صالون التصوير الضوئي ووحدة الفنون البصرية
صلاح بيصار- القاهرة يوم 08 – 12 – 2009
جاء صالون النيل السابع للتصوير الضوئي والذي أقيم بمركز محمود مختار الثقافي «قاعة إيزيس» بمشاركة 170 فنانًا وفنانة بشعار «سحر الضوء».. وكأنه يعيد سيرة الأضواء والظلال التي جسدها الفنان الهولندي رمبرانت «1606- 1669».. لكن بلمسة جديدة من خلال حساسية الفنان التي تنفذ من عين الكاميرا.
امتدت الأعمال من التصوير المباشر.. الذي يعتمد علي اللقطة الطبيعية من المناظر والصور الشخصية واللقطات المقربة «كلوزأب» إلي التصوير التجريبي الذي يعتمد علي استخدام الوسائط والمؤثرات داخل المعمل كالمرشحات والفلاتر والملامس المختلفة.. مع هيمنة الوسائط الحديثة من الكمبيوتر وأنظمة الديجيتال الرقمية.. والتي نفدت من وسائط فنون ما بعد الحداثة.
وهذا يؤكد علي وحدة الفنون بما يعكس المصطلح الحقيقي لمعني الفن في الألفية الثالثة.. مصطلح «الفنون البصرية».. بديلاً عن «الفنون التشكيلية» والذي أصبح قاصرًا.. لا يعبر ولا يشمل مختلف الفنون في وقتنا الحالي.
وقد تأكدت تلك العلاقات والروابط التي جمعت الفنون في وحدة واحدة.. علي المستوي الفني والإنساني في وقت واحد.. منذ أكثر من ثمانين عامًا.. وتمثلت في أوجها من خلال جماعة السيرياليين.. وهناك صفحة ناصعة من صفحات تاريخ الفن.. تشير إلي ذلك بقوة.
مان راي والسيريالية
عندما ظهرت السيريالية والتي تعد ابنة محنة الحرب العالمية الأولي.. عرفها رائدها أندريه بريتون في بيانه الأول عام 1924 بأنها تتلخص في التعبير عن خواطر النفس بعيدًا عن كل رقابة يفرضها العقل.. مع الإيمان بسلطان الأحلام.. وقد كانت حركة عامة.. حركة فنية جذبت إليها الشعراء والكتاب مع الفنانين.
ويعد الفنان الأمريكي مان راي المصور الفوتوغرافي «1890- 1976» أحد أعضاء السيريالية.. وهو يمثل أسطورة القرن العشرين في التصوير الضوئي لاستحداثه لغة جديدة للكاميرا.. وانخرط مع رواد الحركة متمردًا علي حدود المنطق.. وقد ارتبط فنيًا بالفنانة الأمريكية لي ميللر.
في عام 1929 وصلت ميللر «1907- 1977» إلي باريس بعد رحلة طويلة من أمريكا إلي إيطاليا.. وكان والدها قد استسلم لطلبها بالسفر إلي أوروبا بعد أن هددته بالوقوف كموديل عارية لأحد المصورين المعروفين في نيويورك كما يقول الناقد محمد حمزة في كتابه البديع «السوريالية بين الفنانات والملهمات».
كانت ميللر في الثالثة والعشرين عندما دقت باب استديومان راي في صيف عام 1929 والذي جاء إلي باريس قبلها بتسع سنوات.. جمالها يلفت الأنظار كعارضة أزياء أنيقة وقد خلفت علي سماتها قناعًا من الحزن والتمرر.. غير أسلوب تسريحة شعرها الذهبي الرقيق ومظهرها الكلاسيكي..
في البداية تطوعت ميللر للعمل داخل الغرفة الظلماء لدي مان راي.. لتقوم بأعمال الطبع والتحميض.. وتقاربا سويًا في تلك الفترة من عام 1929 وحتي عام 1932.. لدرجة أنهما لم يتذكرا من منهما قام بالتقاط وطبع الصور الفنية ذات الملامح الخاصة في التعبير.. وقد ساعدته في إنجاز العديد من الصور الشهيرة من بينها «الفتاة العارية الرائعة».. ومن فرط توحدهما معًا قالت ميللر: «لا أعرف من أنجز تلك الصور.. هو أم أنا.. ولكن الأمر ليس بالشيء المهم فإننا كنا تقريبًا شخصًا واحدًا في العمل».
ولراي صور شخصية خرج بها أيضًا من الواقع إلي ما فوق الواقع من خلال مجموعة من الرموز مثل الكف والأزرار المعدنية.. وله عمل سيريالي «أوتجلت».. عبارة عن مكواة وقد جعل سطحها الأملس مسكونًا بالبروزات الخشنة.. وله أيضًا أعمال في التصوير الزيتي من بينها بورتريه متخيل للكونت دي صاد عبارة عن وجه بروفيل شديد الصرامة.. جعل منه للجبروت والغطرسة بهيئة من الطوب الصخري مع مجموعة من القلاع في الخلفية.
لي ميللر في مصر
ولقد جذبت لي ميللر بجمالها الساحر فناني السيريالية وذلك لصورها اللماحة ذات الخفة والطرافة مع تلك الحيوية.. وأصبحت صديقة للعديد منهم من بينهم بول إيلوار وجان كوكتو وبيكاسو.. وبعد أن تركت مان راي عام 1932 عادت إلي نيويورك وأسست استديو للتصوير التجاري مع أخيها أريك الذي كان مساعدًا لها في الغرفة الظلماء.
وفي نفس العام أقامت معرضًا ضم صورًا ضوئية لمجموعة من زبائنها من بينهم الفنان السيريالي جوزيف كورنيل والممثلة ليليان هارنس وجيروترود لورنس.
والعجيب والمدهش لقاء ميللر برجل الأعمال المصري عزيز علوي والذي جاء نيويورك لشراء معدات لهيئة السكك الحديد المصرية.. وقد حدث نوعًا من التناغم بينهما وتزوجا وتخلت عن استديو التصوير.. كان ذلك عام 1934 وجاءت معه إلي مصر.. ورغم اعتزالها التصوير الضوئي في ذلك الوقت إلا أنها قدمت عملاً ينتمي إلي السيريالية ويعد من أهم أعمالها وهو «بورتريه للفضاء» من وحي صحراء مصر وأفقها.. وأخيرًا ومع بداية الحرب العالمية الثانية انفصلت عن علوي وعادت إلي باريس.. وهناك التقت بزوجها الثاني الفنان السيريالي الإنجليزي رولاند نبروز..، صاحب الأعمال الكوراجية التي تعتمد علي توليفات من الكروت السياحية والتي كان يقتنيها خلال رحلاته إلي الخارج.. ومن بينها لوحته «الفورنارنيا تزور لندن» وتعتمد علي تكرارية للوحة فنان عصر النهضة «الفورنارنيا» وهي فتاة ابنة خباز ربطته بها علاقة حب.. ويظهر في لوحة نبروز برج لندن أعلي اللوحة ومبني البرلمان في القاع.
وعندما اندلعت الحرب العالمية الثانية عملت ميللر كمراسل حربي «مصورة» من قبل الجيش الأمريكي وصورت المعارك وتحرير باريس والفزع في المعسكرات من جراء النازي.. وفي هذه الفترة صورت الأطفال الموتي في مستشفي فيينا.. كما صورت حياة القرويين بعد الحرب.
وقد تعددت لقاءات ميللر وزوجها نبروز بالفنان بيكاسو.. وصورها في خمس لوحات «صور شخصية» قال عنها نبروز إنه اقتنص فيها جمالها الساحر.. إحداها صورة بوجه من الأزرق البحري وقبعة باللون الأصفر.. في وضع جانبي.. ومن بينها أيضًا لوحة تنتمي للوجوه المزدوجة عند بيكاسو في وضع جانبي وبعينين من الأمام مثل تحريفاته للوجه الإنساني.. والبورتريه هنا متعدد السطوح القوسية.. والوجه غارق في اللون البرتقالي علي خلفية دافئة من الأحمر الوردي.
في عام 1949 اشترت لي وزوجها رونالد نبروز منزلاً ومزرعة بسوسكس جنوب انجلترا.. وكان منتجعًا يزوره الفنانون مثل بيكاسو ومان راي وهنري مور وألين أجار وماكس أرنست.
وهكذا كانت حياة ميللر.. وهكذا توحد الفنانون علي مائدة الفن بما يؤكد وحدة الفنون.. وقد رحلت ميللر عام 1077.. بعد أن خلدها راي وبيكاسو.
فهل نستفيد من دراما الفن والحياة.. ونتمثل مصطلح الفنون البصرية بدلاً من الفنون التشكيلية.
ليس هذا فقط.. بل نحن نطمح في تغيير مسمي قطاع الفنون التشكيلية إلي قطاع الفنون البصرية.. خاصة والقطاع يقدم العديد من البيناليات والفاعليات والمعارض العامة والنوعية التي تتصل بالوسائط المتعددة من الميديا الحديثة.. بدءًا من التصوير الضوئي التجريبي إلي الكمبيوتر آرت والفيديو أرت وغيرها من فنون ما بعد الحداثة.
وفي النهاية نقول: هل نتأمل أعمال أندي وارول رائد البوب والتي اعتمدت علي الصورة كوسيط أساسي في أعماله والتي تمثل عمق الحداثة وفي نفس الوقت هل نتطلع بعين الفن وحكمة التعبير إلي أعمال الفنانة العالمية الإيرانية شيرين نشأت والتي جعلت نساءها من الصور الضوئية موشومات بعالم طقوسي من الكتابات.. وقد دخلت بهن بوابة ما بعد الحداثة؟.. نقول هل: حتي نغير المصطلح؟!