نشأة التصوير الفوتوغرافي
أعد المادة: أحمد مروات
لعل ما يميز هذه المواضيع كدراسة أنها نادرة في حيثياتها. خاصة حرفة التصوير الفوتوغرافي التي تسللت إلى المجتمع الشرقي وخاصة فلسطين في أواخر العهد العثماني! وهذا الحقل غاب كثيرا عن أنظار الموثقين لتاريخ فلسطين خلال القرن التاسع عشر, وصولا إلى النكبة 1948, وما جرت من الضياع والتشتت, وتلف المنجز, وتبعثر الجهود, وسيطرة المحتلين على كل ملمح يدل على ما كانت عليه البلاد وأحوال العباد قبل اجتياحهم البربري لها, 1948 “, ولحسن الحظ أن هذة الدراسة لهذة الحرفة لم تحظى باهتمام وفير من قبل المؤسسات البحثية إلا ما نشرتة مؤسسة القطان مؤخرا وهو كتاب “لقطات مغايرة” فلسطين في التصوير الفوتوغرافي المحلي, ويورد الدكتور عصام نصار مؤلف الكتاب ملاحظات ختامية, وتلك المصادر التي لجأ إليها حتى أنجز بحثه, في الجزء الثاني المصور هناك مجموعة منتقاة من الصور الملتقطة خلال فلسطين العثمانية, وصور من عهد الانتداب البريطاني, وأخرى لفترة العصيان وصولا إلى النكبة, ولا ينسى أن يضع ملحقا حول تاريخ وتطور التصوير الفوتوغرافي في القرن التاسع عشر .
ولعلي في عرضي التعريفي المختصر بهذا الجهد أن أنبه إلى ما يحتويه من كنز معرفي ثمين للفنانين الفوتغرافين والباحثين, وأصحاب الذاكرة الحية التي لا تنسى.
الفصل الأول من الكتاب يناقش التصوير المبكر في فلسطين بعد اختراع التصوير في العام 1839 م, وكيف انعكس أثر هذا الاختراع على انصباب جهد الأوروبيين على تصوير الأرض المقدسة لأسباب استشراقية الطابع حتى أن الأمير دوايت المندورف وصف عنوان كتابه التصويري سنة 1901 باسم ” حرب صليبية بالكاميرا على البلاد المقدسة ” حيث جاء أساسا للتصوير محليا, والكيفية التي استقبل بها المجتمع الفلسطيني التصوير, وكيف وظفه, ولا يدعي الكتاب أنه موسوعة مفصلة شاملة لكل ما يرتبط بتاريخ هذه الصنعة, بل أنه يقدم بالأساس قراءة تاريخية لكيفية تمثيل التصوير الفوتوغرافي لفلسطين وسكانها…” , ولعل هذا الكتاب كما أشار نصار أيضا يسعى للرد على تلك الكتب الإسرائيلية التي أبرزت جهود المصورين اليهود خلال مائة عام في فلسطين ,ليس من خلال مناقشة تلك الكتب التي لم تشر لجهود المصورين الفلسطينيين , بل بتقديم وثيقة دامغة من هذه الجهود ليوثق للمواقع الدينية التي وردت في الإنجيل.
الناصرة والتصوير الفوتوغرافي 1950-1890
حظيت مدينة الناصرة بنصيب وافر من عدسة الفوتغراف وخاصة في أواخر القرن التاسع عشر حيث توافد عليها المستشرقون ن كل حدب وصوب لأهميتها الروحية والقدسية.
فيصعب علينا أن نحدد هوية المصورين المحليين من أبناء الناصرة أو من فلسطين وبهذة الفترة تحديدا ؟ إلا أن هذة الحرفة أوكلت للرحالة الغربيين الذين وفدوا إلى الناصرة بهدف الانضمام إلى الإرساليات التبشيرية الطبية والثقافية وغيرها من الأعمدة الثقافية التي غرسها الغرب في الثلث الأول من القرن التاسع عشر وما زالت تخدم سكان المدينة إلى يومنا هذا !
وتحمل أكثر الصور الفوتوغرافية اسم الأخوان كولني من أمريكا واللذان استطاعا أن يلتقطوا أكثر من 2000 صورة خلال أكثر من عامين وهي منوعة لعدة مدن وقرى فلسطينية !
وكان التركيز من هؤلاء المصورين على المنظر الخارجي للمدن ومن ثم الأحياء القديمة التي سكنتها العائلات والأفراد وحتى الدواب والأسواق وكافة أنواع المهن البدائية في تلك الفترة !
في الناصرة وفي أوائل القرن العشرين ظهرت الآنسة كريمة عبود كأول مصورة فلسطينية وتحمل الطابع النسائي الذي كان شبة محرم في المجتمع الشرقي الفلسطيني وخاصة الريفي لعدة أسباب وأهمها العقيدة المغفلة !التي اتبعتها بعض العائلات خاصة أن مهنة التصوير الفوتوغرافي كانت بدعة أو سحر حيث يتم نقل الشخص حسب معتقداتهم إلى ورقة صغيرة لم يعتد مشاهدتها من قبل وهي تمثل التدخل في شؤون الخالق وكان المصر يقوم بولادة شخص آخر من خلال العدسة !
إلا أن التصوير الفوتوغرافي كان لة امتيازات أخرى مهمة ومنها المعاملات الرسمية بين المؤسسات السياسية والإدارية ومنها الكليات ومعاهد التعليم العالي التي أجبرت الفرد الفلسطيني بان يقف أمام هذا الاختراع الغريب والغير المألوف لكي يرسم مرة أخرى على الورق وتشهد وتصدق أمام الجهات المطلوبة.
مع بدايات القرن العشرين كان من أبناء الناصرة ممن احترف مهنة التصوير الفوتوغرافي شخص يدعى ” فضيل السابا ” من عائلات الناصرة حيث ولد عام 1890 وكان من طائفة البروتستانت الإنجيلية تعلم هذة الحرفة في القدس الشريف وقام للناصرة لكي يفتتح أستوديو للتصوير عام 1919. وكان لفضيل وما زال الكثير من الصور المعلقة على جدران البيوت والمؤسسات وهي غالبا كانت تظهر صور عين العذراء مع النساء اللواتي كن ينشلن المياة منها ومع صور الأطفال والحمير ولة مجموعة صور أيضا للمعاهد الدينية والخانات كما تظهرها صورة بتوقيعة لطريق خان الباشا والكازانوفا عام 1928 حيث تظهر بها عربات الخيول التابعة للمرحوم اسكندر أبو العسل أول عربجي في الناصرة حيث كانت عائلة أبو العسل من أوائل العائلات التي عملت بمجال النقل والوحيدة التي أدخلت التاكسيات للمدينة في أوائل القرن العشرين !
لم يستقر فضيل السابا في الناصرة ولظروف نجهلها سافر إلى الولايات المتحدة في بدايات الأربعينيات ليلمع اسم المصور “معين البواردي ” محترفا في مهنة التصوير المحلي وكان لة ستوديو بمحاذاة خان الباشا مقابل كنيسة البازيلكا اليوم.
حيث لم يكن في الناصرة أي مصور سواة إلا في أواخر الأربعينيات حيث ظهر شخص من مدينة القدس يدعى الارمني إلا أنة لم يستقر بالناصرة وكانت القدس عنوانة الدائم.
المصور النصراوي سليم عزام ” فوتو نبيل ” 2007-1950
لاشك أن كل فرد من أبناء الناصرة وقف أمام عدسة المرحوم أبو نبيل لكي يلتقط البسمة وفي عدة مناسبات وما أكثرها في تلك الفترة.
سليم عزام أبو نبيل من مواليد قرية المجيدل عام 1919 جاء للناصرة في أواخر الأربعينيات وعمل موظفا في الفترة الانتدابية ومن ثم دخل لمهنة التصوير الفوتوغرافي رسميا عام 1950. وهو بذلك لم يكن المصور الأول في الناصرة كما نشر قبل يومين من كتابة هذة المقالة من قبل لجنة التأبين التي أقيمت لة في الناصرة!! حيث أشير في موجز حياتة العريضة أنة المصور الأول والوحيد في المدينة وهذا أمر غير صحيح وان المرحوم أبو نبيل جاء في المركز السادس لحرفية المهنة بعد عدة أشخاص من الناصرة وخاصة أنة لم يلتقط أي صورة خارجية أو أي منظر للمدينة كما فعل زملائة من قبلة في الأيام التي خلت. كان أبو نبيل يصور عادة البطاقات ” البوست كارد ” أو الصور الصغيرة التي كانت تستعمل لشهادات الميلاد أو جواز السفر. وأيضا كان يصور الكثير من العائلات التي توافدت لمشغلة المتواضع في البلدة القديمة وقد كانت تساعدة وتقف بجانبة دائما زوجتة المرحومة أم نبيل من عائلة عازر وأحيانا كان يذهب إلى بعض العائلات والمعارف ليلتقط البسمة أو الفرحة في الكثير من المناسبات في الناصرة.
أبو نبيل احتفظ بأدق الأمور فقد كان يحتفظ بأرشيف خاص للنيغاتف والمصغرات ونسخ كثيرة منها ما زال موجودا وعلى حسب ظني عند عائلتة؟
لعل الحياة أو الفترة الزمنية التي جاء بها هذا المصور في الناصرة لم تكن مفاجئة للسكان المحليين وخاصة بعد تدريبهم على هذا الاختراع الذي ملء المدينة منذ
1880. حيث كان المستشرقون يتسللون بين الحواري والبيوت ليلتقطوا صور النساء والأطفال والشيوخ إثناء أعمالهم التراثية والغير المألوفة للمجتمع الغربي.