ماذا صنعت بنا جوائز التصوير بقلم كريم نبيل
عرب فوتو
بقلم كريم نبيل
الجوائز هاجس كبير يشغل بال الكثير من المصورين .. خصوصا مع كثرة الإنتاج الذي يتسم به فن التصوير الضوئي فتنتشر المسابقات و ينتشر معها صور الفائزين على صفحات التواصل الإجتماعي ، و يثار معها اللغط و تحتدم المشاكل حتى بين أصدقاء الهواية الواحدة
هنا أحببت أن أعرض وجهة نظر طيعة و قابلة للخلاف لعلها تكون نافعة لجيل مقبل أو للمهموين دائما بدنيا المسابقات .
السهر ليلة الجائزة : أذكر تلك الليلة التي كانت تسبق حفل توزيع الجوائز . كنت أترقب الهاتف على أمل أن تأتيني مكالمة من أحد المنسقين تزف إلي خبر الفوز بإحدى الجوائز . فلك أن تتخيل ذلك الكم من القلق الذي كنت أمر به أضف إليه عدم النوم التوتر و من ثم نقل هذه الحالة إلى كل من يمكث معك في مكان واحد …
الغاية و الوسيلة : الحقيقة أننا لو سألنا أنفسنا لماذا نمارس تلك الهواية ، لو بحثنا بصدق عن أسباب ذلك الوقت و المال الذي نخصصه من أجل ساعات التصوير لوجدنا أن السبب و البداية وراء الشروع في هذا العمل هو الشغف وحده لا غير ذلك . إذن فالمحفز و المحرك و الداعم الأساسي و الزاد هو الشغف و ليس الجوائز ذلك أن الجائزة هي أحد مراحل الإحساس بالثقة بالنفس و تأكيد الموهبة و تكريم ذلك السعي و تتويجه بشيء من التحفيز و أحيانا المال . أما إذا كانت الجائزة هي الهدف من وراء ممارسة تلك الهواية فتعال أسرد لك بعض السلبيات التي قد تصيبك جراء الشغف بالجائزة و ليس الهواية .
دراسة سيكلوجية المحكم: –
ستجد أنك تبحث عن ما يحبه الآخرين و ليس ما تحبه أنت و تذكر معي كم من مادة دراسية نجحنا بها في الجامعة عندما درسنا سيكلوجية المدرس و حصلنا على تقديرات خاوية بعد أن ذاكرنا فصل واحد من المنهج لأننا نعلم أنه سيكون مصدر الإمتحان . هذا تماما ما سيحدث معك ستدرس سيكلوجية المحكم و أعماله و من ثم ستشارك بأعمال لا تحبها بل و قد تذهب أحيانا لتصويرها خصيصا من أجل المسابقة و قد تفوز بالفعل لكنك ستخسر قيمة كبيرة في حياتك و هي أنك خسرت ما تحب من أجل ما يحبه الآخرون .
– البحث في حقيبة الآخرين : أجد الآن فوتوغرافيا من كل دول العالم على صفحات مصورين عرب و الحقيقة أن السفر من أكثر الأمور التي تضيف إلى حياة الإنسان قيمة و نضجا و لا يمكن حصر فوائده في كتاب واحد لكن هناك سما يذوب في ذلك العسل ففي الوقت الذي كنت أنبهر به عندما أطالع كاتولوجات المسابقات ببعض الصور من الصين و شرق آسيا . اكتشتف أن تلك الأماكن محصورة و معلومة و أن أغلب المصورين الحاصدين للجوائز يتوجهوا إلى تلك البلدان تحديدا و يلتقطون نفس الصور لأنهم يعلمون بل واثقون أنها ستكون حاصدة للجوائز في المسابقات خصوصا التي تتبع الاتحادات الدولية . و بالتالي صار منطق الفوز يحمل شعار ( نحن نعلم من أين تأكل الكتف ). و هنا يأتي أحدا و يسألني مالضرر من ذلك فأقول له أن الضرر الوحيد هو أنك أصبحت نسخة من الآخر بعد أن خلقك الله متفردا .
فاسكو ديجاما الفوتوغرافيا حتى لا يظن البعض أنني ضد فوتوغرافيا السفر ، فانني أسرد بعض النماذج التي أراها خرجت من حقيبة الآخرين و صنعت حقيبة جديدة و إبداعا متفردا ولنا في تجربة سالجادو في أفريقيا و ستيف ماكوري في أفغانستان أسوة ولكن الرجلين لما يسافرا بمنطق حصد الجوائز بل سافرا بمنطق اكتشاف الآخر و شغف المعرفة و لا ننسى أن الأيقونة الشهيرة لماكوري و هي الفتاة الأفغانية كان سر إنطلاقها و نجاحها ليس الجوائز و لكن سر النجاح كان في اختيارها غلافا لمجلة ناشيونال جيوجرافيك العالمية في ثمانينيات القرن الماضي و بالتالي فليست الجوائز وحدها هي مسطرة النجاح أو مقياس الفشل بل ثمة أمور أخرى أكثر تتويجا للسعي المخلص و راء الشغف.
مقياس النجاح: يخطيء البغض عندما يختزل النجاح في حصد الجوائز إذا فما الجوائز التي حصل عليها مصوري الدعايا علما بأن صورهم تعرض على أشهر الطرق و بمقاسات طباعة تفوق الخيال و ما هي الجائزة التي حصلت عليها أيقونة ستيف ماكوري – الفتاة الأفغانية – الحقيقة أن الجائزة الحقيقية هي كونها غلافا لمجلة توزع ملايين النسخ شهريا . إذا فالجائزة هي إحدى مقاييس النجاح و لكنها ليست الدليل الوحيد على الإبداع .
كنز المحلية : ما المقصود بكلمة المحلية ؟
المحلية هي أنت هي أنت و ما تمكث بين جدرانه و أحيائه هي ما تحب و ما تكره من حولك هي ما تتنفسه من هواء يحمل مشاعر متباينة هي الصدق في التعبير و مشاركة المكان و الزمان في ما تبدع. أنا من عاشقي محفوظ و من كثرة ما همت بابداعه و حياته قمت بدراسة سيرة حياته و وجدت بها الكثير من النقط المضيئة التي تضيء درب من يبغي أن تكون رسالته الفنية شبيهة بدرب ذلك الرجل المبدع .
محفوظ لم يكتب إلا عندما ينشغل عقله بقضية فقلمه كان ضمير المجتمع السياسي و النفسي نعم كان يكتب كل يوم ولكن لم ينشر إلا ما حمل موضوعا يشغل باله عن صدق و إخلاص ، فلم يتحول إلى ماكينة انتاج تبحث عن الكم و ليس الكيف .
– الرجل عندما فاز بنوبل غادر منزله هربا من زخم الصحافة المصرية و الدولية و لم يسافر لاستلام الجائزة و لم يخسر أحدا من الحاقدين عليه من الكتاب المصريين و العرب الذين غاروا من فوزه و فندوه و أثاروا حولها الشكوك .
– نجيب لم يسعى للجائزة و لم يتوقعها و لم يغضب عندما تأخرت .
– نجيب أحال زقاق في حي شعبي إلى رواية ناجحة تحولت إلى دراما سينمائية مصرية و مكسيكية و حصد الأخير الجوائز . رواية – زقاق المدق – من وجهة نظري فان نوبل نجيب هي الأكثر مصرية عن نوبل زويل أو السادات أو البرادعي . فلم يشوبها سياسة أو نجاح في دولة أخرى أو أي شكل من أشكال الدعم .
– حتى بعد وفاته صدرت له تكملة لكتابه – أحلام فترة النقاهة – فآخر ما كتبه نجيب كان قبل موته بدقائق و هو على فراش الموت . ورغم عجزه عن الكتابه بسبب محاولة إغتياله إلا انه مارس التدريب على الكتابة و عندما لم يٍنجح اتخذ من أخلائه قلما فكان يملي عليهم ما يكتب و يدونونهرفتخيل معي أن يصدر كاتبا آخر أعماله بعد موته بسنين .
القوالب :
الفن إطار لا ينتهي و لا ينغلق على نفسه فالوقت و المكان و الروح هي عناصر التعبير و هم جميعا متجددين متدفقين و لا تعرف الأخيرة معنى الإستقرار (الروح). و نحن لا نعني بدراسة مراحل الفن فذلك شيء وكل إلى النقاد و لكن ما لا يختلف عليه أحد أن لكل مرحلة ابداعها الخاص و أن قمة الابداع يكمن في كسر العادي و الروتين و القوالب .
أما المكوث داخل القالب فقد يضفي إلى صاحبه بعض من النجاح ولكنه سرعان ما ينسى مع تعاقب الأجيال .
المسابقات كثيرا ما تحمل القوالب كالثيمات و شروط المشاركة و مقاسات الأعمال و تقنين استخدام الوسائط الأخرى كبرامج تعديل الصور و غيرهم من الأمور و هذه الأشياء ما هي إلا حدود تقف أمام الخيال و تلجمه بشروط هي محض أهواء المحكمين و أحيانا تكون شكل من أشكال محاربة التجديد خصوصا إذا ما اتسم عمل المحكمين بالإنغلاق على الأنماط القديمة من التصوير و توقف خيالهم عن التجديد فصار كالبحيرة الراكدة لا حياة فيها و لا ترى فيها إلا صورتك المنعكسة على الماء. و تذكر معي كيف كنا نحارب الجديد في تحديثات البرامج فنتهم نسخ الويندوز الحديثة و الورد بالفشل معتمدين على أسباب واهية و مختلقة علما بأن السبب الكامن وراء ذلك – هو أن الإنسان عدو ما يجهل – الجائزة ليست بالشيء السيء الجائزة محفز و مشجع و داعم مهم في تحقيق الذات ، لكنها ستصبح وبالا عندما تصبح هدفا و هما .
صديقي المصور القادم اخرج بخيالك عن تلك القوالب ، كن مجددا مثل بيكاسو الذي انجب في التسعين من عمره ، ضع بصماتك الخاصة على التاريخ بأعمالك المحلية المتفردة ، سافر من أجل صنع حقيبة فنية جديدة ، لا تكن نسخة رديئة لغيرك ابحث في حياة من سبقوك و خذ منها النقط المضيئة كنت متجددا باستمرار و لا تترك الكاميرا حتى لا تتركك دمتم مبدعون جميعا.