الفوتوغرافيا : خذ منها ما يمتعك ولا يتعبك …
بقلم علي بن ثالث
يمتعني هذا الفن بقدر تأثيره العميق على المتلقي وبقدر ماللصورة من وقعٍ وحضور، تمتعني الصورة التي خَلَقَت رأياً عالمياً بقوتها، وأستمتع حين أجد صورة للحياة البرية استطاعت فرض قانون وإنشاء لوائح جديدة للثروة الحيوانية. تعجبني الصورة التي خلّدت اسم صاحبها بسبب قوة موضوعها وجمالية تأثيرها وإتقان إخراجها. فالنتائج وأخلاق الفنان هي من تؤطّر اسمه وتصنع سمعته وتجعله مثار إعجاب واحترام وتقدير الفنانين له.
ومن جهة اخرى أجد الفوتوغرافيا متعبة بشكلٍ عام من عدة نواحٍ أبرزها الممارسة العشوائية من حيث شراء الكاميرا واكسسواراتها دون تخطيط أو استشارة، وبذل مجهوداتٍ جسدية في غير محلها، وإهدار الوقت والمال دون وجود أهدافٍ أو مساراتٍ واضحة. هناك فارقٌ جوهريّ بين المصور الفنان و”الملتقط” وهذا الأخير يمارس الالتقاط بسهولة غالباً من خلال هاتفه المحمول لأي شئ يقع في طريقه، وهذا لا يقلّل من قيمة مستخدمي كاميرات الهواتف المتحركة إلا أني أجد الفوتوغرافيا الممتعة بعيدة عن ذلك.
المتعة تكمن في تلاقي المخيّلة البصرية لديك مع نتائج العمل الجاد والمتعب، في بداية مشوارنا عندما كانت تظهر معنا صورة جيدة كنا نهرع لذوي الخبرة ونهتم بمعرفة آرائهم وملاحظاتهم. وهذا ما يحصل هذه الأيام مع مصوري الهواتف المتحركة حيث يتفاجئ أحدهم بصورة مميزة التقطها فيسرع ليأخذ رأيك فيها لاحترامه لاسمك ومسيرتك وأعمالك.
لا أعتبر نفسي متشائماً أيها الأخوة لكن الخلط بين المدح والمغالاة أمرٌ مزعجٌ حقاً، أصبحنا نميل لإثارة المشاكل بدلاً من تشجيع بعضنا البعض! أصبحت المصلحة المتبادلة تستولي على نسبة كبيرة من معايير التقييم بالمدح أو الذم، وهذا يتنافى مع معايير الجودة والإتقان والتروي في مشاهدة الأعمال والإحساس بقيمتها ومن ثمّ إبداء الأراء الحقيقية الشفّافة فيها. من هنا يكون المدح حقيقياً ويحقّق مراده ويترك بصمته الإيجابية لفترةٍ طويلة.
كمصور لك ذائقة ورأي تجد أمامك وميضاً منعشاً من الفوتوغرافيا يذكّرك بالأعمال التي حُفِرَت على لوحات قلبك وعقلك. أشعر أحياناً أن ما لفتني من الأعمال الفوتوغرافية يختار عقلي …. بينما الأعمال التي لمست شغاف إحساسي تتنافس ذاكرة قلبي مع ذاكرة عقلي على تخزينها.