نشر بواسطة Youness EL Alaoui
صفحة مجلة التصوير ترصد لكم أعمال” حكاية صورة ” للأديبة السورية سناء صبوح
ألف سلام للعراق الحبيب..أعيد نشر هذا العمل لأن ماضينا هو حاضرنا ، و شهداؤنا اليوم أوصلوا سلامنا لشهداء الأمس..
أم الشهيد
قراءة فنية للوحة الفنان “حيدر عبد الحسين مداوي”
بقلم : سناء صبوح
هي الأم التي أيقظت كل حزن الأرض في الصدور! …أمٌّ ودعت ابنها بدعاء العودة سالماً مع قلبٍ هو حريقٌ ناره متأججة….
دقات القلوب شهدت آلام الفراق…أأبكيك ولدي لحظة غيابك ؟ أم أبيك وداعاً أشهده أمامي من لعنات الحروب وويلاتها؟! ….
دعني ألمس يديك… رأسك …أشتم رائحتك قبل الذهاب..
“أمي..سأعود سأعود ! هو وعدي لكِ..ادع لي لأقّبل قدميكِ..لأرعاكِ في كبرك ” زاد ذلك خفقان الآهات ولوعة الوداع……
جاءها الخبر!…………..
امتدت يد إلى فمٍ يرتجف حزناً … تكتم شهقة الروح خوفاً من صدق الخبر …يدٌ جعلت للتاريخ تاريخاً بخطوط زمن و حكايات.
أنهارٌ فاضت…من أعماق العيون ، تحدق بألم ، و في عبوس وجهها قسوة الخبر…
تعود بذاكرتها الأولى …أولى خطواته…أولى نطقه بالحروف…
شهق القلب لوداعٍ أخافها عمر… نزفت العروق …
و بترانيم نايٍ حزين تنادي:
” ولدي …تقاسيم حياتنا كانت معنا، كنت أعيش لأجلك لا لأجلي ، و الآن ماذا أفعل بباقي العمر؟!”
خطوط زمنٍ…حفر ذكرياتها على وجهٍ… بتفاصيل تنبئ بجور الزمن…
“بني! برحيلك ما زلت أدعو …أتوسل أن تبقى بذاكرتي ، ألا يأخذني الجنون حيث لا ذاكرة لي !… ضع يدك على قلبي كان نبضك هنا !.. معجزة أن يحيا هذا القلب بلا نبضات !…..
اتشحت الدنيا بالسواد ..هل انطفأت شمعة ادخرتها للياليَّ الظلماء ؟!
هل ارتمى القمر بالبحر ، و غابت الشمس عن الضياء ؟!
بني! هل صرخت باسم الوطن قبل استشهادك ؟
رياح غيابك اجتاحت قلبي …مزقت أوردتي…
آاه! لو كلمة قبل الوداع !”
تلمست جراحها على ذاكرة انقضت…
“ماذا قلت؟ (أمي ادعِ لي ) …أدعو لك يا ولدي قبل أن أتنفس ..قبل أن أنظر …قبل أن أحيا …أدعو لك و أبكي …لماذا دعائي غاب؟…ألم يصل للسماء؟! ،هل أنا أمٌّ مخطئة أم محظية ؟”
بجبروت أم تقول :” دعوه يرقد بسلام!”
أي بلاء شهدته الأمهات العربيات تودع فلذات كبدها بفيض قهر و دموع …هي أمُّ الشهيد! التي تعلو فوق جراحها و تطلق زغرودتها بالشهادة ….آلاف الأمهات استقبلت شهدائنا ….منهم من كان بأجساد و منهم أطياف أرواح ، و لكن بقيت الشهادة هي أعلى من كل القيم …
سلامٌ لأرواحكم الطاهرة يا شهداءنا!…ألم يفض الوطن ببحر دمائكم ؟!
ألم يأن الأوان لترتوي هذي الأرض العطشى بدماء أبنائها ؟!
ألم تهتز أرضك لصرخات قلوب الأمهات التي تفتت الحجر…أجيبيني أيتها الأرض التي ما غادرتك حباً بك !
بوركت أيتها الأم ! التي ما انحنت و إنما نحن انحنينا..إجلالا لك !
كل التقدير فنان حيدر ، أن تروي هذه المشاعر في عملٍ..هي قدرة فائقة على اقتناص اللحظة المناسبة بكامل أحاسيسها و صدقيتها لدرجة أن إحساسك هو من التقط الصورة لا العدسة … أهنئك على صدق ما قدمته و جعلته يلامس القلب و العقل بقوة ، فجاء هذا العمل إنصات إلى نبض الواقع.