قصة اعتقال معلن
نهاية آب/أغسطس الماضي، تمَّ اعتقالي أنا والزميلين الشاعرين والصحافيين صفاء خلف وصفاء ذياب لأننا كنا نصوِّر الجوامع القديمة في منطقة الميدان وسط بغداد. كانت الكاميرا الفوتوغرافية تهمة كبيرة أوصلتنا إلى استخبارات الفرقة 11 التابعة لوزارة الدفاع. هناك، لم يتوانَ أحد الضبّاط الكبار – الذي لم يكشف لنا عن اسمه «خوفاً على سلامته»- عن اتهامنا بأننا نعطِّل الديمقراطية في البلاد بسبب «عدم احترامنا للقانون». ولم يتوانَ عن وصفي بالمريض النفسي بسبب طول شعري وملبسي العصري. لكن ما هو القانون الذي لم نحترمه، وما هي علاقة تسريحة الشعر واللباس العصري بالأمراض النفسية؟ لم يجهد الضابط (الكبير) نفسه بالإجابات عنها. بعد 7 ساعات وقوفاً أمام الحائط، والتحقيق معنا بطريقة ساذجة، أُعدمت ذاكرة الكاميرا بالكامل وأُطلِقَ سراحنا، مشروطاً بتوقيعنا على تعهّد يقضي بعدم قيامنا بأيِّ عمل إرهابي، على الرغم من هوياتنا الصحفية التي أبرزناها للضابط لنقنعه أننا صحافيون، وكنا نصوّر المناطق التراثية في بغداد. إلا أن هذا لم يحدّ من قسوة التعامل والشتائم التي كيلت لنا من قبل «حماة الوطن».
هذا الاعتقال التعسّفي، شرَّع أمامي البحث عن معاناة المصورين في العراق، وكيف ينظرون إلى تصرَّفات الحكومة: «الحكومة لا تحتاج إلى قرارات لمنع المصوِّرين عن التصوير»، هذا ما يقوله المصوِّر الفوتوغرافي والصحافي هاتف فرحان، موضحاً أن التصوير «ممنوع أصلاً» في العراق، مؤكداً أن «كل رجل أمن ينظر إلى الكاميرا بريبة الهاجس الامني»، قائلاً بأن مسألة خوف السلطات من التصوير والتوثيق «مسألة موروثة من حقب سابقة». بينما يرى المصوِّر أحمد محمود أن القرارات التي تفرضها الحكومة بمنع التصوير «قرارات تعسّفية وعشوائية تنم عن تخوفها من اظهار المظاهر السلبية أمام الرأي العام»، مشيراً إلى أن «حمل السلاح في العراق أسهل بكثير من حمل الكاميرا، لاعتياد الناس عليه وتقبّل رؤيته في الشارع».
ويقول المصوِّر الصحافي سعد الله الخالدي إن «الحكومة لم تمنع المصورين من التصوير فحسب، بل حددت لهم أماكن لممارسة التصوير مثل حدائق الزوراء وابو نواس، للتغطية على البؤس الموجود في الأماكن الأخرى التي يحيطها الخراب ومظاهر العسكرة».
ويحمل المصوِّر الفوتوغرافي محمد عبّاس رؤية مختلفة عن منع الحكومة من التصوير فيقول أنه «في بعض الاحيان، تكون القرارات بمنع التصوير شبه صائبة خوفاً من التخطيط للعمليات الإرهابية». لكن المصور الفوتوغرافي علي الفهداوي يخالفه الرأي إذ يعتقد أنه «لا يوجد أي تفسير منطقي أو فقرة قانونية تستند إلى مواد الدستور، بخصوص منع المصورين والتغطية الصحفية». يستدرك عبّاس فيؤكد أنه «على الرغم من وجود كتب تخويل بحمل الكاميرا وهويات للإعلاميين، فقد يواجه أغلبيتهم – خاصة من يعمل لدى مؤسسات إعلامية ليست على نفس خط الحكومة – السب والضرب وإتلاف أدوات التصوير أو مصادرتها»، مبدياً قناعته بأن «الكاميرا حينما توجَّه إلى رجل أمن يرتعب منها أكثر من الأسلحة النارية، لأنه لا يستطيع أن يرد عليها بالمثل».
«نعم.. حمل السلاح في بغداد أسهل من حمل الكاميرا»، يؤكد مدير مركز الحريات الصحفية في بغداد، زياد العجيلي، مؤيداً ما يقوله المصورون، ويضيف إن «السلطات الأمنيَّة تحد من حركة المصورين والصحفيين في جميع انحاء العراق»، لافتاً إلى أن «الغريب إننا ندَّعي الديمقراطية والحكومة تقول أنها تحترم حرية الصحافة والتعبير، لكن من المستحيل أن يتمكن مصور صحفي من حمل كاميرته دون موافقات (عسكرية) مسبقة».