يحمل زهر الرمان الـ”جلنار” في داخلهِ رائحة الارض والقرية،
وجلنار تعريب للكلمة الفارسية (كلنار) التي معناها ورد الرمان أو زهرة الرمان الحمراء التي تتفتح في الربيع معلنة قدوم الصيف في حدائق البيوت القديمة والحارات والبساتين، حيث تعتبر من أكثر الأشجار التي تحرص البيوت على زراعتها في الحدائق المنزلية لتضفي نوعاً من الحياة والدفء في البيوت الخارجة للتو من فصل الشتاء وتقلب الربيع عدا عن ثمارها وعطائها الدائم الذي يذكرنا بديمومة الحياة ودوران الأيام.
والجلنار زهرة شجرة من أشجار الجنة فقد ورد ذكر الرمان في القرآن الكريم في أكثر من موقع خصوصا سورتي الأنعام والرحمن، قال تعالى (( فيهما فاكهة ونخل ورمان )) وذكرت كتب التاريخ أن شجرة الرمان وجدت مرسومة على جدران مقابر تل العمارنة في عهد اخناتون، ويقال ان أحد ملوك الفراعنة ويدعى تحوتمس احضر معه الرمان الى مصر من آسيا، وكذلك زرعت شجرة الرمان في حدائق بابل المعلقة لما تحظى به من مكانة واهتمام.
ويطلق كثير من الناس اسم جلنار على فتياتهم لما للاسم من لفظٍ جميل ونطق سلس يعبر عن جمالية المعنى الذي تشير إليهِ وكونها من الأزهار حسنة المظهر ومريحة لعين الناظر، فأعين الناس تبحث عما يبعث الأمل في النفوس ويقال دائماً بأن هناك ما يستحق أن تلتفت إليه إيها الإنسان الغارق في متاهات الحياة وتطورها والتكنولوجيا التي تعطيك كل ما تحتاج لكنها في المقابل تسرقك حتى من النظر الى خارج نافذتك الضيقة لتستمتع بما حباه الله لك من جماليات طبيعية من الصعب الحصول عليها إلا إذا خرجنا من الجدران المحيطة الخالية من الروح لتوهبك الأزهار ومنها جلنار زهر الرمان الحياة والروح.
قال أحد الشعراء متذكراً قريتهِ وقد تركها ربما عنوةً وترك فيها بقايا طفولة عالقة في الذهن والقلب وقد عانق فيها جلنار زهر الرمان :
” والرّمانْ زينة كل عصرٍ وأوانْ وقف حارساً على خاصرة البستانْ
جلّنارٌ جلّنارْ ثمارٌ ثمارْ ثمارٌ لا تنمحي من الذّاكرهْ
ويبقى البستان في قلب الذّاكرهْ الرمـــــان”
فلم تغب جلنار عن عذابات وذكريات أشخاص كانوا قد عاشوا طفولتهم وربما كهولتهم تحت أزهار جلنار وسمعت حكاياهم واسرارهم لتختزلها في عمق الجذور علهم يعودون يوماً وقد تعبوا من الحياة باحثين ربما عن ذكرى وسر جميل مخبأ في الجذر الراسخ الذي احتضنهم يوماً كما احتضن جلنار.
وإيذاناً بقدوم الصيف تأتي جلنار بألوانها الحمراء الدافئة المتدرجة كتدرج ألوان الشمس وتوقظنا من غفوات الشتاء وتقلب الربيع كي ننطلق الى الحياة ولكن في الأعماق شعورا بضرورة العودة دائماً الى الطبيعة وأن ننظر الى جلنار ولا نمر من امامها مرور الكرام العابرين دون روح تشدنا إليها فهي كائن حي كما هو الإنسان تعيش وتموت ولها دورة حياة، تتنفس وتلتف حول نفسها لتبقى قريبة من الشمس، فهي تختفي وتغيب تماماً في سبات عميق في الشتاء البارد القاسي وتعود الى الحياة مع قدوم الصيف النابض بالحياة والحركة وضجة الناس الباحثين مثل جلنار عن الحياه.
يمكن الآن مشاهدة جلنار أينما نظرنا في كل مكان فيه حياة وماء وإنسان يرعى ويزرع شجر الرمان القادر على أن يُعمر ما يقارب 50 عاماً وتعطي صاحبها زهرها وثمرها بسخاء، مقابل أن يعطيها الإحساس بأنها كائن حي بحاجة الى العناية والاهتمام كما هو الإنسان.
وعدا عن ذلك فقد جاء في كتب الطب القديم أن ابن البيطار كتب يقول في مدى فائدة زهر الرمان جلنار في علاج بعض الأمراض إذ أكد بأن “ازهار الرمان تشد اللثة وتلزق الجراحات، والتمضمض بطبيخ الازهار يقطع نزيف اللثة الدامية والاسنان المتحركة” وهذا ما أثبته الطب الحديث حيث يشار الى ان “مغلي ازهار الرمان مفيد جداً لعلاج امراض اللثة وخلخلة الاسنان”.
وكلما اتجهنا شمالاً في الأردن نجد أن تلك المناطق تمتاز بزراعة الرمان بشكل كبير وخصوصا في مناطق وادي السلط وجرش وإربد التي ما أن تبدأ “جلنار ” بالتحول الى ثمر الرمان مكتسبة ألوانها الصافية، حتى يبدأ مزارعو الرمان بعرضها للبيع على الطرقات، فما أكثرهم تراهم يدعونك لتبتاع قليلاً من الرمان وأنت في طريقك من وإلى إربد. غير أن شجرة الرمان لا تعتبر حكراً على مناطق الشمال فهي قادرة على التأقلم والعيش أينما وجدت بيئة مناسبة ولن تُرهِقكَ بحاجتها الى العناية الشديدة، لأنها كما يؤكد زارعوها “قادرة على النمو في العديد من الأجواء المتقلبة وتتحمل الظروف القاسية “.
ويغني الفنان السوري الملتزم بهموم الناس وقضايا الوطن سميح شقير لزهر الرمان “يا زهر الرمان آن أوانك آن/ تتفتح ع مجدل شمس/ وتصبح على الجولان”.
فيا أيها الساري في قلب عنت الحياة: امنح نفسك فرصة التمتع بالنظر الى جلنار الذي اوشك على قول الى اللقاء، ليعود مرة اخرى للحياة، في متوالية الايام والفصول والاعوام.