نور الدين حسين
نور الدين حسين .. والعين الثالثة
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس – جامعة الموصل
منذ زمن طويل يصل الى النصف قرن ، وأنا أتابع حركة ونشاط المصور الفوتوغرافي الموصلي العراقي العالمي الاستاذ نور الدين حسين ؛ فهو من القلة الفوتوغرافيين الذين أنجبتهم المدرسة الفوتوغرافية العراقية المعاصرة ، والذين يتميزون بأنهم يحملون افكارا سامية ومتنورة وتقدمية وانسانية الى جانب إحترافهم لفن التصوير الفوتوغرافي .
كتب عنه الاستاذ الدكتور عمر محمد الطالب في موسوعته :”موسوعة أعلام الموصل في القرن العشرين ” ، والتي اصدرها مركز دراسات الموصل وطبعت في دار ابن الاثير للطباعة والنشر ،جامعة الموصل سنة 2008 فقال انه أسهم مساهمة جادة في رفد وإغناء الحركة الفوتوغرافية المعاصرة في العراق .فلقد اقام المعارض العديدة لنتاجاته الفوتوغرافية واقام معرضه الشخصي الاول في بغداد سنة 1978 وعمل مصورا فوتوغرافيا في متحف جامعة الموصل وفاز بالجائزة الاولى لمعرض مهرجان الربيع الثامن .كما عمل في المجمع الاذاعي والتلفزيوني في الموصل .
منذ سنين طويلة ، وصوره الفوتوغرافية تملأ الصحف والمجلات الموصلية والعراقية . مرة خصصت مجلة (الف باء ) العدد (32) سنة 1969 ثلاث صفحات ملونة لصوره الفوتوغرافية عن اعمال التشكيلي الكبير الاستاذ نجيب يونس .كما تصدرت بعض صوره أغلفة المجلات .
ويقينا ان النقاد كانوا ومازالوا يتابعون تلك الصور، ويعلقون عليها بما يظهر الكثير من جوانبها الخفية ، وتكويناتها وعناصرها ، ومضامينها الاجتماعية .وأستطيع القول أنني ، وانا اقلب في صفحات ما وثقه الصديق الاستاذ نور الدين حسين من صور ، انها توثق للحياة السياسية ، والاقتصادية ، والاجتماعية، والثقافية في العراق بالفوتوغراف وهذه حالة قلما نجد مثيلا لها الا في اعمال النخبة القليلة من الفوتوغرافيين العراقيين المعاصرين ومنهم الاساتذة مراد الداغستاني ، وناظم رمزي، ولطيف العاني وأحمد القباني .
قد لاأكون مبالغا اذا قلت ان الاستاذ نور الدين حسين قد أقام الكثير من المعارض للصور الفوتوغرافية ، وشارك في معارض ومسابقات وحصد الكثير من الجوائز العديدة . ومن المعارض التي اسهم فيها معرض المائة لقطة الذي اقيم دعما للسياحة في يوم السياحة العالمي .. كانت بعض المسابقات دولية ومنها على سبيل المثال المعرض الدولي – انتربريس سنة 1978 ، وكان هذا المعرض وهذا الفوز مكملا للجوائز العديدة التي حصل عليها في معارض سابقة كانت حصيلتها جوائز ذهبية وفضية وبرونزية وجوائز اخرى وكتب شكر وتقدير كثيرة في معارض محلية وعربية . فضلا عن مشاركاته الدولية ، ومنها انه منح لقب (استاذ فن ) مع دبلوم في التصوير من المانيا وهولندا .
تحدث الناقد الاستاذ عبد الوهاب النعيمي عن الاستاذ نور الدين حسين فقال :” ان نور الدين حسين ..هذه العلامة البارزة ،بل هذا المشهد الكبير في صرح الفوتوغراف ، تميز في لوحاته الفوتوغرافية منذ اللحظة التي تعرف بها على أسرار آلة التصوير ، وخفايا الضوء ، والظل ، والزاوية ..إنه يرسم الزمن ..ويقاتل في العدسة ” .
وفي معرض نيسان الدولي السابع للصورة الفوتوغرافية الذي اقامته الجمعية العراقية للتصوير ولسبع سنوات متتالية ، وضمن اكبر المحاور التسعة محور الصورة الفنية ، فاز نور الدين حسين مصور مجلة –الف باء- مكتب الموصل بالجائزةالفضية مناصفة مع المصورة الفرنسية سمارة بستاني .
وفي مهرجان بغداد الدولي للصورة الفوتوغرافية الذي كتبتْ عنه جريدة (الشرق ) القطرية بعددها الصادر في 26-6-1999 ، فاز نور الدين حسين بالجائزة الذهبية . وفي هذا المهرجان الدولي والذي عقد دورته التاسعة ببغداد 1999 أسهم عدد كبير من المصورين ب( 700 ) لوحة ، وضمن محاور الطبيعة والبورتريت ، والانسان والعمل ، والصورة الصحفية ، والكولاج .وترأس اللجنة التحكيمية الفتوغرافي الرائد حازم باك وكانت اللجنة تضم مصورين عراقيين وعرب وأجانب من جميع أنحاء العالم .
لوحاته تجلب الاهتمام ، وتثير عشاق الفوتوغراف . ولعل ما يفسر ذلك ان نور الدين حسين مفعم بالهواجس والاخيلة ؛ فهو معروف بالبحث عن اللحظة التي تقترن بما يريده .. وهكذا تأتي اللقطة اليه لتمثل لحظة جمالية خالدة ، وبتقنية جميلة ترفع من مشاهداته الى مستوى العمل الفوتوغرافي الرائع .ومما ساعده على ذلك انه موصلي ، والموصل بتراثها ، وتاريخها ، وموروثاتها المكانية ، تمنح الصورة قبل ان يمنحها المصور نفسه ..لنسمعه يقول عن صوره :” ان ما يقال عن صوري بإنها تميزت بتوزيع الظل والضوء ، فإن ذلك مبعثه العشق للتشكيل ، والميل الشديد لاستعمال الابيض والاسود في تكوين اللقطة الفوتوغرافية لكي نحصل من خلالها على تكامل إنعكاسات الظل والضوء ، وتكثيف الرؤية ، وتعميق الحس في الصورة التي تستهوينا لالتقاطها ” .
يقول الصحفي الاستاذ ابراهيم علي محمد في مقال له بجريدة (العراق ) البغدادية ، وفي عددها الصادر في 10 كانون الاول 1978 :” إن نور الدين حسين معروف كمصور فوتوغرافي ، وتلفزيوني بارع ، وهو يتميز بأسلوبه الخاص في التصوير واختيار اللقطة الناجحة ، والتوجه الى منابع الثراء الحضاري من تراثنا القديم والمعاصر …وإن أبرز ما نلاحظه في لوحاته الفوتوغرافية هذا الانشداد العميق ، والتفاعل الحيوي مع الموجودات التراثية ؛ فإنها تحتل أوسع مساحة من صوره ، وتمتص اكبر قدر من اهتماماته ، فتركيزه الظاهر على قضايا التراث بكل اشكاله يكشف لنا عن حبه الكبير وتعلقه بماضي العراق ، وابداعات العراقيين الحضارية لكن في تواصله الدائم مع الماضي لاينسى الحاضر بل ولايعدم التأمل نحو المستقبل؛ فهو يعمد دائما الى الجمع بين روعة القديم ، وإشراقة العصر …وتمتاز لقطاته بالدقة الفنية والزاوية الجميلة ؛ فهو يستغل الزاوية الاكثر تأثيرا ، وتجسيدا للموضوع المصور ، مما يدل على حسن إختياره لهذه الزاوية ..يضاف الى ذلك انه يركز على تقريب الصور كي يعطيها حجما أكبر لتحتل معظم مساحة اللوحة لملء الفراغات ، وتجسيم الملامح الدقيقة منها .وهذا الاسلوب نجح فيه الفنان نور الدين حسين نجاحا بارعا ..وثمة سمة ثالثة في صور نور الدين حسين ، وهي الهدوء الذي يغلفها ؛ فهي هادئة هدوء الطبيعة ، ومع كل هذا الهدوء فإنها تعج بالحركة والحياة ؛ فهي ليست ساكنة جامدة ، بل هادئة ممتلئة بالحيوية .
أما رابع تلك السمات فهي ؛ عمق استغلال الضوء ، والظلال في صوره ؛ فهو يمنح اللوحة بعدا فنيا وشفافية تؤثر في نفس المشاهد ، وتشده الى الصورة شدا نفسيا ، وهي موحية ايحاءا غير مباشر بالتسامي والعلو .وثمة خصيصة يشترك فيها مع غيره من الفوتوغرافيين ، وهي ربطه في لقطة واحدة بين اكثر من موضوع أو جمعه بين المتناقضات وما أبدعه نور الدين حسين في مضمار التصوير الفوتوغرافي ، جعله يخرج من دائرة المحلية الى دائرة العالمية شأنه في ذلك شأن مواطنه مراد الداغستاني .
علق الكاتب الاستاذ محمود فتحي على اعمال للاستاذ نور الدين حسين عرضت في معرض له في 23 شباط سنة 1979 بالقول :” اذا كان الادب يعني الفكر الخلاق واعادة تركيب الواقع عبر جسر او قناة تمتد الى عالم مستقبلي أفضل ،فإن الكاميرا آلة قد تحولت الى فكر خلاق تعيد وتجزئ الواقع وبالتالي تعيد تركيبه بشكل مدهش “.واضاف :” كلنا يود التخلص من ابنية قديمة وكلنا يبغي التجديد والتجدد لكن اللوحات الفولوكلورية عن الموصل قد جعلتني أحس كما لو انه يجب ان تبقى هذه الابنية على هذا الشكل وقد جعلتني يانور الدين اعود ثانية لأتأمل واستوعب كل ما يحيط بالمدينة اتعرف لماذا ؟ لانني بدأت أحس ان هذه الابنية وذلك الفولوكلور سوف لايكون في المستقبل وكل ما سيبقى هو هذه الصور فصورك ببساطة هي الوثيقة التاريخية الوحيدة بين ايدينا وهذا هو ما يجعل عملك تاريخيا فذا ” .
ثم يقول عن الصور المعاصرة التي التقطتها عين نور الدين حسين الثالثة :” انك يانور الدين تتحين الفرص دوما لالتقاط لحظات لاتتكرر… واعتقد بأني سأتأمل “الشاطئ “الشجرة ” و”مراكز محو الامية ” و”الشناشيل ” و”الطالب الذي يقرأ للامتحان في الشرفة ” .. هذه الصور وغيرها جعلتني أحس ب(رخاوة ) هذا العالم الذي يعتصرنا ، ويسحقنا …لوحاتك ليست عادية .. وبدأت أدرك الآن لمَ سُميتَ نور الدين ؛ فقد صورت لوحات في غاية الروعة من النور .. فهل هذا صدفة ؟ لا أدري ، فالقلم لم يعد يستطع أن يكمل ما بدأته صورك الفوتوغرافية ومهما حاولت فإنني سوف لن ارتق ِ الى مستوى لوحاتك ! ” .
ان نورالدين حسين معروف بإنشداده العميق ، وتفاعله الحيوي مع الموجودات التراثية التي تحتل مساحة واسعة من صوره، وتمتص قدر أكبر من اهتمامه من خلال تركيزه الواضح على قضايا التراث ، والتعلق بماضي هذا الشعب ، وابداعاته الفنية والحضارية خاصة في تجسيد حياة الموصل الحقيقية : بيوتها ، وازقتها ، وشوارعها ، وحياة الناس فيها .لذلك كله جاءت لوحاته معبرة أصدق تعبير عن ذلك الواقع ، وهذا ليس معناه نسيان الحاضر أو المستقبل ، وانما هو يسعى من أجل الجمع بين روعة القديم ، وإشراقة الحاضر، وإستشراف المستقبل .
ويكتب عنه الصحفي الاستاذ فوزي القاسم في جريدة (الثورة ) البغدادية وفي العدد الصادر في 5 نيسان سنة 2001 فيقول :”إن نور الدين حسين برع في الدخول الى معالم نينوى والموصل من الداخل ،فصور مشاغل الناس وهمومهم ،ووثق لحظات خالدة في حياتهم ” .
نور الدين حسين ، موصلي قح، ولد في محلة عمو البقال بمدينة الموصل سنة 1946 ، وعشق الفوتوغراف ، وحمل آلة التصوير ، وهو لما يزال طالبا في (المتوسطة المركزية ) سنة 1962 .وأول صورة نُشرت له كانت في مجلة (العالم ) الشهيرة سنة 1965 .
عمل مصورا فوتوغرافيا في ” مديرية متحف جامعة الموصل” ، والذي كان يرأسه المؤرخ الكبير الاستاذ الدكتور عامر سليمان الذي شكره على مجهواته بموجب كتاب رسمي بتاريخ 10-11-1969 .، وإختص بتصوير الموروث الشعبي ، وقد اتخذت صوره نواة لمتحف المأثورات الشعبية الموصلية .كما عمل مع البعثة التنقيبية لقسم الاثار في كلية الاداب –جامعة الموصل ، ودائرة الاثار ، وقام بتصوير كثير من اللقى الاثارية ، وتوثيقها قبل عرضها أوخزنها . وفي تلفزيون الموصل (المجمع الاذاعي والتلفزيوني في الموصل فيما بعد ) عمل بعد تعيينه هناك ، مصورا تلفزيونيا ، ورئيسا لقسم التصوير السينمائي لسنوات طويلة حتى احال نفسه على التقاعد سنة 1989 .
وحتى بعد تقاعده ، فهو لايزال يحلم لان تضم مدينته :الموصل ما تستحقه من مركز ثقافي وفني يحتوي نشاطات ابناءها من المثقفين والتشكيليين والمصورين الفوتوغرافيين وغيرهم .وقد تقدم في 29 آب سنة 2006 الى مجلس المحافظة بمقترحات عملية لانشاء هذا المركز-الصرح الذي ظل يحلم به مبدعو الموصل منذ زمن طويل . لكن –مما يؤسف له – فإن طلبه ودعوته هذه ذهبت أدراج الرياح كما ذهبت من قبلها دعوات مشابهة .
وفوق هذا كان الاستاذ نور الدين حسين ولسنوات ومنذ 26-2-1973 عضوا في (اللجنة الثقافية في الموصل ) ، والتي شكلتها ” مديرية دور الثقافة الجماهيرية العامة ” ، وكان معه في اللجنة رموز العمل الثقافي والاكاديمي آنذاك ومنهم : يوسف ذنون وأمجد محمد سعيد ، ومعد الجبوري ، والدكتور خضر الدوري ، ومحمد عطا الله سعيد ، ومحمود جنداري ، وضرار القدو ، وراكان دبدوب .
والاستاذ نور الدين حسين ، من مؤسسي (الجمعية العراقية للتصوير) ، ورئيسا لفرعها في الموصل لدورات عديدة .كما انه عضو في نقابة الصحفيين العراقيين ، ونقابة الفنانيين العراقيين . وقد كرم بشارة الرواد بصفته أحد رواد الفوتوغراف في العراق .وقد منح في 12-1-1998 لقب (المصور الاول ) في الموصل من لدن ( مجلس الشعب المحلي ) وبتوقيع المحافظ انذاك الفريق الركن محمد عبد القادر عبد الرحمن الداغستاني ، مع العلم ان الموصل كانت تضم انذاك قرابة (1000 ) مصور فوتوغرافي مابين هاوٍ ، ومحترف .ومما يجدر ذكره ان تكريمه كان مع نخبة من رموز الموصل منهم الاستاذ سعيد الديوه جي والاستاذ نجيب يونس والاستاذ غربي الحاج احمد .
ومن حسن الحظ ؛ فإن الاستاذ نور الدين حسين يحتفظ – بحكم كونه رئيسا للجمعية العراقية للتصوير -فرع الموصل لسنوات -من بين ارشيفه الغني بسجل يحمل عنوان :” دليل أسماء المصورين في الموصل ” وهو مرتب حسب الحروف الهجائية ، يضم اكثر من 1182 مصورا فوتوغرافيا ويحمل الفوتوغرافي الرائد مراد عبد الله الداغستاني الرقم (1 ) في حين يحمل الاستاذ نور الدين الرقم ( 3 ) . أما الرقم (2 ) فكان من نصيب الفوتوغرافي عبد الله علي محمد الحمداني .
كما يحتفظ الاستاذ نور الدين حسين ايضا ببعض محاضر انتخابات الهيئات الادارية للجمعية العراقية للتصوير في الموصل ولسنوات عديدة ومنذ السبعينات من القرن الماضي .
الناقد الاستاذ الدكتور نجمان ياسين كتب عنه مقالا في مجلة (الاذاعة والتلفزيون ) البغدادية العدد ( 268 ) الصادر في 15 ايار سنة 1978 بعنوان : ” الرحلة مع التراث العربي :الطبيعة ..النموذج الشعبي ” قال فيه بالنص :” إن من يدرس حركة الفوتوغراف في الموصل ، لابد أن يولي أهمية بارزة لما قدمه نور الدين حسين، فإن رؤيته ، وتجربته الفوتوغرافية ، تتحرك على ثلاثة أبعاد اساسية ؛ فهو يتناول معطيات التراث العربي الاسلامي ، ويركز على جمال واشراق الطبيعة ، وتناول النموذج الشعبي بقيمه البسيطة الصادقة …إن النموذج الشعبي في أعماله يظهر مثلا في لوحة (صانع التنور ) في لحظة إنغماره بالعمل ، وبدرجة تكاد تحس التعب المتمثل في إنحناءة الظهر ، ويصدق هذا على لوحة (بائع الحصران ) حيث إستكانة الصبي البائع ، وخلفية الصورة الفنية .. وإذا كانت هذه هي سمة عالم نور الدين حسين الاساسية ، فإن ثمة سمات اخرى تظهر بشكل قوي تارة يكاد يحولها الى سمة اساسية كما هو الحال في التقاطه الصور المعبرة عن مسيرة الحياة السياسية ، والاقتصادية ، والاجتماعية والثقافية في العراق المعاصر . ولعل صورة (عامل فني ) تُعبر بصدق عن ظهور وتبلور هذا الاتجاه عنده .على أن سمة ثانوية اخرى تظهر ايضا في إلتقاطه لصور ذات تعابير انسانية ، كما هو الحال في صورة (طيور الحي ) أو صورة (الكف ) ذات الدلالة الرمزية الموحية .
ومن سمات رؤيته الفوتوغرافية اهتمامه ب (وجه الانسان ) خاصة في الكثير من التعبيرات الجميلة والجذابة ، وكل ذلك دليل على اتساع (عالم نور الدين حسين ، الواقعي، والفوتوغرافي ، وجديته، وثراءه ) .
في واحد من معارضه وقف الاستاذ الدكتور هاشم يحيى الملاح المؤرخ المعروف، ليقول كلمته ، فكتب في سجل الزوار يوم 24 اذار سنة 2012 :” ان الصور التي ضمها معرض الفوتوغرافي نور الدين حسين تشكل وثيقة تاريخية حية، تصور الحياة في مدينة الموصل …انها وثيقة تنبض بالحياة ، وتدل على القدرات الفائقة لهذا الفنان الكبير …أما الصور التي ضمها المعرض لولده الشهيد نمير فإنها تكاد تكون وثائق تاريخية فريدة من نوعها ..إنها تصور قسوة الاحتلال الاميركي، ووحشيته .كما تؤرخ بالصور الحية لعمليات القتل التي مارسها المحتلون الاميركان ضد الصحفيين وهم يؤدون واجبهم في تغطية الوقائع والاحداث ” .وقد يكون من المناسب هنا ان نشير الى ان ولد الاستاذ نور الدين حسين الشهيد نمير ، وهو مصور فوتوغرافي كان يعمل في وكالة رويترز ، قد استهدفته طائرة اباتشي اميركية لعينة وقتلته يوم 12 -7-2007 وهو يؤدي واجبه عامدة متعمدة كما اتضح ذلك فيما بعد من الافلام التي عرضتها القنوات الفضائية الدولية ومنها قناة (الجزيرة ) . وقد وثقت سيرته في كتاب مصور باللغة الانكليزية بعنوان :” أعمال نمير نور الدين من خلال إسهامه في مكتب رويترز في بغداد”THE WORK OF NAMIR NOOR -ELDEEN , A TRIBUTE FROM REUTERS BAGHDAD BUREAU ، والكتاب صدر بمقدمة كتبها الدكتور نبيل شقيق المرحوم نمير الذي اشار الى ان نمير نشأ في أحضان والده الصحفي والمصور الفوتوغرافي الرائد الاستاذ نور الدين حسين أحد اعمدة التصوير الفوتوغرافي في العراق .. وان ما دفع نمير لولوج ميدان التصوير انه شاهد المصورين الاجانب يغالطون انفسهم ويشرعنون للاحتلال البغيض ، وقد انبهر مصورو رويترز بإبداعاته وعمل معهم وكانت لديه عين ثاقبة ، وموهبة نادرة في التقاط الحدث ومن زوايا مختلفة . وممن قدم للكتاب ايضا Dran Yates و Mariam Karouny من مكتب رويترز في العراق.
أشر الاستاذ إياد البكري القيمة الفنية للصور الفوتوغرافية التي يلتقطها الاستاذ نور الدين حسين ، بقوله : ” إن صوره تميزت بتوزيع دقيق للظل والضوء ، وهي في هذه الحالة اقرب الى اللوحات التشكيلية ” . وقد شخص هذه الحالة اكثر من مختص واكاديمي في علم الضوء .وحول الصور بالابيض والاسود قال :” ان نور الدين حسين يقتنص اللقطة تبعا للحدث ؛ فالحدث هو الذي يستوجب استخدام الاسود والابيض للحصول على صورة متكاملة من حيث الظل والضوء ” .الكاميرا يقول نور الدين حسين هي : ” اداة للتعبير عن بعض أحاسيس الفوتوغرافي ؛ فبالصورة ينقلها أي ينقل هذه الاحاسيس للاخرين” . ان هدفه من التقاط الصورة ليس لاحتكارها بل اشاعتها بين الناس وهذا ما جعل الفوتوغراف عند نور الدين حسين ليس حرفة بحد ذاتها ، بل رسالة انسانية كذلك .
تعرف من خلال عمله في جامعة الموصل على تشكيليين بارزين منهم الاساتذة نجيب يونس، وراكان دبدوب ، وضرار القدو ، وفوزي اسماعيل ، وطلال صفاوي ، وافاد من احتكاكه بهم .كما اطلع على مصادر ومراجع بلغات مختلفة عندما كان طالبا في هيئة الانسانيات (كلية الاداب فيما بعد ) عن التصوير في المكتبة المركزية لجامعة الموصل لم تكن متوفرة في مكان اخر من المدينة . وبعد عام ونصف من تأسيس تلفزيون الموصل نقل خدماته اليه ، وعمل فنيا ومصورا ومعدا لبرنامج كان يعده عن مشاكل الناس وهمومهم بعنوان :”تحت الاضواء ” والذي نال شهرة كبيرة لانه كان يعالج مشاكل الناس وهمومهم وعرضها على السمؤولين بأسلوب مباشر واحيانا بمشاهد تمثيلية ناقدة وساخرة وقد اسهم معه في هذا البرنامج مقدم البرنامج سالم حسين الطائي وصباح ابراهيم وموفق الطائي ونداء محمد مخلص واستمر البرنامج قرابة عشر سنوات .
كما توطدت علاقته بالفوتوغرافي الكبير مراد الداغستاني ، وعملا معا من اجل تأسيس فرع للجمعية العراقية للتصوير سنة 1977 في الموصل . وقد أفاد من عمله وتجربته في العمل الفوتوغرافي ، والذي استغرق قرابة أل ( 40 ) سنة أقام خلالها اكثر من ( 30 ) معرضا داخل العراق وخارجه .
وهنا لابد ان نشير الى الضجة الكبيرة التي أحدثها معرضه عن (الاطفال ضحايا الحصار الجائر على العراق ) ، والذي اقيم لاول مرة في اروقة فندق المنصور ميليا ببغداد لمناسبة انعقاد مهرجان المربد الشعري في التسعينات ثم عرض ثانية في مدخل بناية وزارة الثقافة والاعلام ،.لقد علق الشاعر الكبير شاعر القرنين الاستاذ عبد الرزاق عبد الواحد على معرض (الاطفال ضحايا الحصار ) بقوله :” انه أي هذا المعرض أبلغ من جميع القصائد التي نظمت ، والمقالات التي كتبت “.اما الاستاذ محمد شيخوف من السودان فقال :” اعتقد ان هذا هذا المعرض صفعة قوية في وجه اميركا وشهادة للتاريخ على حجم بشاعتهم ووحشيتهم ” وقالت الاستاذة نوال عباس من الاردن عندما رأت المعرض :” قلمي يأبى الصهيل للتعبير عما ارى امامي من عذابات اشقائي العراقيين الابطال ” .وقال الشاعر التونسي الاستاذ شمس الدين العوني :” هذه اللوحات هي اجمل قصائد المربد ..هي الشهادة على عمق المعنى ..هي التاريخ ..وللحياة ..وللعالم ” .وعلق القاص والكاتب حسب الله يحيى قائلا :” وانا اشاهد هذه الصور ..كنت احس الانين والوجع الذي أخذ من قلبي وعقلي الشيء الكثير ..كنت ادرك أية أوجاع هذه التي قدمها لنا هذا الفنان المبدع ” .ووقف الدكتور سلطان الشاوي ليقول :” ان هذا المعرض يشكل صرخة بوجه العدو الاميركي ضد شعبنا ..إنه صرخة ضد الذين يتشدقون بحقوق الانسان في العالم ” .اما الاستاذ اديب شعبان العاني فقال :” لقد قدمت ايها الفنان الرائع واحدا من المعارض التي ما برحت في ان تبقى شاهد اثبات على ما فعلته واقترفته الامبريالية بحق اطفال العراق “. وعلق شاعر ام الربيعين الاستاذ معد الجبوري قائلا :” ان صور نور الدين هذه ” تستفز مواجعنا وتطوقها بلهيب الالم العميق ” .وطلب الفوتوغرافي الكبير الاستاذ حازم باك نقل المعرض الى اطراف المعمورة ” ليظل وثيقة حية تعمل على إيقاظ ضمير العالم النائم “.. .وهكذا توالت الكلمات والتعليقات وهي كثيرة جدا وكلها تؤكد على ان كل صورة قدمها نور الدين حسين للطفولة المحاصرة تمثل وثيقة ادانة وصرخة احتجاج على جرائم اميركا بحق اطفال العراق واهله .