صور الزفاف ترصد التغيرات الاجتماعية والثقافية للمصريين
هالة القوصي فنانة بصرية تجمع صور تقليدية لحفلات زفاف لمواكبة التغيرات الاجتماعية والثقافية للمجتمع المصري من عشرينات القرن العشرين إلى أوائل السبعينات.
ربما يكون الزفاف أكثر المناسبات العائلية التي تم تسجيلها وتخليد ذكراه بالصور بين مختلف الطبقات والشرائح الاجتماعية، ولئن كانت عادة الذهاب إلى أستوديو المصور لالتقاط صورة للعروسين، إلا أن ظاهرة جلب هذا الأخير إلى مكان الاحتفال، بدت أكثر انتشارا بين الطبقات المتوسطة والعليا، الميسورة اجتماعيا في مصر.
العربناهد خزام [نشر في 2015\07\27]
صور الزفاف وعلاقتها بالتغيرات الاجتماعية والثقافية للمجتمع المصري تحديدا هو موضوع كتاب صادر حديثا في القاهرة عن دار مشربية، تحت عنوان: “صور الزفاف” للفنانة والباحثة البصرية المصرية هالة القوصي.
ويعتمد الكتاب على الصورة الفوتوغرافية كمادة رئيسية، إلى جانب مقدمة مطولة للفنانة عن طبيعة المادة المصورة والأسباب التي دعتها لجمعها. الصور التي يحتويها الكتاب هي صور تقليدية لحفلات زفاف، جمعتها الفنانة من أستديوهات تصوير وأفراد وتجار عاديين.
وترجع أهمية تلك الصور في المقام الأول إلى كونها تلقي بعض الضوء على طبيعة الفترة الزمنية التي التقطت خلالها والتي تمتد من عشرينات القرن العشرين إلى أوائل السبعينات من نفس القرن. وتتيح لنا الصور تتبع التغيرات الاجتماعية والثقافية للمجتمع المصري في تلك الفترة الزمنية الممتدة. والكتاب في محتواه يعد باكورة إصدارات تالية، كما تقول صاحبته، لعدد آخر من المجموعات الفوتوغرافية النوعية التي تحاول من خلالها تقديم صورة قريبة لفن التصوير الفوتوغرافي خلال النصف الأول من القرن العشرين، وعلاقته بتطور المظاهر الاجتماعية في مصر خلال تلك الفترة.
مؤلفة الكتاب هي فنانة بصرية، تعني بالفوتوغرافيا على نحو خاص، ضمن شريحة واسعة من الممارسات الفنية الأخرى، من بينها الفيديو والأعمال التركيبية، وهي صاحبة مبادرة لجمع التراث الفوتوغرافي المصري، دشنتها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك قبل عام تقريبا تحت عنوان “فوتو مصر”. ومنذ تدشين تلك الصفحة نشرت القوصي العشرات من الصور التي استطاعت الحصول عليها خلال بحثها.
ومن هذه المجموعة انتقت الفنانة حوالي خمسين صورة ليضمها كتاب فوتو مصر الأول، وكان معيارها للانتقاء، كما تقول، هو تقديم عرض واف لتلك الفترة، يظهر التنوع في أنماط الصورة والأزياء والجماليات وأكبر عدد من المصورين المختلفين من أنحاء مصر. حيث استعانت القوصي على تأريخ الصور بكتب تاريخ الموضات، وهي ترى أن تأريخ الصور بهذه الطريقة يضعها في فترة زمنية محددة تقريبا، تفترض أن موضوعات الصور التزمت بالموضة السائدة في تلك الفترة، وهو افتراض تعززه الصور المؤرخة إلى حد كبير.
وتقول القوصي “كانت فساتين الزفاف طويلة في بدايات القرن، وكان من توابع الحرب العالمية الأولى خروج النساء للعمل، وهو ما دفعهن إلى تقصير ملابسهن لتيسير الحركة”. وطالت موضة الملابس القصيرة في فساتين الزفاف في العشرينات ثم عادت موضة الفساتين الطويلة في الثلاثينات والأربعينات، وفي الخمسينات كانت هناك فساتين طويلة وقصيرة، ثم عادت الفساتين الطويلة للانتشار في الستينات والسبعينات.
وقد شاع ارتداء الفستان الأبيض في الغرب بعد ارتداء الملكة فيكتوريا لفستان أبيض في زفافها إلى الأمير ألبرت عام 1840، واختارت فيكتوريا هذا اللون بالرغم من أنه لم يكن شائعا في تلك الفترة، فقد كانت العرائس ترتدي ألوانا مختلفة منها الأحمر والأزرق والأصفر والأسود والبني والرمادي.
وبدأت الفنانة هالة القوصي في اقتناء الصور القديمة عن طريق الصدفة لعملها كفنانة بصرية. ففي عام 2009 كانت تبحث عن إطارات صور قديمة كي تستخدمها في عمل فني مركب، وبالفعل جمعت عددا كبيرا منها. وأثارت الصور اهتمام هالة القوصي المهني بتاريخ التصوير في مصر، وأضحت نواة لمجموعة تنمو مع الأيام تستخدمها كمفاتيح بصرية للبحث في تاريخ هذا النوع من التصوير منذ بدايات الفوتوغرافيا في مصر في النصف الثاني من القرن 19، وتستدل منها على التطور في التقنيات العلمية والاعتبارات العملية في تنسيق الصورة، وأساليب المصورين، والتغيّر في طبيعة العلاقة بين المصور وموضوع الصورة الماثلة أمامه والمناسبات المختلفة للتصوير، وتستمد منها أيضا دلالات على التغير في الأنماط الاجتماعية المختلفة، مثل تكوين العائلات والعلاقة بين الجنسين، في محافظات مصر المختلفة عبر تاريخ وسيلة الفوتوغرافيا.
وفي العام الماضي بدأت هالة القوصي في نشر صور من مجموعتها تلك على صفحتها الشخصية في فيسبوك. وكانت ترى في ذلك وسيلة لتبادل المعرفة ومشاركة الأصدقاء بشغفها بالصور، وطرح أسئلة عما يغمض عليها، على أمل أن يستطيع أحد أن يفيدها، واتضح من خلال هذه التجربة، كما تقول القوصي، شعور الكثيرين بنفس الشغف الذي تشعر به، حتى طلب بعضهم منها أن تؤسس صفحة منفصلة للصور، وقد كان. وهكذا ولدت فوتو مصر في الفضاء الافتراضي في مارس عام 2014.
وتقول القوصي “مجموعتي ليست بالمجموعة الكبيرة، وإن كنت أبذل مجهودا مضاعفا في تنظيمها وتأريخها. وبالإضافة إلى ذلك، فأنا دائمة البحث في مختلف المصادر الرقمية وأشارك بها على فوتو مصر، ليستدل المهتمون عن أهم المصادر العالمية للصور الفوتوغرافية عن مصر”.
وعن إقدامها على طباعة ما جمعته من صور فوتوغرافية في كتاب تقول القوصي “حين فكرت في طباعة هذه الصور على هيئة سلسة من الألبومات المطبوعة، كان ذلك بغرض نشر الاهتمام بالصورة بشكل أوسع، وربما عن طريق غير مباشر لبعث الحماسة في آخرين لإيجاد حلول بديلة وأكثر فعالية خارج المنظومة الرسمية لحماية ونشر التراث”، وتضيف القوصي “الألبومات ما هي إلا ألبومات. هذا وعاء تنظيمي جامع وإن كان غير شامل وغير منغلق على نفسه، فهو يحتمل الزيادة بشكل لا نهائي. الغرض الأول منه هو إبراز قيمة الصورة التاريخية والاجتماعية والفنية والجمالية للمتخصصين وغير المتخصصين على حد سواء”.
ناهد خزام