أعاقتها الإصابة بوعكة صحية عن مواصلة احترافها التصوير، لكنها لاتزال تحتفظ بصور التقطتها، وقامت بـ«تحميضها» بنفسها، قبل نحو ستة عقود، تحتفي هذه الأيام بانقضائها جميعاً بصحبة إبداع الصورة الفوتوغرافية، فتلك الأعمال لا تفارق شيخة مبارك السويدي، أو «شيخة المصورات»، كما اصطلح على تسميتها، في معرضها الشخصي الذي يتنقل بين دفتيها حيثما حلت، دون ان يفارق مخيلتها الخصبة، عندما تروي تفاصيله المخضرمة التي تُعد أول إماراتية أقدمت على هواية التصوير.
شيخة التي تتنوع مواهبها وتتعدد لتشمل الشعر والرسم والقص، لاتزال تتمتع بذات خفة الظل، التي تنبئ عنها صورها الأولى، سواء تلك التي التقطتها لنفسها واسرتها بطريقة استخدام المؤقت، أو تلك التي تحوي أسراراً موثقة عن سحر الماضي وأسراره، سواء تعلق الأمر بالفرجان الشعبية، أو البيئة البحرية التي تعد أحد المعالم الرئيسة للمجتمع المحلي، فيما نجحت الفنانة المخضرمة في مد جسور وثيقة بين عدد من الفنون البصرية، أبرزها التشكيل إلى جانب التصوير، وبعض أبنائها وأحفادها الذين لايزالون يستفيدون من خبرتها، لكن وفقا لتقنيات ومذاهب عصرية.
ولاتزال شيخة السويدي تفخر بأعمالها الأولى، وبلغة واثقة لا يعوزها الفخر تستعرض لزائرها بعض أعمالها الأولى التي التقطتها في خمسينات القرن الماضي، مستعيدة ملابسات شظف العيش حينها، وضيق يد لم تمكنها من تحقيق حلم اقتناء كاميرا بسهولة، لاسيما في كنف أسرة فقدت عائلها الوحيد، واضحت بعدها الطفلة ذات السنوات التسع حينها تسعى للمواءمة بين تدبير القوت اليومي، وتلبية شغفها بالصور.
إعادة اكتشاف
صور ناطقة
إحدى المسلمات الرئيسة التي تؤمن بها شيخة السويدي أن الصورة ذات المقاييس الفنية لا يمكن إلا أن تكون نابضة بالحياة، مضيفة «المتعمق في الصورة الفنية سيتمكن حتماً من قراءتها، فهي تؤشر بكل وضوح إلى الزمان، كما تؤشر ايضاً إلى المكان، بينما الحالة النفسية لعناصر الصورة، سواء كانت بشراً أو طبيعة، تبقى جلية ايضاً إذا راعى المصور الشروط الصحيحة لالتقاط الصورة». ورغم توقفها عن ممارسة التصوير، بسبب حالتها المرضية، إلا أنها لم تتوقف عن التعاطي معه فنا، ليس فقط من خلال الإبحار في معرضها الشخصي عكس اتجاه الزمن، ووقوفاً في مفترقات عقود ستة ماضية، بل أيضاً مسايرة للحاضر، إذ تقول: «أستمتع كثيراً بإبداعات بعض أبنائي وأحفادي، وأبدي رأيي فيها بصراحة تامة، وكثيراً ما يستجيبون لنصائحي». وأضافت «إحدى بناتي تبدي اهتماماً أكثر بالتشكيل، وتم تكريمها من قبل مؤسسة العويس الثقافية في هذا الإطار، لكن عدداً من أحفادي يرون في التصوير الضوئي عالمهم الإبداعي، لكن من دون شك فإن الاهتمام الرسمي بفن التصوير الضوئي ممثلاً في تدشين عدد من الجوائز المهمة سيسهم في مزيد من الازدهار لهذا الفن. |
«الإمارات اليوم» التقت السويدي التي كانت تتوقع أن أعمالها قد طواها النسيان، وأن الصورة التقليدية ذات الأبيض والأسود، قد ولى زمنها، قبل أن تجد ذاتها مدعوة لدى إحدى أهم المؤسسات التي تعنى بفن التصوير الضوئي، وهي دار ابن الهيثم، ما جعلها تعتبر أنها مدينة لتلك المؤسسة بما اعتبرته إعادة اكتشافها، في الوقت الذي ردت فيه اكتشاف موهبتها الحقيقية لأحد جيرانها الذي مازالت عرفاناً لجميله تتذكر اسمه بالكامل، وهو خليل ملا قمبر، إذ أوصلها بأحد أصحاب محال التصوير والرسم يدعى جورج جايمان.
«محظوظون جداً مصورو العصر الحديث، وكل من سيجيء بعدهم سيكون أوفر منهم حظاً»، تعليق للسويدي يعكس تقديرها لأهمية التقنية الحديثة في منح صور أكثر دقة، وتوفير الكثير من الجهد والوقت اللازمين للمصور، مضيفة «اطلعت على كثير من الكاميرات العصرية المتطورة، فهي من دون شك جميعها ذات مواصفات فائقة الجودة، لكنني رغم ذلك أكثر عشقاً لكاميرتي التقليدية، لأنها تتيح لي صوراً تكون ثمرة لخبرات تتراكم يوماً بعد يوم، وعليك من خلالها أن توظف كل التفاصيل الدقيقة بعناية شديدة، بدءاً من الضوء الطبيعي، مروراً بالخلفيات والظلال وموضع الكاميرا، وتوقيت التقاط الصورة، وغيرها من العوامل التي تصبح المواءمة بينها في حد ذاته فناً يحتاج إلى موهبة وممارسة في الوقت ذاته».
النشأة في فريج المرر في منطقة ديرة، في الأربعينات من القرن الماضي، ثم الانتقال إلى بر دبي في سن مبكرة أيضاً أتاح لشيخة الاطلاع على رؤية بصرية متعددة. المرحلة الأكثر أهمية في تعلقها بعالم الصورة كانت عند بلوغها سن الـ،15 واطلاعها على الصحف التي كانت تفد من الدول الشقيقة إلى الدولة، «كنت أنبهر بشكل كبير بتلك الصور، وأحاول تقليدها من خلال مجموعة من الألوان التي قمت بشرائها كي ألبي هذه الهواية، وكنت احظى بتشجيع كبير من أحد جيراني، وهو خليل ملال قمبر، الذي سعى إلى مساعدتي وتشجيعي، لدرجة أنه قام بعرضها على جورج جايمان الذي أبدى إعجاباً استثنائياً بها، وطلب مني أن اعمل معه في مجال رسم الصور في محله الخاص، ما جعلني أكتسب مهارات أكبر في التعامل مع الصورة».
وأضافت «كل هذه الخطوات لم تكن في النهاية تلبي طموحي في الحصول على صور شبيهة بتلك التي أطالعها في الجرائد، إلى أن تعرفت إلى الكاميرا أول مرة من خلال أحد الأشخاص الذين كانوا يعملون معي في محل الصور، وكان يسمح لي باستعارتها لبعض الوقت، فكانت أولى الصور التي التقطها لبعض الأجانب من الانجليز الذين كانوا يعيشون قريباً منا، وكان هذا الأمر على سبيل التدريب، فكانوا هم يستأنسون بالتقاطي لهم بعض الصور، في الوقت الذي كنت اقوم فيه بذلك بتدريب ذاتي لنفسي على كيفية التقاط أفضل الصور».
مسيرة
عن بدايات مسيرتها مع عالم التصوير تابعت شيخة «بعد ذلك اصبحت أكثر جرأة في التعامل مع الكاميرا، فكنت أذهب في مختلف المناسبات لالتقاط صور صديقاتي واقراني، وبعد ذلك بدأت أتدرب على التقاط صور ذاتية لنفسي ومع زوجي من خلال معرفة استخدام المؤقت، بحيث تتمكن الكاميرا من التقاط الصور بعد فترة زمنية وجيزة من ضبطها، وكانت المرحلة الأهم في هذه المرحلة هي تحولي إلى التقاط صور لأهل الفريج في أوقات مختارة من اليوم».
التحول الأكثر حرفية بالنسبة لها تمثل في حصولها على كاميراتها الخاصة أول مرة وهي في سن الـ17 «حدث وساعدني أحد المقربين للأسرة ويدعى محمد الشريف بالمال من أجل شراء الكاميرا، بعد أن لمس شغفي الشديد بالتصوير، في ظل عدم تمكني من شراء كاميرا نظراً لارتفاع ثمنها بشكل كبير في ذلك التوقيت».
وكأن التاريخ يسعى لتنشئة أول مصورة إماراتية فوتوغرافية، إذ قُدر لشيخة أن تخرج في أول رحلة لها خارج ربوع الوطن، بعد أن حصلت مباشرة على كاميرتها الخاصة، مضيفة «كانت رحلة بغرض الاستشفاء في الهند، وأبحرنا في مركب تقليدي يدعى سردانة، وكان ذلك في منتصف الخمسينات تقريباً، لكنني كنت أعتبر تلك الرحلة بمثابة فرصة لتوثيق المشاهدات، وهو أمر كان مثار استغراب جميع من حولي بمن فيهم الأطباء والممرضات».
لا شيء بالنسبة لشيخة المصورات في مجال التصوير خاضع للمصادفة، وليس هناك صور فوتوغرافية يمكن أن تلتقط، دون ان تحتوي على مدلول محدد، لذلك فإن الجدة التي تبلغ من العمر 76 عاماً، قادرة على سرد ملابسات كل صورة ضمن معرضها الشخصي بشكل محدد، ليس فقط في ما يرتبط بالصور الخاصة، بل أيضاً الصور التي تشكل لوحات عامة للفريج والأحياء المجاورة، ومشاهدات السفر، وتلك التي تخص أشخاصاً آخرين.