العام 1827 شهد إنتاج أول صورة في التاريخ
عالم التصوير والمعرفة
– ترجمة ميسون أبو الحب
– قال في إحدى المرات “في أحد الأيام سأنتج صورة لنفسي مثل التي ترونها في المرآة” والحديث هنا للعالم والمخترع الفرنسي جوزيف نيسيفور نييبس الذي عاش بين 1765 و 1833 والذي حقق في صيف 1827معجزة إنتاج أول صورة فوتوغرافية في العالم. ويقال إنه احتاج إلى ثماني ساعات كاملة لالتقاطها وهي محفوظة حاليا ضمن مجموعة جرنشنهايم في جامعة تكساس في مدينة اوستن في ولاية تكساس الأميركية.
كان صيف عام 1827 نهاية جهود استمرت عشر سنوات على الأقل أمضاها نييبس في محاولة الحصول على طبعة لمنظر طبيعي على لوح معدني حساس استخدم مادة البيتومين في طلائه لزيادة حساسيته ثم تركه يتعرض للضوء لساعات طويلة. ومع ذلك، لا يمكننا القول إن العالم يتذكر حاليا هذا الرجل باعتباره مخترع الصور الفوتوغرافية ذلك لأن هذا المجال سرعان ما استقطب العديد من الباحثين والعلماء الذي طوروا تقنيته إلى درجة بعيدة وبسرعة حتى وصل إلى ما وصل إليه اليوم من تقدم.
أول صورة
التقط نييبس الصورة من نافذة حجرة شقيقه في منزل أسرته لمعالم المزرعة المحيطة بالدار حيث نرى مبان غير واضحة وبرجا لتربية الحمام في العمق مع أشجار. هذه الصورة ضبابية بالطبع ولا شئ واضح فيها ولكنها كانت مع ذلك اختراعا عظيما في ذلك الوقت. وفي عام 1827 عرض نييبس إنتاجه من الصور على الجمعية الملكية في لندن وتم عرض هذه الصورة مرتين غير أنها ما لبثت أن اختفت بشكل كامل في عام 1898 حتى عثر عليها مختص بتاريخ الفوتوغراف يدعى هيلموت غيرنشايم في أحد دكاكين لندن الكتبية القديمة. بعدها قدم الصورة منحة إلى جامعة اوستن في تكساس التي تحتفظ بها حتى يومنا هذا داخل صندوق ملئ بالهيليوم لغرض الحفاظ عليها، مثل لوحة الموناليزا تماما.
ولد بينس في شالون سور سون لأسرة ميسورة الحال إذ كان والده محاميا ومستشارا للملك وأغرم منذ صغره بالعلوم وتمكن مع شقيقه كلود من تطوير محرك احتراق داخلي يعتبر حاليا الجد الأول لمحركات الديزل واستخدمه في تحريك قارب عكس التيار، كما عمل على مشروع إنتاج آلة هيدروليكية بهدف تغذية قصر فرساي بالماء ثم صنع دراجة هوائية ولكن بعدة عجلات قبل أن يدخل مضمار الزراعة حيث طور استخدام نبات يحمل اسم الصقلاب السوري واستخرج منه مادة تشبه القطن استخدمتها والدته في حياكة جوارب لأفراد الأسرة كلها.
التصوير الداغيري
في عام 1829 اختار نييبس شريكا هو لويس داغير لتطوير آلية التصوير وقد تمكن الأخير من تحقيق تقدم مهم في هذا المجال من خلال طلاء صفائح نحاسية باستخدام يوديد الفضة وهو ما منحها حساسية أكبر للضوء ثم ما لبث أن استخدم أبخرة الزئبق لجعل الصور أكثر وضوحا ونجح بذلك في تقليص الفترة الزمنية اللازمة لتعريض اللوح إلى الضوء.
وكان داغير (1787-1851) واحدا من أهم من طور آلية التصوير حتى أن طريقته حملت اسمه “التصوير الداغيري” وكان قد بدأ حياته رساما ثم ما لبث أن بدأ يفكر في كيفية اختصار الزمن والجهد من خلال محاولة ابتكار طريقة لطبع المنظر الذي يريد رسمه مثلا وبكل تفاصيله.
زمن الرسم انتهى
أدى تطوير التقاط الصور إلى قول البعض إن “زمن الرسم انتهى” ومنهم الرسام الفرنسي بول دولاروش كما أدى إلى تغيير حتى نمط تفكير جيل ذلك الزمان إذ رأى البعض أن الصور قضت على معايير الجمال كما كانت معروفة وفرضت واقعا لا يمكن التدخل فيه وتغييره وتجميله أو تقبيحه، أي انها باختصار قضت على مهنة التمويه التي يمارسها الرسامون ومنحت الواقع أهمية أكبر ومن هنا نلاحظ اهتمام العديد من مصوري ذلك الزمان بالتقاط صور للفقراء والمناطق التي يعيشون وهو ما يعتبر نوعا من الأرشفة لحياتهم إضافة إلى كونه تنبيها إلى واقع معاش مقيت. وعلى أية حال سرعان ما شهد ذلك العصر وتلك السنوات إقبالا هائلا على التصوير الفوتوغرافي الداغيري حتى يذكر أن محال باريس لم تستطع تلبية الطلب على الأجهزة الخاصة به.
ومع ذلك سرعان ما ظهرت طريقة أخرى طورها العالم البريطاني وليم هنري فوكس تولبوت الذي يعتبر اليوم أهم اسم يرد عند الحديث عن التصوير الفوتوغرافي ذلك أنه طور آلية التقاط الصور بناءا على مبدأ السالب والموجب الذي يستخدم لإنتاج أكثر من نسخة للصورة الواحدة وهي الطريقة التي ظلت مستخدمة لاحقا في التصوير.
كوداك
تطور هذه الآليات دفع الكثيرين إلى محاولة اقتناء الأجهزة الخاصة بالتصوير غير أنها كانت باهضة الثمن حتى طرح جورج ايستمان آلة “كوداك” وهي عبارة عن صندوق يمكن حمله والتنقل به وفي داخله شريط تلتقط الصور عليه بالتتابع وعند امتلاء اللفافة يمكن إرسالها إلى معامل خاصة تقوم بإنتاج الصور وهو ما يدعى بالتحميض. واستخدمت شركة كوداك شعار “إضغط على الزر ونحن نتكفل بالباقي” وكانت تلك مرحلة تحول فيها التصوير إلى فن شعبي يمارسه كل من يرغب فيه.
هذا وربما كان أهم ما واجهه كل المغامرين الذين طوروا آلية التصوير هو كيفية جعل منظر ما ينطبع على سطح لوح ثم كيفية تثبيته كي لا يختفي. ومن أجل هذا جرب هؤلاء كل أنواع المواد الكيمياوية تقريبا حتى توصلوا في النهاية إلى المواد اللازمة لذلك. ولكن عصر التصوير الرقمي ألغى كل هذه التجارب والآليات القديمة ونحن نعرف تماما قوة الصورة اليوم ومدى انتشارها وسهولة استخدام الأجهزة الخاصة بها وسهولة التصوير نفسه.