محمد الخراري
ورشة
فن تصوير حياة الشارع «رائحة المكان»
إعداد وتصوير- محمد الخراري
“إذا شممت رائحة الشارع عند النظر لصورة ما، فهي من صور الشارع الناجحة” من هذه الكلمة الشهيرة للفوتوغرافي الأمريكي بروس غيلدن، بدأ اهتمامي بشكل أكبر للتوجه لتصوير حياة الناس قراءةً، وتحليلاً، وتصويراً.
تصوير الشارع “Street Photography”، من محاور التصوير الضوئي غير الملْتَفَت إليها بشكل كبير على مستوى الوطن العربي، على عكس أوروبا وأمريكا، حيث إن هذا التخصص له انتشاره الواسع منذ بدايات القرن العشرين. وأصبح كل مصور منهم له بصمته الخاصة وأسلوبه المميز في هذا النوع من التصوير.
قد يكون السبب إما لعدم الوعي بأهمية توثيق الحياة اليومية، أو لكون حياة الشارع حياةً روتينية اعتادت العين على مشاهدتها، أو لعدم تسليط الضوء عليه وعدم إدراجه بشكل كبير في الدورات والورش حتى أُهمل من قبل الشريحة الكبرى من مصوري الوطن العربي، على عكس محاور التصوير الأخرى كتصوير البورترية، الطبيعة الصامتة، والمناظر الطبيعية وغيرها. أو يكون السبب وراء ذلك الخوف والحذر من ممانعة الناس لتصويرهم، وإن كنا قد تجاوزناها.
لا نُنكر وجود شريحة لا بأس بها من الفوتوغرافيين العرب من لديهم أعمال مميزة تحكي حياة الناس وانطباعاتهم وبشكل فني جميل، إلا أن حديثنا هنا تحديدًا عن رصد حالة الناس في يومياتهم المعتادة، حتى تتكون لدينا حصيلة ورصيد يتعرف من خلال الجيل القادم على طبيعة الناس وحياتهم، وأسلوب معيشتهم وبكل التفاصيل.
محمد الخراري
تعريف تصوير حياة الشارع:
هو نوع من التصوير يبرز حالة الإنسان في الأماكن العامة، إما بوجوده شخصياً في الصورة، أو بوجود آثاره الدالة عليه!.
وبالرغم من احتواء الشارع على عناصر كثيرة ومتناثرة يصعب على الفوتوغرافي تكوين مشهد مدهش للنظر إلا أنه باستطاعة الفنان الواعي صناعة مشهد من حياة روتينية معتادة إلى لقطة مثيرة ومميزة. ولتقليص هذه المشاهد الكثيرة، وتأطيرها ضمن أطر تتضح من خلالها سمات صور الشارع المميزة.
نماذج من تصوير حياة الشارع:
1- التسوّق:
يعتبر التسوّق فرصة كبيرة للخروج بأعمال تحكي حياة الناس أثناء تبضعهم، وتبادلهم المنافع، فبإمكان المصور رصد انفعالات الناس، أو التركيز على البضائع، أو الالتفات للألوان واختلاف الكتل، وبإمكان الفنان هنا استغلال الجوانب الفنية والتقنية التي يمتلكها للخروج بعمل مميز.
2- المشاة:
تصوير الناس حال حركتهم، تعطي العمل الفوتوغرافي نبضاً قوياً، دالاً على ديناميكية الصورة، وحيويتها، وعلى المصور “التفنن” في إبراز هذا الجانب من خلال تصوير الناس حال المشي، أو تصوير انعكاساتهم في بقع الماء، أو ظل أقدامهم..
3- الكتابات والرموز:
الكتابات والرموز سواء في المحال التجارية، أو على الجدران أو اللافتات الإرشادية لها دلالتها، وبإمكان الفوتوغرافي ربطها بالإنسان، أو تكوين دلالة يستطيع من خلالها المشاهد تكوين فكرة، أو قصة، أو دلالة تعبيرية معينة.
4- الأضواء:
الأضواء المنتشرة في المدينة دالة على وجود الإنسان، ولذا فهي تعطي دلالة قوية على شارع نابض بالحياة، سواء أضواء المنازل، أو الشوارع، أو السيارات..
5- وسائل النقل:
كذلك تدل على الإنسان، ونبض الشارع وحياته، وتعطي المشاهد موجزًا عن وسائل تنقل الناس المختلفة في منطقة ما، كالدراجات والسيارات..
6- الأطفال:
من أروع النماذج الدالة على صور الشارع، وجود الأطفال في العمل الفوتوغرافي، وتكمن أهمية هذه الصور في كونها عفوية بامتياز حتى مع علم الأطفال بوجود الكاميرا! وكما يقول أحد المصورين: “الأطفال لا يرون الكاميرا” بمعنى أنهم لا يعبؤون بوجود الكاميرا، ويتصرفون بعفوية. ومع كل هذه النماذج، والعناصر الكثيرة في الشارع، نجد صعوبة في تناول موضوع واحد منها لتوسعه، فمثلًا موضوع الأطفال ومرحهم ولعبهم في الشارع غني لدرجة الحيرة في تناول تفاصيلهم. وللدخول في موضوع محدد سنقوم بتقليص أو تأطير صور الشارع للتركيز أكثر.
1- الضوء، والظل:
المهتم بهذه الثنائية، يجعل من صوره ذات معنى ويجبر عين المتلقي لقراءة الصورة بالنظر للموضوع الرئيس مع ربطه بالضوء والظل الحاضرين في العمل.
2- البورترية:
بإمكان مصور حياة الناس، أن يركز على انطباعاتهم من خلال التصوير القريب للوجوه، وهناك نوعان من البورترية في الشارع: أحدهما في حال ثبات الشخص، والآخر حال حركته ويطلق عليهما: (Posed & Candid Portrait).
3- الإنسان، والتشكيلات الهندسية:
يهتم الكثير من مصوري الشارع، بالتكوينات الملفتة وربط الإنسان ببيئته وتكوين منظومة هندسية من خطوط ومنحنيات وأشكال، هدفها التركيز على سيادة عنصر من العناصر، أو التأكيد على الحركة وغيرها من الدلالات.
4- التجاور (JUXTAPOSITION):
هذه النقطة فيها من الإثارة الشيء الكثير، حيث إن المصور عند ربطه بعنصر في الشارع بعنصر آخر (الإنسان في الأغلب) فإن العمل يكوّن مفهوماً قد يكون فكاهياً، أو لإيضاح رسالة ما وغيرها.
5- الفكاهة:
من الأوجه المهمة في حياة الناس أو تصوير الشارع نقل الفكاهة والمرح للمتلقي، من خلال عفوية الناس، أو الاستفادة من جوانب تبعث المرح والفكاهة بأي طريقة كانت.
6- أوجه الحياة المختلفة:
الحياة وحالات الإنسان المختلفة وتجسيدها في عمل فوتوغرافي: كالتعب، الفرح، الحزن، التفكير..
مشاهير تصوير الشارع وأساليبهم الخاصة:
1- Henri Cartier-Bresson (هنري كارتيه بريسون) مصور فرنسي، يعتبره النقاد مُنشئ التصوير الفوتوغرافي الصحفي الحديث، أسلوبه مميز في اهتمامه بالتكوين والتشكيلات الهندسية، وكان يؤكد على أهمية اللحظة الحاسمة لنجاح صور الشارع.
2- Andre Kertesz (اندريه كيرتيز) مصور أمريكي من أصل (هنغاري)، تميز في التكوين الفني، إضافة إلى القصص المصورة.
3- Robert Doisneau (روبير دوانو) مصور فرنسي، اهتم بنقل الصور المبهجة والمرحة، إضافة إلى صور التجاور باستغلاله للافتات والكتابات والرموز وتضمينها أعماله.
4- Helen Levitt (هيلين ليفيت) أمريكية، اهتمت بتصوير الأطفال، ورسوماتهم الطباشيرية المنتشرة في ذلك الوقت.
5- Bruce Gilden (بروس جيلدين) من المشاهير المعاصرين، له أسلوبه المميز جدًا بتصوير الناس بطريقة المباغتة لرصد انطباعاتهم في هذه الحالة، ويستخدم إضاة (الفلاش) فكوّن نكهة خاصة لأعماله.
المتابع لسيرة مصوري الشارع، يلحظ اختيارهم للأسلوب والموضوع المناسب لشخصياتهم، فالشخص الاجتماعي، والقريب للناس تجد التفاصيل الدقيقة لحياة الناس لقربه منهم، ومن يحب المرح تجد أعماله مرحة وكأن روحنا تنعكس على أعمالنا. ومع أن كلاً منا له أسلوبه الخاص، وطريقته المناسبة، إلا أن هناك نصائح يتفق عليها الجميع، والتي من شأنها تجاوز العقبات في هذا النوع من التصوير.
نصائح لتصوير حياة الشارع:
- استخدام الكاميرات الصغيرة، والعدسات الثابتة، لعدم إثارة الناس في الشارع، ونظرتهم المريبة لك!
- الاقتراب من الناس مكانيًا، سيتيح لك القرب منهم معنويًا، فيشعرون بالأمان، وبعدها تقتنص مشاعرهم.
- حمل الكاميرا معك بشكل مستمر، يتيح لك فرصة تصوير المشاهد التي قد لا تتكرر، أو لا يسمح لك وقتك بتصويرها.
- الابتسامة، وفاعليتها في نجاحك للقرب من الناس، وسماحهم لك بالتصوير.
- الاستئذان مهم في تصوير الشارع، ومن يعتقد أن الاستئذان سيسلب عفوية الصورة فهو غير محق تمامًا، فالاستئذان سيتيح لك فرصة للجلوس أطول وبعدها سيعود الناس لوضعهم الطبيعي وكأن كاميرتك غير موجودة، وبعدها قم بالتصوير.
- النبل، والاحترام مهم في تصوير الشارع، فلا تستغل بساطة الناس فقط من أجل استعطاف المشاهد، ولتكن لديك رسالة واضحة ومقنعة بالنسبة لك على الأقل.
- الاستمرار في النزول إلى الشارع، والحديث مع الناس، والتجارب، والتصوير المستمر سيصقل أسلوبك وفنك، وبعدها تتميز في أعمالك.
تصوير محمد الخراري.. الظلال
استثمار الرموز
تصوير محمد الخراري.. التسوق
تصوير هنري كيرتز
تصوير هيلين ليفيت
تصوير انديره كيرتز
تصوير محمد الخراري.. الكتابات
تصوير محمد الخراري.. العمل
تصوير محمد الخراري.. الأضواء
تصوير محمد الخراري.. الانعكاسات
تصوير محمد الخراري
تصوير محمد الخراري.. الصور والرموز
تصوير محمد الخراري.. المشاة
تصوير محمد الخراري.. الأطفال