الصورة أعلاه ليست مرسومة طبعاً ولا هي وليدة أية تدخلات من الفوتوشوب أو غيره من برامج الكمبيوتر، وإنما التقطت بكاميرا رقمية عادية بقيت عدستها مفتوحة لمدة 10.9 ثانية لتنتج لنا هذه اللقطة.
تقنية التصوير بالتعريض الطويل.. كيف تعمل ؟
تسمى هذه التقنية في التصوير باسم التصوير بالتعريض المطول أو الطويل (Long Exposure Photography) وفرقها الأساسي من التصوير التقليدي يتمثل في أنها تستخدم (سرعة غالق) أطول.
ولكن ما هي سرعة الغالق؟!
للإجابة على هذا السؤال علينا أن نمر سريعاً على بعض المفاهيم الأساسية في علم الضوئيات:
يعرف التعريض أو التعرض (Exposure) بأنه كمية الضوء التي تصل للوسط التصويري، ونعني بالوسط التصويري الفيلم في الكاميرات العادية أو الحساس sensor في الكاميرات الرقمية. كمية الضوء الواصلة للحسّاس هذه تعتمد على حجم الغالق الموجود أمام العدسة ولنتخيل أنه أشبه بنافذة تمرر الضوء. تفتح هذه النافذة لحظة التصوير سامحةً للضوء بالمرور عبر العدسة نحو الحسّاس، لكن العامل الأهم من حجم الغالق (أو حجم النافذة) هو الزمن الذي سيبقى فيه هذا الغالق مفتوحاً وهذا هو ما يسمى بسرعة الغالق (Shutter Speed). إذن الاسم مضلل بعض الشيء فما نتحدث عنه هنا هو في الحقيقة ليس سرعة وإنما زمن! .. ولتوضيح هذه (المحاضرة) النظرية لنأخذ معاً هذا المثال:
يمكنكم جميعاً بسهولة ملاحظة أن الصورة على اليسار مشوشة وبها غشاوة (Blur) أكثر من الصورة على اليمين والسبب في ذلك أن سرعة الغالق – أي الزمن الذي بقيت فيه العدسة مكشوفة – كان أطول وبالتالي ما حدث أن كمية أكبر من الضوء وصلت للحساس حاملة معها صورة الواقع بما طرأ عليه من متغيرات خلال هذه الفترة الزمنية التي بقي فيها غالق العدسة مفتوحاً ، والمتغير هنا في هذه الصورة هو حركة القدمين ..
هذا التشوش وهذه الغشاوة في الصور بالتأكيد قد قابلت الكثيرين منا اثناء التصوير وغالبا ما يكون نتيجة للحركة سواءا كانت حركة اليد التي تحمل الكاميرا او حركة الجسم المراد تصويره ، لكنه في أحيان أخرى يكون نتيجة لسرعة غالق غير مضبوطة ، فالتصوير في ضوء الشمس الساطع يتطلب سرعة غالق قصيرة جدا بينما الكاميرا بحاجة إلى سرعة غالق أطول أثناء الليل لالتقاط التفاصيل ، وأغلب الكاميرات الرقمية تضبط سرعة الغالق أوتوماتيكيا بينما الكاميرات التقليدية لها زر للتحكم به وتبدأ سرعاته من 1/1000 من الثانية – أي ان هذا هو الزمن الذي يستغرقه الغالق لينفتح ويمرر الضوء قبل ان ينغلق مجددا – إلى بضع ثوان في الكاميرات العادية، وقد يصل إلى عدة دقائق أو حتى ساعات في الكاميرات المتخصصة. لا بد من الإشارة هنا أن الغالبية العظمى من الصور التقليدية التي نلتقطها ونشاهدها من حولنا لا تتجاوز سرعة الغالق فيها كسور من الثانية.
لكن هذه الغشاوة المزعجة في لقطاتنا العادية هي أساس التصوير بالتعريض المطول ، فلدى التقاط صورة بهذه التقنية لمشهد يحتوي أجساما ثابتة وأخرى متحركة كشارع مثلا تظهر لنا البنايات ثابتة بينما تسبب السيارات – التي مرت خلال الدقيقة التي ظل فيها غالق العدسة مفتوحا – غشاوة تظهر لنا في الصورة كخيوط من النور ..
وهذه لقطة أخرى:
يكثر استخدام التصوير بالتعريض المطول أثناء الليل لأن بقاء العدسة مكشوفة لمدة طويلة ينتج لنا صورا جاهرة حتى لو كانت الإضاءة الأصلية خفيفة .. وهذه صورة ثالثة:
تستعمل هذه التقنية أيضا في نوع حديث من الفن يسمى الرسم بالضوء ، حيث يقوم الفنان برسم أشكال مختلفة بواسطة مصدر ضوئي أمام الكاميرا لتنتج صورا فنية أبسطها أن تكتب اسمك في الظلام مثلا:
في اللقطة أعلاه كانت سرعة الغالق 20 ثانية ، لكن بالتأكيد يحتاج الفنانون لسرعات غالق أطول لإنجاز أعمال أكثر تعقيدا كهذا العمل الذي احتاج لإحدى عشرة دقيقة من التعريض:
ويمكنم القراءة أكثر عن فن الرسم بالضوء في هذا الموضوع:
إبداع بلا حدود: أعمال فنية مدهشة بحروف عربية لفنان فرنسي !!
من المجالات الأخرى التي يستعمل فيها التصوير بالتعريض المطول بكثرة هو مجال تصوير المياه المتحركة كالأنهار والأمواج والشلالات والنوافير ، حيث تصدر لنا هذه التقنية صور في غاية الروعة مثل هذه الصورة:
وهذه أيضا:
ختاما آمل أن اكون قد وفقت في إيصال مفهوم هذه التقنية التي فتحت آفاق جديدة في فن التصوير الفوتوجرافي اليكم