فالعَرَبُ
في الشَّرقِ والغَربِ أنفاسٌ مُسَعَّرَة ٌ تَهْفُو إليكَ وأكبادٌ بها لَهَبُ
كم غادَة ٍ برُبُوعِ الشّأمِ باكيَة ٍ على أَليِفٍ لها يَرْمِي به الطَّلَبُ
5 – أدونيس
أدونيس هو الاسم المستعار للشاعر السوري علي احمد سعيد، أختار هذا الاسم تيمناً بأسطورة أدونيس الفينيقية، وهو من مواليد عام 1930. تخرج من جامعة دمشق في عام 1954 في مجال الفلسفة ومن ثم حصل على دكتوراه في الأدب عام 1973، وحصل على العديد من الجوائز من بينها جائزة الإكليل الذهبي للشعر وجائزة غوته، كما يعد الشاعر العربي العالمي الأول حيث ترجمت أعماله إلى أكثر من 13 لغة ورشح لأكثر من مرة لنيل جائزة نوبل في الأدب.
من أعماله “أغاني مهيار الدمشقي”، “تنباً أيها الأعمى”، “هذا هو اسمي”، بالإضافة إلى العديد من الدراسات والترجمات من بينها “مسرح راسين”، “حكاية فاسكو” و “المهاجر بريسبان”.
أومأتِ
جئتُ إليكِ حنجرةً يتيمه
أقتاتُ ، أنسج صوتَها الشَّفقيّ من لُغةٍ رجيمه
تتبطّنُ الدنيا وتخلع باب حكمتها القديمَهْ
وأتيتُ، لي نجمٌ ولي نارُ كليمه:
يا نجمُ ، رُدّ لي المجوسَ
فالكونُ من ورقٍ وريحِ
ودمشقُ سرّة ياسمينْ
حُبلى،
تمدّ أريجَها
سقفاً
وتنتظرُ الجنينْ.
4 – راشد حسين
شاعر فلسطيني من مواليد قرى أم الفحم عام 1936. عمل معلماً ومن ثم محرراً لعدة مجالات منها الفجر والمرصاد، في عام 1971 سافر إلى دمشق للمشاركة في تأسيس مؤسسة الدراسات الفلسطينية ومن ثم سافر إلى نيويورك في عام 1973، وخلال تلك الفترة التي قضاها في دمشق كتب لنا قصيدة يوميات دمشق. من أعماله الشعرية “أنا الأرض لا تحرمينني المطر” و “مع الفجر”.
الأبيات من قضيدة شموع دمشق
كما ينتهي كلٌّ حبٍ كبيرٍ بدمعهْ
تنتهي …
تنتهي كل شمعهْ
ولكنني في دمشقَ
أكتبُ شعراً وحباً وحرباً
على ضوء شمعهْ
وأعرفُ ..
بعض شموعِ الحروبِ تموتُ بسرعهْ
لكنني في دمشقَ
وشمعُ دمشقَ عزيزُ الدموعِ
وكل الشموع التي في دمشقَ تحبُّ
وتعرفُ كيفَ تحبُّ
وكيفَ تعيشُ
3 – إبراهيم اليازجي
وهو أديب وناقد ولغوي من مواليد بيروت عام 1847 والده الأديب والشاعر ناصيف اليازجي. قام بتأسيس مجلة الضياء في القاهرة وعمل في تحرير جريدة النجاح. ويعد من شعراء عصر النهضة العربية، درس السريانية والعبرية والفرنسية، قام بتأليف كتاب ” نجعة الرائد في المترادف والمتوارد” ومعجم في اللغة ” الفرائد الحسان من قلائد اللسان”، بالإضافة إلى تنقيح ترجمة الكتاب المقدس، وشرح ديوان أبو طيب المتنبي، كما كان له اهتمامات واسعة في علم الفلك وكان عضواً في الجمعية الفلكية في باريس وحصل على وسام العلوم والفنون من ملك أسوج ونروج الملك أوسكار.
هذا الغريب الذي أبكي دمشق وقد لاقي من البين في أسفاره أجلا
أبقى لآل قلاووز الكرام أسى مدى الزمان يلاقي مدمعاً هطلا
مضى إلى ربه الغفار متخذا من سبل غربته نحو العلى سبلا
فإن تزر تربه يا من يؤرخه أكتب دعا الله إبراهيم فامتثلا
2 – غادة السمان
شاعرة وأديبة من مواليد دمشق عام ،1942 تعتبر من أهم الكتاب السوريات في القرن العشرين. درست الأدب الإنجليزي في جامعة دمشق من ثم حصلت على ماجستير في مسرح اللامعقول من الجامعة الأمريكية في بيروت. أول مجموعة قصصية لها كانت تحت عنوان “عيناك قدري” في عام 1963، ومن ثم أصدرت المجموعة الثانية في عام 1965 “لا بحر في بيروت”. من رواياتها “سهرة تنكرية للموتى” و “الرواية المستحيلة” ومن مجموعاتها الشعرية “أعلنت عليك الحب” و “الرقص مع البوم”.
أعرف أنني مهما ركبت من طائرات وقطعت من محيطات
ورقصت بين القارات، ما زلت أتسكع في الزقاق الشامي الذي
ولدتُ فيه جيئةً وذهاباً منذ طفولتي وحتى أموت…
ومهما اغتسلت في مياه التايمز والدانوب والسين
والميسيسيبي والراين، لا تزال مياه بردى تبللني وحدها ولا
تجف عني.
أعرف أنني أينما كنت، ما زلت في بيتي الدمشقي تحت ظل
عينيك يا حبيبي الوحيد، يا زين الشباب، يا قاسيون الأبد…
1 – محمد كرد
هنا أرغب بإضافة محمد كرد لكتابه “دمشق مدينة السحر والشعر” المليء بالمعلومات الشيقة بلغة بسيطة وبعض الأبيات الشعرية التي كتبت لدمشق. محمد كرد هو أديب ولغوي من مواليد دمشق عام 1876، كان رئيس المجمع العربي العلمي (المعروف أيضا باسم مجمع اللغة العربية) ووزيراً لوزارة المعارف والتربية في دمشق وقام بتدريس الآداب العربية في معهد الحقوق بدمشق عام 1924، وهو من رواد النهضة الفكرية العربية في بداية القرن العشرين، أنشأ مطبعة وجريدة يومية تحت اسم “المقتبس”. كتب كتاب غرائب الغرب الذي يحوي 35 مقالة كتبها أثناء وجوده في فرنسا، كما قام بتأريخ الشام ودون جغرافيتها وحضارتها في كتابه خطط الشام، بالإضافة إلى كتابته عشرات الكتب ومئات المقالات في شتى المجالات.
يذكر في كتابه “دمشق مدينة السحر والشعر” أن البحتري قال هذه القصيدة للخليفة المتوكل:
أما دمشق فقد أبدت محاسنها وقد وفى لك مطريها بما وعدا
قل للإمام الذي عمت فواضله شرقا وغربا فما نحصي لها عدد
الله ولاك عن علم خلافته والله أعطاك ما لم يعطه أحدا
يمسي السحاب على أجبالها فرقا ويصبح النبت في صحرائها بددا
كأنما القيظ ولى بعد جيئته أو الربيع دنا من بعد ما بعدا
ما نسأل الله إلا أن تدوم لك الـ ـنعماء فينا وأن تبقى لنا أبدا