جديد الفنان الفوتوغرافي الإيطالي ستيف ميسل
اصنع الحب بدل الحرب
نشرت مجلة فوجيو الإيطالية المتخصصة بالأزياء وفن الفوتوغراف تحقيقاً مصوراً عن حياة الجنود الأميركان في العراق وأجواء تسليتهم في أوقات الفراغ مع المجندات المفترضات، مستندة إلى المعرض الأخير لفنان الفوتوغراف الإيطالي ومالك المجلة ستيف ميسل، الذي يخلط في الغالب بين فن تصميم الأزياء والتصوير الفوتوغرافي مستغلاً صرعة انتشار أزياء المارينز المبقعة بألوان الصحراء بين أوساط الشباب في الغرب.
وقام المصور ستيف ميسيل بالتقاط الصور في أحد القواعد الأميركية في العراق الصيف الماضي بعد أن أقنع المجندات بارتداء تصميماته الثورية وممارسة حياتهن اليومية مع زملائهن الجنود في لهيب الصيف العراقي الحارق، وقام بنشرها تحت عنوان خادع وكبير هو (اصنع الحب بدل الحرب) الذي لم ترحب به وسائل الإعلام الأوروبية كثيراً.
وعلى الرغم من أن ميسل لم يفصح عن حقيقة معرضه الأخير فهل اعتمد عارضات أزياء محترفات أم مجرد مجندات استهوين المغامرة! إلا أنه يرد على منتقديه قائلاً، ما الفرق؟ إذا كنتم لا تجدونها فناً خالصاً فلا تنشروها، طالما الغاية نبيلة وثمة دعوة لوقف الحرب وممارسة الحب فإن الأمر يستحق العناء.إلا أن جريدة الغارديان البريطانية تنظر للموضوع من وجهة نظر أخرى مختلفة تماماً، علينا تذكرّ أسر الجنود الأميركان الذين يحاربون هناك، يقول ناقدهم الفني: إن ستيف ميسل يبيعهم تصوراَ وردياً خادعاً، ويسيء لمشاعرهم، كما لو إن أحدهم يقول لك انظر إلى ولدك هناك، إنه يبلو جيداً في الحب طوال الوقت، لكن الابن يعيش في جحيم حقيقي.
لقد حاول ميسل في الحقيقة أن يقدم حالة مأساوية وتراجيدية صرف، بلباس رومانسي، وهو أمر مناف للواقع حتى وإن توفر على مقدار جيد من الفن والإبداع، لكن السؤال هو هل التقى ميسل الفنان المنتصر للإبداع واليساري المعروف، بماكنة الإعلام الأميركية التي تحاول أن تضفي بعداً من الرفاهية على حربها المتورطة بها في العراق؟
لا جواب في الحقيقة، لان ميسل، الذي يدير المجلة، والمسؤول عنها مالياً وفنياً أصبح مثيراً للجدل منذ إصداره الطبعة الأميركية من (فوجيو) وغالباً ما يقدم على أفعال تثير حنق النقاد، لكنها تلقى رواجاً وإعجاباً شعبياً منقطع النظير، كما هو الأمر مع الصور التي التقطها خصيصاً لكتاب مغنية البوب الشهيرة مادونا المتضمن وصاياها ورؤيتها الاستثنائية للحياة الجنسية.
صور ميسل الجديدة، أو لنقل صرعته الأخيرة، تضمن عشرات اللقطات لفتيات حسناوات وجنود شبان في أوضاع حميمة داخل الخيام المخرمة في لهيب الصحراء، وتظهر الفتيات بملابس مثيرة، وأحياناً شبه عاريات وهن يلهون مع الجنود، أو يستلقين إلى جانبهم بهدوء بعد دورة تدريب شاقة على ما يبدو.
فنياً تألق ميسل كعادته في تجسيد موضوعته بتفصيلات فادحة، لقد تمكن من التقاط ذرات الغبار المهومة في فضاء الخيام الممزقة، أو حبات العرق فوق رقاب الفتيات، ونجح في تشييد مشاهده المشغولة بدقة متناهية في مساحة هشة جداً بين ضوء الشمس والظل المتهتك فوق ظهور الجنود السمر وبطون الفتيات البيضاوات اللواتي بدون مثل تماثيل رومانية.
هل قدّم ستيف ميسل فناً؟ نعم لقد فعل ذلك قطعاً، إذا ما حسبنا مقدار جرأته في اختيار الموضوعات الشائكة وشجاعته في سبر أغوار الألوان، التي غالباً ما تراوغ العدسة، بعد أن جمع خيوط الضوء المنفلتة وأدخلها كوادره الكبيرة بتؤدة ونعومة بحرفية عالية.
وإذا ما تجاوزنا الموضوع المثير للجدل، فإن ميسل يظل واحداً من الفنانين الفوتوغرافيين المعاصريين الذين لا يهابون اللون، وهو من القلائل الذين لا يعترفون بسلطة الأبيض والأسود في الفوتوغراف، ناهيك عن اختياره الموضوعات المعاصرة والحياة اليومية للبشر بإقدام كبير، إنه يذكرني بديانا أربوس، مع الأخذ بنظر الاعتبار الفارق التقني الذي حدث خلال العشرين سنة الماضية في عالم التصوير.