للأحداث أبطال يرصدونها، يحملون عدساتهم، ينطلقون إلى مهب الاشتباكات، يتداخلون مع الأمر بانسيابية، كطائرة وجدت مهبطًا لها، يتخذون أماكن أقل خطورة، لكن سرعان ما ينهمكون في العمل فينسوا أمانهم الشخصي، يقفون على خط المواجهات، تدور أعينهم في التفاصيل المحيطة بهم بسرعة تليق بالأحداث، يوجهون عدساتهم هنا وهناك، يلتقطون من خلالها لحظات خاصة في حياة البشر والوطن، ينقلونها بموضوعية، غير منقوصة، لعل أحد يهمه الأمر، ولتبقى صورهم أبد الدهر شاهدة على ما وقع، منعًا لتزوير التاريخ، وتزييف الحقائق، غير عابئين بحياتهم التي تقف لحظتها على المحك، واستهدافهم من الجميع- قوات الأمن والمتظاهرين، لأن صورة واحدة قد تبقى وصمة في جبين المشتركين في الحدث طوال العمر، أو دليل إدانة ضده.
داخل قاعة الحكمة بساقية عبدالمنعم الصاوي، أمس الثلاثاء، أقيم حفل توزيع جوائز شعبة المصورين الصحفيين لعام 2013، تحت رعاية شعبة المصورين للصحفيين التابعة لنقابة الصحفيين، وعرض لصور المتسابقين، القصص المصورة موزعة على يمين ويسار رواق يدلف الزائرين من خلاله إلى القاعة المزدحمة بالصور الخبرية، على اليمين اشتباكات بين قوات الأمن والمتظاهرين، ومجموعات الأولتراس، وعلى اليسار أحداث فض ميدان رابعة العدوية، وفي الأمام صور لقوات الأمن أثناء اقتحامها بؤر إجرامية، وفي الخلف أحداث عاشتها الكنيسة المصرية.
القاعة تضج بزحام من المصورين والصحفيين والمهتمين، العيون مُثبتة على صور بعينها، تغيب معها في رحلة عبر الزمن، تسترجع الأحداث، ترى الواقع يتمثل من جديد، تشعر كأنك تعيشه مرة أخرى، تتذكر فإن الذكرى تنفع، فيما اتشح عددًا من الحضور بالسواد، وترقرقت أعينهم دمعًا، أثناء وقوفهم أمام مساحة بداخل القاعة، خُصصت لزميلهم المصور الصحفي محمد عبدالمنعم ”النوبي”- الذي فارق الحياة منذ أيام متأثرًا بإصابته في حادث سيارة- عُلقت فيها صورة شخصية له، أسفلها صورة ألتقطها أثناء فض رابعة العدوية-فازت بجائزة أفضل صورة- فوق منضدة صغيرة، مزينة بباقة من الورد الأبيض، و كتاب لمن يريد كتابة شيء ل”نوبي”، الدموع كانت رفيقة الحبر الذي خطه الجميع في كلماتهم للفقيد.
ترقب بدا واضحًا على ملامح المصورين المشتركين في المسابقة، بينما يقف كلًا منهم أمام صورته، يشرح للسائلين الأجواء التي التقط فيها الصورة، وعن شعوره لحظتها، حجم المخاطر التي واجهته، وكيف أفلت من المتربصين به، وخرج من أرض المعركة سالمًا غانمًا بالصورة، يتلقى نقد وملاحظات أصدقاؤه، والتمنيات بأن تكون صورته هي الفائزة، من بين 104 متسابق تقدموا بأعمالهم إلى شعبة المصورين الصحفيين، القائم عليها حسام دياب، مقرر الشعبة، وعمرو نبيل نائبه، وأعضاء مكتب الشعبة خالد الفقي ومحمد معروف ومجدي إبراهيم، وخضعت لتقييم لجنة تحكيم مكونة من 4 مصورين أجانب و3 مصرين، هم سكوت نلسون، وتوماس هارتويل، ونربرت سشيلر، وأيمن إبراهيم، وخالد الفقي، وعمرو نبيل.
شعبة المصورين الصحفيين كما أشار عمرو نبيل، نائب مقرر الشعبة، في تصريحات لمصراوي، هي إحدى الشعب النوعية المتخصصة بنقابة الصحفيين المصريين، تضم الصحفيين المحترفين بالمؤسسات الصحفية المختلفة وتخضع للوائح وقوانين النقابة، كما نوه نبيل، بأنه تم إعلان الشعبة بعد انعقاد جمعيتها العمومية في سبتمبر 2007، بهدف إبراز أهمية المصور الصحفي والتوعية بأهمية الصور الصحفية الصادقة، وتبادل الخبرات بين أعضائها، العمل على ضمان حرية التعبير والحماية للمصورين أثناء عملهم.
أعلنت الأسماء الفائزة بحضور حسام دياب، رئيس الشعبة، وعبير سعدي، عضو مجلس نقابة الصحفيين، ومحمد عبد المنعم الصاوي، حيث فاز بالجائزة الأولى عن الصورة الخبرية وسط تصفيق حاد من الحضور، المصور الراحل محمد عبدالمنعم ”النوبي”، عن صورته أثناء فض اعتصام رابعة العدوية، وبالجائزة الثانية المصور أحمد عبدالفتاح عن صورة اغتيال اللواء نبيل فراج خلال اقتحام منطقة كرداسة، وحصل على الجائزة الثالثة المصور صبري خالد عن صورة سقوط مدرعة شرطة من أعلى كوبري أكتوبر، فيما حصل المصور عصام عبدالمنعم، والمصورة أيمان هلال على جوائز لجنة التحكيم للصورة الخبرية.
الجائزة الأولى عن القصة المصورة كانت من نصيب المصور حسين طلال عن فض اعتصام رابعة العدوية، وفاز المصور روجيه أنيس بالجائزة الثانية عن سوء الأحوال السياحية في مصر، والجائزة الثالثة للمصور محمود صبري، عن الكنائس التي تعرضت لضرر خلال الفترات الماضية، فيما اقتنص مصطفى درويش جائزة لجنة التحكيم للقصص المصورة، عن حياه المكفوفين، ومصعب الشامي عن فن المهرجانات الشعبية.
على بُعد أمتار كان المصور أحمد عبدالفتاح، الحاصل على الجائزة الثانية في مسابقة الصورة الخبرية، يجاور اللواء نبيل فراج، أثناء اقتحام منطقة كرداسة، متبادلًا معه الحديث، عندما سأله اللواء عن طبيعة عمله، ليرد ”صحفيين ومصورين” قبل أن ينظر الشهيد إلى رجاله من قوات الأمن ويطلب منهم الاستعداد للشهادة، لحظات وفوجئ الجميع بوابل من النيران تجاههم، انبطح الجميع أرضًا، اتجه عبدالفتاح نحو ساتر يقيه النيران، بجوار زملاؤه، ينظر تجاه الأمن ليكتشف أن اللواء فراج ينزف، فيتخلى عن مخاوفه ويُمسك بكاميرته ويلتقط العديد من الصور لتأريخ الحدث ”حسيت إننا مش هنرجع لبيوتنا، فقررت أصور عشان اللي يلاقي الصور على الكاميرا، ينقلها للناس”، هكذا عبر عبدالفتاح، عن الأجواء المصاحبة لالتقاطه الصورة الفائزة، يضيف عبدالفتاح في تصريحات لمصراوي: الأوضاع كانت تتسم بالقلق والترقب، وتبادل إطلاق النيران بين قوات الأمن ومطلقي النيران، جعل الأمور تبدو ضبابية، لكننا نجونا في النهاية ليري الجميع من خلال صورنا ما حدث في كرداسة.
عن الجائزة يقول عبدالفتاح: تملكني شعور بأن الصورة سوف تحصل على جائزة خلال المسابقة، لكنه سرعان ما ينزوي جانبًا لاعتقادي أن زملائي حصلوا على صور كثيرة خلال أحداث مهمة لم أتمكن من التواجد فيها مثل فض اعتصام رابعة العدوية، مؤكدًا أن شعوره بالفوز كان رائعًا لكنه منقوص لغياب زميله النوبي ”كان نفسي يكون معانا، فرحتنا كانت هتكمل به”.
يتعرض المصورون الصحفيون لاستهداف من قوات الأمن والمتظاهرين في كافة الاشتباكات، عبدالفتاح يرى، أن قوات الأمن من الشرطة والجيش منوطة بحماية الصحفيين، لأنهم يوثقون الحدث، ولا ينحازون لأي طرف من الأطراف، مشيرًا إلى أنه يجب على الزملاء التواجد دائمًا بجوار مداخل ومخارج المنطقة التي تشهد اشتباكات، والابتعاد عن مرمى النيران أو الحجارة، والحفاظ على الأمان الشخصية ”لازم نحافظ على نفسنا، عشان نحافظ على صورنا”.