على الرغم من اختفاء المصورين المائيين من معظم بلدان العالم بسبب دخول التقنيات الحديثة إلى عالم التصوير وبسبب رخص أثمان آلات التصوير ما جعل أمر اقتنائها سهلاً للجميع، لا تزال بقايا من مهنة التصوير المائي سائدة في بعض المدن السورية تعكس جانباً طريفاً من التقاليد الفولكلورية والتجهيزات التي يستخدمها المصورون المائيون لا تزال هي نفسها التي كان يستخدمها الآباء والأجداد منذ عهود مضت، وتشمل هذه المعدات مجموعة قابلة للحمل سهلة التحميل والتنزيل وهي آلة تصوير (كاميرا) قديمة الطراز والغرفة المظلمة ومنصب خشبي ثلاثي القوائم وستارة خلفية كبيرة الحجم نوعاً ما وكرسي المصور البسيط القابل للطي الذي يرتاح عليه ويستعمله كمقعد للزبون عند التصوير و”صور يا مصور” قبل أن تصبح هذه المهنة “نيجاتيف” من الماضي كغيرها من المهن.
كان التصوير المائي يعتمد على ضوء الشمس، لذلك سميت المهنة أيضاً “التصوير الشمسي” وكان المصورون يعملون على آلات قديمة تُحمل على “ستاندات” خشبية هي عبارة عن ثلاث قوائم وكانوا يعتمدون على ضوء الشمس الطبيعي لذلك كانت هذه المهنة موسمية ولرخص أسعار التصوير المائي قياساً بالأسعارالصورالفوتوغرافية ضمن الاستوديوهات، وكان الكثير من الناس يقبلون على أخذ صور تذكارية أو شخصية خاصة بالمعاملات الرسمية لذلك كان الكثير من المصورين المائيين ينصبون كاميراتهم بالقرب من المؤسسات والجهات العامة أو في الميادين العامة.
وكانت مهنة التصوير المائي أيام زمان إحدى المهن الأساسية المهمة التي لا يستغني عنها المجتمع وكانت تضم أعداداً كبيرة من المشتغلين بها يسترزقون منها ويعيشون على دخلها رغم شحه وينتشرون في الميادين العامة وأمام المؤسسات الرسمية باحثين عن أرزاقهم، وغالباً ما يكون المصورون المائيون من أسرة واحدة يتوارثون هذا العمل عن بعضهم ويحدث كثيراً أن يوجد في مكان واحد الآباء والأبناء والأخوة وأولاد العم، ويتمرن الصبي مع والده أو أحد أقاربه على “كاميرا” أبيه المنصوبة ثم يستلم العمل ووحده بعد أن يتعلم أصول المهنة في تركيب الأفلام وأخذ الصور وفي كيفية التقاط “الزبون” أيضاً.
حول آلة التصوير التي كان يستخدمها المصورون المائيون يقول الفنان نعمان عيدموني أحد قدامى المصورين الضوئيين في حمص: كانت “كاميرا” التصوير المائي مصنوعة من الخشب وتتميز بحجمها الكبير ووزنها الثقيل، وكان الحرفي يقوم بمعاينة المنظر على زجاجة خلفية تحتاج إلى غطاء واق يصنع غالباً من قماش أسود، لئلا تتأثر شريحة الفيلم أثناء وضعها في الكاميرا بالنور الخارجي، وأذكر أن الصور الشخصية المستخدمة في الأغراض الرسمية قديما كانت تصنف من قبل الناس على أنها صور مائية (تلتقط بمثل هذه الكاميرا من قبل مصور ينصبها على الرصيف، ويجلس الزبون أمامه على كرسي مقشش، ويدخل المصور رأسه تحت الغطاء الأسود ليعاين وضعية الزبون ويلقم الكاميرا بالفيلم ويلتقط الصور.
جريدة الخليج – الإمارات
الجمعة 19-6-2009
الجمعة 19-6-2009