سامر سليمان في محاولة للتخلص من الواقع بتفاصيله المتناثرة وما يثيره من تداخل مكاني وزماني، تحولت عدسة كاميرا ثلاثين فناناً إلى عين تجريدية ناقدة تفكّك الأنساق البِنائية للكتل والموجودات ومنطوقها البصري، لتعريها من ملامحها التقليدية. وفي هذه العملية البصرية تحقق العين – الكاميرا، العديد من المعاني والتفسيرات والتأويلات الفريدة أو الغريبة والطريفة في فضاء الصورة. وذلك في معرض «رؤى تجريدية» الذي افتتحه نقيب الفنانيين التشكيليين المصريين حمدي أبو المعاطي، والعميد الأسبق لكلية الفنون الجميلة جامعة الإسكندرية محمد شاكر، في «أتلييه الإسكندرية» (جماعة الكتاب والفنانين).
وقال شاكر لـ «الحياة» إن «المصور التجريدي يحتاج الى عين ذكية وخيال ومقدرة إبداعية على التفكيك، لنفي الأنساق البنائية التقليدية حيث تقترب آلة التصوير الفوتوغرافية كثيراً من جوهر الفنان، الذي يستطيع بعبقرية أن يجتاز كثيراً من المفاهيم متجرداً من إشكاليات وقيود المدارس الفوتوغرافية التقليدية، وهو ما سعى المشاركون إلى تحقيقه عبر معرض «رؤى تجريدية»».
قدم مصوّرون شباب ما يقارب 90 رؤية تجريدية معاصرة لأعمالهم الفوتوغرافية ساقت في مضمونها العديد من الصياغات والتأويلات، بما تخطى حدود محتوى الصورة. فاستحضروا أشكالاً عضوية وأخرى هندسية وتكوينات طبيعية بمعادل تشكيلي متزن، أظهر كثيراً من الدلالات اختلف الجمهور المتلقي في تفسيرها، إلا أنه اتفق على كونها نسقاً مؤولاً وموجزاً لمجمل الفعل الإبداعي التقني والفني للوحات الفوتوغرافيا.
ويقول يحيى زويل وهو أحد المشاركين في المعرض: «الخروج من النسق التقليدي للتجريدي لن ينجح إلا من خلال تزود الفوتوغرافي بمنظومة معرفية وبلاغية بصرية، تنفتح على مقاربات مختلفة تمكنه من إعادة تنظيم الأشياء والكائنات والمواضيع، حيث يبث الروح في مربعاته ومستطيلاته ودوائره وخطوطه المستقيمة أو المنحنية عبر رؤية نقدية للواقع المحيط به».
وقدم يحيى لوحتين لتكوين هندسي من الموزاييك إحداهما تظهر الظلال كمساحات لأنف وفم وذقن مستدقة في حين أنها مجرد تكوين عضوي لإحدى الأرضيات.
وقدمت شرين مصطفى لقطات ركّزت فيها على الرمال وخطوات البحر وآثار أقدامه على الشاطئ والضوء الأبيض وما يثيره من دلالات. فمن حفرة قليلة العمق لخطوط حفرت انكساراتها الأمواج، إلى خطوات متسارعة تاركة قواقع وبقعاً مائية دائرية هندسية، ظهرت لقطاتها وكأنّها تشكيلات فنية تعانق بعضها بعضاً، ومنسابة في شكل جميل وكأنها تبحث عن الضوء (الأمل) مقتفية أثر الظلال.
اللافت في المعرض تعمد أكثر الفنانين مساحات الطبيعة بخاصة البحر وتكويناته وما يحويه من خفايا وأسرار وقواقع ورمال، كذلك تكوينات النبات والتي تظهر الظلال كمساحات متكررة تحصر فراغات ضوئية فاتحة، ولا تبدو أوراق النبات في شكلها الطبيعي عندما تكون ظلالاً، بل في شكل تجريدي، عبر تكتيك فني بصري متقن باستخدام المساحات القصيرة والطويلة وبإعطائها ألواناً معينة وترتيبها وفق نظام معين حيث تتعرى كتل الطبيعة من ملامحها التقليدية لتندس بأزليتها وفعلها المندمج لتحقق العديد من المعاني والتفسيرات وتتحول إلى تكوينات غاية بالبساطة والدقة والمعاصرة.
يذكر أن أعضاء «أتلييه الإسكندرية» ونقابة الفنانين التشكيليين كرّموا خلال المعرض، الدكتور حافظ صادق إلهامي (1948) أحد مؤسسي نادي الكاميرا ومن قدامى الفوتوغرافيين وهو طبيب وأستاذ جراحة العظام في جامعة الإسكندرية، ولديه تميز كبير باستخدام التقنيات الحديثة بالعمل الفني وتحويله إلى عمل تجريدي مميز. وأوضح إلهامي أن لقطة الكاميرا لحظية ولا تقبل الزيف، لافتاً إلى أن هناك الكثير الذي يمكننا أن نستشفه عن العمل بما يتخطى حدود محتوى الصورة المتمثلة فيه. وفقا لما نشر بصحيفة الحياة .