الروائي المصري قال إن المقهى لم يكن في زمنه مجرد مكانٍ للثرثرة وتمضية وقت الفراغ، بل كان لتطوير أدواته وتكثيف معرفته.
نعمة عز الدين – إرم نيوز
وقال الكفراوي: “هذه الصورة التقطها لنا زين، ابن صديقي الراحل خيري شلبي، وكنا في معرض الكتاب، لكي نوقع على أعمال صادرة لنا عن دار الشروق، فقد كان لي المجموعة القصصية (شفق ورجل عجوز وصبي) وكان لخيري رواية (نسف الأدمغة) ولإبراهيم كتاب (شيء من هذا القبيل) وكنا في مكان بعيد عن دار الشروق، فاقترح علينا أحد الصحفيين أن نركب الطفطف، وكانت لحظات مبهجة، ضحكنا كثيرًا، وهي لحظة إنسانية تجمعنا وتشكل عنوانًا دالًا لما كانت عليه علاقتنا، فهذا الجيل الذي نمثله أنا وخيري وأصلان كان يمضي أوقات فراغه على المقاهي الثقافية، نتبادل الأفكار والأحلام منذ ستينيات القرن الماضي، وحتى رحيل هؤلاء الأحباب”.
يصمت قليلًا وكأنه تذكر شيئًا، ثم يسترسل قائلًا: “بدأنا جلساتنا الحميمية في مقهى (فينكس) بشارع عماد الدين، واجتمعنا حول مجلة (جاليري 68) مع إصدارها الأول على مقهى (ريش) في حضرة الكاتب الكبير نجيب محفوظ، حيث تم جمع تبرعات من الجميع، وقام عدد من الفنانين التشكيليين من أصدقائنا، بإقامة معرض للوحاتهم يخصّص ريعه لطباعة العدد الأول من المجلة، ولقد اشترى كاتبنا الكبير نجيب محفوظ، لوحة للفنان حسن سليمان، بمبلغ 50 جنيهًا، وأعطاها لنا، وبهذا المبلغ أصدرنا العدد الأول من مجلة (جاليري 68)”.
وأضاف: “المقهى لم يكن في جيلنا مكانًا للثرثرة وتمضية وقت الفراغ، بل كان مكانًا لتطوير أدواتنا ولتكثيف معارفنا، وكان المقهى جامعة تخرج فيها جيل الستينيات، والذي من بينهم أنا وخيري وأصلان”.
وعن علاقته الخاصة بالكاتبين إبراهيم أصلان وخيري شلبي، يقول: “تعرّفت على خيري شلبي في أوائل الستينيات، عندما جئت من القرية على سلم الإذاعة المصرية، فقد كنت ذاهبًا لأسجل مع الكاتب الكبير بهاء طاهر، في البرنامج الثاني عن تجربتي في الكتابة، وأذكر يومها سألني خيري (من أهم كاتب عبّر عن القرية؟) فجاوبته بكبرياء وغرور (أنا أهم كاتب)، فتركني ومضى دون أن يعلق على ما قلت، ليتحول غضبه مني إلى صداقة ومحبة، امتدت حتى رحيله”.
وأردف الكفراوي: “أما إبراهيم أصلان، فقد كان معروفًا لدينا نحن كتاب مدينة المحلة (محمد المنسي قنديل وجار النبي الحلو والدكتور جابر عصفور)، وكنا نشترك في حلم تغيير العالم والانتماء الكلي وجدانيًا ونفسيًا مع طموحات الشعب المصري في تلك المرحلة التاريخية من عمره، وكانت المنافسة على إبداع نصوص في الحداثة، تشكل وثبة مضادة تجاه القديم والثابت، حيث كان جيلنا يرى أن الكتابة قبلهم استنفذت أغراضها، باستثناء كتابات عمنا نجيب محفوظ، ويحيى حقي ويوسف إدريس”.
وابتسم الكاتب الكبير، حينما سألته عن حلم الثراء، وهل كان يتمنى الغنى هو وإبراهيم أصلان وخيري شلبي، وغيرهم من أبناء هذا الجيل؟ فرد قائلًا: “كانت مصر على أيامنا هادئة النفس، الجميع من أبناء الشعب يشتركون في ممارسة الحياة بالقليل من الرزق، وكانت مكافأة نشر قصة في الملحق الأدبي لجريدة المساء، مئة وستين قرشًا، وقراءة قصة بصوت المؤلف في البرنامج الثاني في الإذاعة المصرية اربعمئة وثلاثين قرشًا، لم تكن الثروة حلم ذاك الجيل، فقد كان هدفهم في الحياة الكتابة المختلفة، وكان السائد في تلك الفترة كتابة القصة القصيرة، عدا ثلاث روايات صدرت، الأولى لعبدالحكيم قاسم (أيام الإنسان السبعة) ورواية (تلك الرائحة) للكاتب الكبير صنع الله إبراهيم، ورواية (الحداد) للروائي الكبير يوسف القعيد، والكل بعد ذلك يكتب القصة القصيرة ليدافع بها عن أهوال الحياة والموت”.
وبنبرة ممزوجة بالشجن، قال سعيد الكفراوي: “إبراهيم أصلان رفيق عمر، وجاورني في السكن في المقطم، في العشر سنوات الأخيرة من عمره، وكنا نجلس سويًا، ومعنا خيري شلبي، نتسامر بالساعات، أحكي أنا عن الفلاحين وخيري عن المهمشين الموجودين في قاع المدينة وإبراهيم عن منطقة وسط البلد وإمبابة”.
وتابع: “لن تصدقي إذا قلت لكِ أنني في أوقات كثيرة أرتدي ملابسي وأخرج بكامل وعيي، لكي أذهب إلى مقهى البستان، على يقين أن لدي موعدا مع إبراهيم وخيري، وأمام باب المقهى أتذكر أنهما رحلا عن الدنيا وعني، فأرجع مرة أخرى إلى بيتي، حدث هذا معي ثلاث مرات”.