نشر بواسطة سلوى الديب
مجلة فن التصوير :
العلاج ليس فقط للجسد بينما هو علاج للروح والعقل والجسد, وتطورت عبر الحياة مجموعة من الاساليب التي تعمل على المحاور الثلاث كان منها الماكرو بيوتيك (علاج ياباني) وكان منها الايروفيدا (علاج هندي)وكلها تعمل على معالجة الروح والعقل والجسد ,فالمعالجات لا تتجزأ كالحضارة.
“أنت ما تأكل “مقولة قديمة تحمل الكثير من الدلالات على المستوى الفيزيولوجي والنفسي فالوقود الذي يضعه الإنسان في جوفه هو الذي يسيطر على الكثير من أموره اليومية الحياتية وعلى رأسها الصحة والمرض وعلى طريقة تفكيره أيضا .
وعلى الرغم من أن الطب المتداول اليوم يعتبر أبو قراط بأبي الطب إلا أنه يتجاهل كلياً قوانين الصحة التي وضعها , والتي تقول :
1. لا يشفي غير الطبيعة , بشرط إعطائها الفرصة لتحقيق ذلك .
2. ليكن الطعام دواءك وليكن دواؤك من طعامك .
3. المرض هو تعبير عن حاجة الجسد للتنقية .
4. المرض واحد ولكن يختلف توضعه .
ولذلك برز في السنوات الأخيرة مفهوم جديد في الطب الحديث يعتمد على تحديد الأغذية التي يرُى أنها مفيدة للإنسان ويبعد الأغذية التي يُرى أنها ضارة ويدعى هذا المفهوم ( الماكروبيوتيك) وهي كلمة يونانية تعني الحياة المديدة (ماكرو –كبير أو مديد وبيوتيك – حياة ) و الماكروبيوتيك أيضا فلسفة لنظام حياة متكاملة أكثر من أن يكون نظاماً غذائياً .
حوار اليوم مع الطبيب السوري عبد المؤمن القشلق أخصائي الأمراض الباطنية والقلبية – وخبير الماكروبيوتيك والمعالجات الطبيعية.
*دكتور عبد المؤمن …من دواعي سرورنا وجودك معنا وضيفا لهذا العدد وأنت هامة علمية جليلة وعلمنا أنه صدر لك مؤخراً كتابٌ هامٌ بعنوان (الماكروبيوتيك والمعالجة بالأغذية الوظيفية – الطب البديل بين السحر والحقيقة ) تضمن تجربتك في هذا النوع من العلاج الوقائي عن طريق الغذاء مع العلاجات المتداولة التي بدأتها منذ سبعة أعوام , ولك العديد من المحاضرات والندوات التي خصصتها للحديث عن الأغذية الوظيفية الماكروبيوتيك صيحة العصر اليوم , و حوارنا معك اليوم حول المفهوم الغذائي وتطبيقاته في حياتنا اليومية ودوره في تصحيح بعض السلوكيات الخاطئة في الأغذية التي نتناولها يومياً وسنبدأ حديثنا بسؤالك :
*ما المقصود بالماكر وبيوتيك وكيف بدأ الاهتمام به على المستوى العالمي ؟
**الماكروبيوتيك كلمة يونانية تعني الحياة الطويلة , وهي فلسفة علاجية تعود جذورها الأولى إلى الصينين القدماء عندما لاحظوا أن الغذاء ليس الغرض منه أن يبقى الإنسان على قيد الحياة وإنما ليقيه ويمده بالصحة والسعادة أيضا فتوسعوا في دراسة وتصنيف الغذاء ومعرفة أثاره على الإنسان ودونوا ملاحظاتهم في كتبهم ومخطوطاتهم وفي بداية القرن العشرين أسس الدكتور الياباني “سيجن إيشيزوكا” نظرية الغذاء على خلفية الطب الصيني وتفسيرات وتطبيقات علم الكيمياء الغربي الحديث , وأصبح نظامه الغذائي مشهوراً لدرجة أن مئات المرضى كانوا يصطفون عند منزله ينتظرون دورهم يومياً ليكشف عليهم ويعطي كلاً منهم نظامه الغذائي حسب حالته المرضية , أما المؤسس الفعلي لهذا المفهوم في العصر الحديث فهو الياباني الأستاذ “جورج أوساوا” واسمه الحقيقي يوكيكازو ساكورازاوي الذي اتبع هذا النوع من العلاج بعد وفاة والدته وأخيه بالسل وإصابته هو أيضاً في سن مبكرة وبعد أن قطع الطب المتداول الأمل من شفائه فاتبع طرق علاج الشرق الأقصى في العلاج بالأغذية الطبيعية فشفي تماماً وعمل طوال حياته على تطوير هذا العلم ونشره وأرسل تلاميذه إلى الغرب لينشروا علومه وأصبحوا من كبار الأساتذة المعالجين حالياً في الولايات المتحدة و أوربا ولديهم هناك معاهد ضخمة وعلى يديهم تتلمذ العديدون ومنهم السيدة الأستاذة مريم نور من لبنان .
*بماذا تفسر العودة إلى هذا النوع من العلاج اليوم وهل هي مجرد نزعة أو صيحة لا تلبث أن تزول ؟
**بعد قرون عديدة من البحث المضني عن الحلقة المفقودة عاد العالم إلى الأصل , وقد لاحظ الناس بأنه مع ازياد العقاقير والمستشفيات فإن الأمراض كذلك تزيد وطأة وتنتشر بدلاً من تتناقص وتخف , فكانت الحلقة المفقودة لهذه المعادلة المعقدة تكمن في الغذاء فقذفوا ببعض عبوات الأدوية من النافذة ونقبوا عن الأغذية والوصفات الغذائية التي تعيد إلى الإنسان صحته بعد أن أفسدتها الكيماويات والعقاقير مطبقين مقولة تاريخية لأبو قراط رائد الطب في التاريخ ( سيكون غذاؤك دواؤك ودواؤك من غذائك )إنها ثورة جديدة للتداوي بالأغذية لذا كان طبيعياً أن يظهر مصطلح علمي جديد لا يعرفه الكثيرون هو مصطلح (الأغذية الوظيفية ) الذي من المتوقع أن يحقق تطوراً وانتشاراً واسعين خلال السنوات القليلة المقبلة .
*ما الأسس العلمية التي يعتمدها هذا النوع من العلاج بالأغذية ؟
**يعتمد هذا النظام على إتباع أنظمة غذائية صحية طبيعية تلائم الطبيعة البشرية وتحديد الأغذية المفيدة للإنسان وإبعاد الأغذية الضارة التي تسبب له الأمراض ,وهذا النظام يستخدمه المرضى والأصحاء على السواء , فالمرضى يستخدمونه رغبة في الشفاء والأصحاء حيوية ونشاط دائمين ووقاية من الأمراض وهو في الحقيقة ليس نظاماً غذائياً فحسب , وإنما هو نظام حياة وفلسفة متكاملة .
وقد نجحت أنظمة الغذاء الخاصة في علاج الكثير من الأمراض المستعصية , ويتكون الجزء الأساسي من الغذاء من أغذية طبيعية متكاملة كالحبوب وعلى رأسها الأرز الكامل غير المقشور والحنطة الكاملة غير المقشورة , ويتلوها الدخن والشعير والذرة ويكملها الخضار والبقوليات وقليل من السمك وثمار البحر والفواكه المحلية, ولا يحبذ هذا النظام تناول اللحوم إلا بنسبة قليلة مدروسة لأنه يعتبرها سبب لكثير من الأمراض , كما يعتبرها هذا النظام السكر الصناعي المكرر كارثة كبرى جلبتها الثورة الصناعية للبشرية .
وبصورة عامة يعتبرها الماكروبيوتيك نظاماً بسيطاً يدعو للرجوع للطبيعة والابتعاد عن لأطعمة المحضرة والمصنعة , فكل إنسان عليه أن يأكل من بيئته حسب المواسم والحالة الصحية …فابن الاسكيمو يعيش على السمك وابن الصحراء يعيش على الغلال والبقوليات والخضار والتمر وقليل من المواد الحيوانية الطبيعية .
ويحث الماكروبيوتيك على التوازن والتناغم بين الين و اليانج , والين واليانج هما عموماً تعبير عن الأنثى والذكر , حيث كل شيء في الدنيا مؤلف من ين ويانج , فالأبيض يقابله الأسود والحلو يقابله المرّ , والليل يقابله النهار . والمحافظة على هذا التوازن من خلال تناول الغذاء المتوازن بين ( الين واليانج) أي الأنثى والذكر وهذا التوازن ينعكس على الصحة , أي أن المرض ينشأ من عدم تناول الغذاء المتوازن إنما غذاء يميل كله للين أو يميل كله لليانج .
*لماذا كثرت وتفشت الأمراض في عصرنا اليوم رغم تطور وسائل الطب برأيك ؟
**أول أسباب الأمراض المنتشرة بكثرة اليوم ما يخص الغذاء , إذ أن طرق زراعته (أو طرق تربية الحيوانات ) وخزن الغذاء وطبخه وكذلك طريقة أكله وكميته كلها عوامل مؤثرة في ذلك , ولن أخوض في تفاصيل كل ذلك ولكن بالنتيجة أقول إن جشع الإنسان وأنانيته وتخريبه المستمر لكل ما حوله هو أحد عوامل جلبّ المرضّ لنفسه ولمن حوله , والأمر الثاني هو التلوث الذي أصاب الطبيعة على يد الإنسان , فقد تلوثت الأرض بسبب استعمال السموم لإبادة الحشرات وأمراض المزروعات , وبسبب امتصاص التربة البطيء لسموم المعامل التي تلقى في الأنّهار, وكذلك برزت مشكلة النفايات النووية في معظم دول العالم وهي اسوأ من كل ما سبق , وتلوثت المياه بسبب التصريف المستمر لفضلات المعامل ومعطرات الجو ( وهو أسخف سبب لتلويث الجو ولتدمير صحة الإنسان برأيي) حتى باتت الأرض مهددة بخطر ارتفاع حرارتها مما قد يؤدي إلى كوارث كبيرة , فقد خرب الإنسان التوازن الطبيعي بتدخلاته غير المسؤلة وكان كل همه إشباع رغباته , فكان قصير النظر إذا أضر بمصلحته ومصلحة أبنائه وأحفاده على المدى البعيد لأجل ملذات ومصالح ومنافع مؤقته .
*الصيام وإعادة ترميم الجسد :
ماهي أساليب العلاج الطبيعي المتبعة في مجال الأغذية الوظيفية أو الماكروبيوتيك ؟
**إن من أهم أساليب العلاج الطبيعي في الماكروبيوتيك :
1- الغذاء الطبيعي نوعاً وكماً : نوعاً :بعيداً عن الكيماويات والمواد الحافظة والمعلبات ….. وكماً :بتناول الكميات المناسبة من الأغذية الطبيعية ( بعيداً عن التخمة ).
2- التنظيف الداخلي : فالمرض هو تعبير عن حاجة الجسد إلى التنقية وهناك طرق مختلفة للتنظيف الداخلي .
3- الصيام :ونعني من هنا الصيام العلاجي وليس العبادي علما بأن جميع الأديان السماوية وجهت نحو الصوم , ولكن حتى مفهومنا الخاطئ للصوم العبادي جعل منه وسيلة للإفراط الشديد والجشع بالطعام لتعويض ما فاتنا خلال ساعات الصوم , والجدير ذكره أننا من خلال الصوم نعطي الجسد فرصة لالتقاط أنفاسه إن صح التعبير , حيث تستهلك عملية الهضم 30% من طاقة الجسم , وبالصيام توجه الطاقة لنواحي أخرى أهمها العلاج وإعادة ترميم الجسد وأعضائه .
*ما تفسيرك للعودة إلى العلاجات الطبيعية اليوم ومنها الماكروبيوتيك؟
**دخلت هذه العلاجان إلى مجتمعاتنا بعد أن شاعت في الغرب وأثبتت فعاليتها وعالجت أمراضاً كانت تعتبر مستعصية , وقد أتت كمحصلة لأمور عديدة أدت إلى ازدياد الأمراض ( كعدد وكوطأة فكلنا نلاحظ بأنه مع ازدياد عدد الأدوية والعقاقير وعدد الأطباء وعدد المستشفيات فإن الأمراض تزداد بدلا من أن تتراجع وهذا يدل على حلقة مفقودة من المعادلة ألا وهي الغذاء ) أهم هذه الأمور الممارسات الغذائية الخاطئة التي غزت مجتمعاتنا , وكذلك تمسك المجتمع بطريقة تفكير مغلوطة من المغذيات وأساليب التغذية فالناس يظنون أن الغذاء القوي ( لحوم – دسم ….) مفيد لصحة الإنسان؟
*ماهي الأغذية التي توصف لمن يتبع هذا النظام الغذائي وتلك التي ينصح بالابتعاد عنها ؟
*تتلخص التغذية الماكروبيوتيكية بمجموعة من الأغذية الطبيعية التي أساسها الحبوب ( قمح – شعير – شوفان –دخن …) تليه الخضروات والبقوليات ( عدس – فول الصويا …) وبعض اللحوم البيضاء ( طيور – أسماك – ثمار البحر ) ومختلف الفواكه , ويحرّم الماكروبيوتيك تناول الأغذية التي يعتبرها سموماً قاتلة مثل الموبؤات البيض ( السكر الصناعي المكرر, الملح المكرر , الدقيق الابيض , الحليب , الأرز الأبيض ) والأغذية الحيوانية الدسمة وكذلك السمون من مختلف المصادر ( الحيوانية والنباتية ) ويحض على استبدالها بالزيوت الطبيعية ( زيت الزيتون , زيت السمسم , زيت دوار الشمس, زيت الصويا ) كما يؤكد على أهمية استخدام الأغذية المخمَّرة مثل الميزو ( وهو غذاء ياباني يتألف من صويا أو شعير أو أرز مخمّر لمدة عام أو أكثر ) والذي يقابله في بلادنا الزيتون الأخضر والمخللات وكذلك اللبن الرائب والقريش , كما يؤكد على أهمية استخدام الأعشاب البحرية وهي متنوعة ولها فوائد لا تحصى في الوقاية والعلاج من الأمراض كما يحض الماكروبيوتيك على استخدام الحبوب والبقوليات المبرعمة التي تمنح الجسم مناعة مضاعفة .
أما بخصوص العلاج من الأمراض بالأغذية وبطريقة الماكروبيوتيك فهي تعتمد على نوع المرض إن كان يانغ (ذكر) أو ين (انثى) فالأمراض اليانغية نعالجها بالأغذية الأنثى والأمراض الينية نعالجها بالأغذية الذكر , وكل هذا ضمن قواعد محدد ة وقد حصلت شخصياً مع الكثيرين من المرضى الذين عالجتهم على نتائج رائعة ولمختلف الأمراض المزمنة .
* هل يناسب هذا العلاج الوظيفي كل الأشخاص ومن مختلف الأعمار والبنى الجسدية برأيك ؟
**يعتمد الماكروبيوتيك على نظم تغذية تختلف من فرد إلى أخر وحسب المجهود الذي يبذله كل واحد منهم , فالأشخاص الذين يبذلون مجهوداً بدنياً كبيراً لا مانع من تناولهم الأغذية القوية , بينما الأشخاص الذين يقتصر مجهودهم على الجهد الذهني المكتبي ( وهذا حالُ معظم الناس فيجب منحهم الكثير من الكربوهيدرات الطبيعية والفيتامينات والأملاح المعدنية والألياف النباتية) وكل هذه الأغذية يجب أن تكون من مصادر طبيعية .