تستضيف قاعة عرض التصوير الفوتوغرافي في الجامعة الأميركية في القاهرة معرضاً تحت عنوان «أندروود وأندروود، صور ثلاثية الأبعاد عن مصر». وينظم المعرض بالتعاون مع مكتبة الكتب النادرة والمجموعات الخاصة بالجامعة الأميركية في القاهرة. ويضم مجموعات من المكتبة، تتضمن وثائق خاصة بالثقافة المصرية في القرن التاسع عشر وتاريخ السفر في منطقة الشرق الأوسط.
وعرضت الأعمال باستخدام تقنية stereoview، والتي تعد واحدة من العديد من التقنيات التي يتم استخدامها لخلق وهم ثلاثي الأبعاد من الصور الثنائية الأبعاد عندما ينظر اليها باستخدام الأدوات الخاصة التي تستخدم لرؤية الصور في شكل مجسم. تشمل الوثائق صوراً لأشخاص على ضفاف نهر النيل، القاهرة، ومدن قناة السويس والصحارى المصرية. ويقدم المعرض تجربة تفاعلية للمشاهدين وفرصة لرؤية هذه الصور التاريخية مجسمة من خلال استخدام النظارات الخاصة ذات اللونين الأحمر والأزرق.
يعطي معرض «أندروود وأندروود» لمحة عن الحياة في مصر في أواخر القرن التاسع عشر، فبعيداً من النظرة الاستشراقية التي ميزت معظم الأعمال الفنية التي تعود الى فنانين غربيين – سواء زاروا الشرق أو لم يزوروه مطلقاً – والتي نزعت إلى اجترار الصورة النمطية الشائعة في أوروبا عن الحياة في الشرق، استطاعت الفوتوغرافيا أن تنقل لنا صورة أكثر وضوحاً وتعبيراً عن شكل الحياة وطبيعتها خلال النصف الأخير من القرن التاسع عشر.
معظم الصور الفوتوغرافية التي يضمها المعرض، تعود إلى العقد الأخير من القرن التاسع عشر، في ذلك الوقت كان قد بدأ الوعي يتنامى بأهمية هذه التقنية الناشئة، وراح المصورون الغربيون يبحثون عن آفاق جديدة أكثر اختلافاً عما اعتاد الناس على مشاهدته في الغرب. فتوافد كثير منهم إلى الشرق باحثين عن هذا الاختلاف. ترصد لنا العديد من الصور التي تعود إلى فترات مبكرة من بداية الظهور والانتشار الفعلي للفوتوغرافيا الكثير من التركيبة المعمارية والاجتماعية التي كانت سائدة في تلك الفترة، فتأمل هيئة الأشخاص على سبيل المثال يمكن أن تعطينا لمحة عامة عن طريقة الملبس، أو شكل الصياغات المعمارية والجمالية ووسائل الانتقال، وطرق نقل البضائع، وغيرها من التفاصيل الأخرى.
من بين هذه الصور التي يضمها معرض التصوير الفوتوغرافي في الجامعة الأميركية، على سبيل المثال، صورة لشارع مزدحم بالناس في قلب القاهرة (هكذا كتب على جانب الصورة)، وهو الازدحام ذاته الذي يمكن أن تواجهه في الوقت الحاضر في شوارع القاهرة، أو في أي مدينة ذات كثافة سكانية مرتفعة. غير أن التفاصيل هنا تختلف عن صورة القاهرة التي نعرفها. ما يزيد على المئة سنة، تغيرت خلالها طريقة الملبس وشكل الشوارع والبيوت. في الصورة تتخذ الكاميرا مكاناً مرتفعاً، ويبدو أن المصور قد حاول بكل جهده اخفاء نفسه وما يحمله من أدوات تصوير. لا بد أنها كانت ملفتة للانتباه وقتها، إذ لم يلتفت إليه غير نفير قليل من المارة (رجل أو اثنان على الأكثر). لدى تأمل الناس المتواجدين داخل «الكادر» من النادر ملاحظة واحد بغير العمامة البيضاء فوق رأسه، وغالبيتهم يرتدون الجلباب بمفرده أو من فوقه العباءة، فيما النساء المتواجدات في المشهد يرتدين العباءة السوداء واليشمك الأبيض، وهو إحدى السمات التي ميزت أزياء النساء في مصر حتى بداية القرن العشرين.
صورة ثانية التقطت وفق ما جاء في التعريف المصاحب لها بالقرب من مقابر «الخليفة»، نستطيع أن نتبين ذلك من خلال القبة البادية في الخلفية، والتي تتطابق على ما يبدو من الصورة مع قبة مسجد الإمام الشافعي، وهو أحد أهم المعالم الأثرية في حي الخليفة الشهير في شرق القاهرة.
الصورة لسيدتين يستقلان ما كان يعرف بـ «التختروان» وهو وسيلة نقل كان يستخدمها الميسورون من الناس، وتتكون من هودج محمول بين جملين. في المشهد أربعة أشخاص: الرجل الذي يقود الهودج، وآخر في الخلفية (لا يظهر منه سوى النصف السفلي)، وصبي يتابع المشهد من بعيد، في الصورة تنظر السيدتان إلى عدسة الكاميرا وهن مبتسمات. واحدة من السيدتين ترتدي اليشمك، والأخرى قد تحررت منه على ما يبدو لالتقاط الصورة.
صورة ثالثة للشيخ السادات عميد الأشراف في مصر، وفق ما جاء في التعريف المصاحب للصورة. الصورة هنا تبدو صورة شخصية بامتياز، وتختلف عن بقية الصور الأخرى التي التقطت في أماكن مفتوحة، فالرجل ينظر إلى الكاميرا متهيئاً لالتقاط الصورة، وعارفاً بما هو مقدم عليه.
يبدو من المشهد أن هذه الصورة التقطت داخل أحد البيوت، أو خارج أحد الأحواش الملحقة بمكان ما. تحتوي الصورة على أشخاص آخرين، أو بالأحرى شخصين اثنين فقط (طفل صغير، ورجل على رأسه طربوش) يتابعان ما يحدث مختلسين النظر إلى الكاميرا.
معرض التصوير الفوتوغرافي «أندروود وأندروود، صور ثلاثية الأبعاد عن مصر» يقدم لنا لمحة من تاريخ مصر، ويعرض جانباً قيماً من أرشيف الصور الفوتوغرافية للجامعة، والذي نأمل بأن تتم إتاحة المزيد منه للعرض والاطلاع مستقبلاً.
فالصورة الفوتوغرافية تعد أرشيفاً معلوماتياً غاية في الأهمية، تختصر الكثير من التفاصيل، وهي لا تمثل كياناً غامضاً، قد تطغى فيه وجهة نظر المصور على السياق، بل تحتفظ بهذا السياق وتنقله إلى آخرين يعيشون في نطاق زمني مغاير، وقد يعيد هؤلاء تفسير ما توارى بين هذه التفاصيل والظلال.