سوزان سونتاغ

ينطوي فعل التصوير على رغبة أساسية في تجميد اللحظة ومقاومة الزمن، الرغبة في أن نبقى قريبين دوماً ممن نحب حين يأخذهم الغياب، أن نستحوذ على ماضينا المهدد بالزوال. وربما حملك التفكير في الصورة إلى الوجه الأكثر بؤساً للغة حين تبدو الكلمات فعلاً مستحيلاً وسجناً لكثير من الأفكار وقادك ذلك -على نحو محبط- إلى أن تكف عن الاستمرار في الاعتقاد بأن اللغة تقول شيئاً، وما يبدو أن اللغة تقوله ليس إلا انعكاساً باهتاً للوجود. “لو كنت قادراً على رواية قصة بكلمات، لما احتجت إلى مشقة حمل الكاميرا” قالها لويس هاين.

سوزان سونتاغ الكاتبة والروائية الأميركية تؤكد في كتابها “حول الفوتوغراف” أن التصوير فعل مشوب بالحنين. فن رثائي على أشيائنا الحميمية، وأن الضغط على زر الكاميرا يشبه الضغط على زناد بندقية في اقتناصها للحظة إلا أنها تضع فارقاً بين الآلتين، فنحن”إذا انتابنا الخوف نطلق الرصاص وإذا انتابنا الحنين نطلق الصور”.

يقع كتاب “حول الفوتوغراف” الصادر عن دار المدى وبترجمة عباس المفرجي في 239 صفحة موزعة على سبعة فصول: في كهف أفلاطون، أميركا مرئية عبر الصور على نحو معتم، موضوعات سوداوية، بطولة الرؤية، أناجيل فوتوغرافية، عالم الصورة، أنطولوجيا موجزة من الاقتباسات.

تقدم سونتاغ في كتابها طرحاً فلسفياً خلاّقاً حول مسيرة الصورة وعلاقتها بالإنسان. وأشارت في المقدمة إلى أن الأمر بدأ كله بمقالة واحدة حول بعض من المسائل الجمالية والأخلاقية طرحتها كليّة وجود الصور الفوتوغرافية مضيفة: “لكني كلما فكرت حول ماهية الصور الفوتوغرافية كلمات غدت أكثر تعقيداً وإيحاءً. لذا فكل مسألة أنتجت الأخرى، وهذه الأخرى –لذهولي- أنتجت أخرى وهكذا اطراد من المقالات حول معنى ومسيرة الصور الفوتوغرافية”.

تؤكد سونتاغ على أن التصوير فعل استيلاء عبر تحويل المصوَّر إلى أشياء يمكن الاستحواذ عليها رمزياً، والصور الفوتوغرافية تحرضنا بعزم على الحنين. أما عن اللغة -بحسب سونتاغ- فتجريد العالم في كلمات مطبوعة وهي أقل غدراً في التطفل على العالم حيث تحوله إلى شيء ذهني أقرب إلى التأويلات والصورة لا تبدو بيانات وتفسيرات للواقع بل قطعاً منه.

يمثل “حول الفوتوغراف” إشراقة فلسفية في عالم الصورة، ونقداً محرضاً على التأمل. كتبت عنه مجلة نيويوركر: “إنه الدراسة الأكثر أصالة وتنويراً حول الفوتوغراف”.

الكتاب إشراقة فلسفية في عالم الصورة