شيخ النحاتين الفنان “سعيد مخلوف”
الخميس 17 تموز 2008
ولد النحات “سعيد مخلوف” في بلدته “بستان الباشا” القريبة جداً من مدينة “جبلة”، عام 1925 وتوفي في “دمشق” عام 2000، حيث بدأ رحلة الفن الطويلة الشاقة والسعيدة عام 1932، بمحاولات واعدة فوق هوامش دفاتر المدرسة.
عام 1946 اختلف الأمر، إذ سرعان ما خرج من هوامش دفاتره الحبيبة، إلى اللوحة الكاملة المقومات والخصائص ثم إلى النحت وملحقاته من الفنون التي يندرج بعضها تحت اصطلاح (الفنون التطبيقية)، وبعضها الآخر أقرب إلى الحرف والصناعات اليدوية، وبالتدريج أصبح كل شيء حوله يثيره ويحرضه ويغريه للمضي بعيداً، في الكشف والبحث والتجريب.
هكذا بدأت رحلة الفن الصعبة- الجميلة، في عالمه المثير الطافح بالإنتاج والمغامرة والتجريب الذي لم يعرف التوقف عند حد.
في البداية قام “سعيد مخلوف” بإنجاز مجموعة أعمال فنية، بطريقة النحت النافر على الحجر، أخذت طريقها إلى معرض جماعي وحصلت على الجائزة الأولى، ما دفعه لمتابعة التعامل مع هذه الخامة، وفي الوقت نفسه استهواه المسرح فلعب بعض الأدوار الدرامية، ثم انقطع عن ممارسة الفن لمدة خمس سنوات.
مع بداية العام 1962 أنجز أول منحوتة له من الخشب، وكانت هذه الفترة بالنسبة له، ضائعة بين الرغبة بالتسلية والرغبة بالتعبير عن
بعض هواجسه الخاصة، إذ كان يشعر وهو يمارس فن النحت، أنه في معركة مع أقوياء، معركة لا يملك فيها سوى اجتراح فعل الإبداع سلاحاً يحاربهم به.
أواخر خمسينيات القرن الماضي ومطلع ستينياته، انتقل “سعيد” للإقامة في “بيروت”، عمل خلالها بالتمثيل واشتغل بالماكياج والتصوير.
في العام 1962 عاد من “لبنان” إلى بلدته “بستان الباشا”، حيث ابتدأت انطلاقته الكبرى مع النحت، خلال هذه الفترة عكف “سعيد مخلوف” على تنفيذ العديد من الأعمال النحتية الحجرية والرخامية والخشبية، عقب إنجازها حملها جميعها إلى “دمشق”، وشارك بها في معرض الدولة الرئيسي الذي كان يحمل آنذاك اسم “معرض الخريف”.
قبلها كان يخشى العرض، بالرغم من تشجيع من حوله له، على تقديم أعماله للناس. عام 1964 أقام أول معرض فردي له في بيت السيدة “مورلي”، وفي العام نفسه أقام معرضه الفردي الثاني في صالة المركز الثقافي العربي “بدمشق” ومنذ العام 1966 انقطع عن العرض كلياً، في
المعارض الرسمية.
أما انطلاقته الكبرى فكانت من خلال معرضه بصالة “اسباس” “بدمشق” الذي عرّف الناس عليه عن قرب، وبشكل جيد وصحيح. غير أن تجربة “سعيد مخلوف” الأبرز والأهم كانت في المرحلة التي بدأ فيها يعالج جذوع الشجر، (خاصة جذوع الزيتون الوسيمة المباركة)، وهذه التجربة تحولت فيما بعد، إلى مدرسة نحتية قائمة بذاتها في الحياة التشكيلية السورية المعاصرة، مدرسة تربى فيها العديد من النحاتين السوريين الشباب، وهم يملؤون اليوم شرايين هذه الحياة بصخبهم المحبب، وجميعهم تحدروا من مدرسته التي جمعت بين الحس البدائي العفوي والخبرة المكتسبة بالممارسة الدؤوب.
عمر طويل أمضاه “سعيد مخلوف” في ممارسة النحت الذي تعلمه بنفسه، عالج جذوع الأشجار الصلبة بتلقائية ووعي في آن معا، ما جعل هذه الجذوع تستكين إلى يديه، وتتلوى تحت ضربات مطرقته وازميله، كما تتلوى الفرس الحرون أمام سائسها القوي، الماهر، المدرب ،المتمكن من أسرارها.
عبر جذوع أشجار الزيتون المبارك، جاء صوت
هذا النحات قوياً، واضحاً، فاعلاً، جميلاً، كاتباً بذلك السطور الأوضح في سفر النحت السوري الحديث.
ومن أشهر أعمال النحات “سعيد مخلوف”: “الأسد المجنح” في مطار “دمشق” الدولي. وكان قد نال وسام الاستحقاق السوري بمرسوم جمهوري من القائد الخالد، وتوفي عام 2000 تاركاً إرثاً فنياً لايقدر بثمن، ولقباً اشتهر به طيلة حياته، لقبه به النحاتون السوريون، وهو “شيخ النحاتين”.
(16/7/2008).