لقب هنري كارتييه ـ بريسون أشهر المصورين الفوتوغرافيين الفرنسيين وأكثرهم إبداعا على مستوى العالم بفنان اللحظة الحاسمة، إذ شغلت صورُه بالأبيض والأسود خيال أجيال من المصورين الفوتوغرافيين وهيمن تأثيرها على كل منهم بطريقة أو بأخرى.
من خلال معرض أقيم في شهر مارس في فندق قصر الإمارات في أبوظبي تحت عنوان «الأوروبيون 1929-1991»، تعرف الناس عبر 160 صورة فوتوغرافية إبداعية بالأبيض والأسود وتدرجات الرمادي، على أوروبا في تلك المرحلة حينما كانت تنفض عن تاريخها غبار الحرب العالمية الثانية، باتجاه مراحل تطور جديدة، رصدها الفنان على مدار ستة عقود.ولم تقتصر الصور على الوضع السياسي العام وما فرزته المرحلة من زعماء سياسيين مثل الزعيم الروسي «لينين»، بل اهتم بأدق تفاصيل الحياة، كصيادين، وأطفال يلعبون في الأزقة، في أجواء العمارة الأوربية آنذاك، كما رصد كارتييه الغابات بأشجارها العارية التي يغطيها الثلج، وخيول تركض بلا هوادة، ومشاهد أخرى التقطتها عدسة كارتييه بريسون في أكثر الأماكن حيوية في مدن أوروبا وأريافها، معبرا بذلك عن أفراح الإنسان وتجاربه ومعاناته.
مشاهد أعماله لا تبدو مألوفة في هذا الزمن، وبذا يحسب للكاميرا توثيق تاريخ مراحل من الماضي بمصداقية، خاصة مع بدايات اكتشافها، أي قبل ظهور الكثير من المؤثرات التقنية التي تتحكم بالشكل وألوان الصورة. تصوير الشارع باستمرار يرجع المصورون الفوتوغرافيون إلى عراب التصوير الصحفي كارتييه- بريسون، الخبير باصطياد «اللحظة الحاسمة» ليتعلموا منه قبل بدء رحلاتهم الفوتوغرافية. إذ كان كارتييه-بريسون من أوائل المصورين الفوتوغرافيين الذين طوروا أسلوب «تصوير الشارع» المتبع حينها من قبل حشود من المصورين الفوتوغرافيين. وتجلت أهمية أسلوب هنري كارتييه-بريسون مجددا، من خلال اختيار مسابقة الإمارات الدولية للتصوير الفوتوغرافي لأن يكون محور موضوعها الرئيسي الذي صيغت منه دورة 2009 التي عقدت في شهر فبراير.
وذلك تعبيرا عن التقدير الكبير لهنري كارتييه-بريسون، مع تشجيع المتنافسين على تقديم مشاركات تعكس الروح الفوتوغرافية التي تسري في صوره. علما أن هذه المسابقة السنوية تجتذب مشاركين على مستوى المنطقة والعالم. وقد تم تنظيم هذا المعرض بين هيئة أبوظبي للثقافة والتراث.جدير بالذكر أن «مؤسسة هنري كارتييه-بريسون» تشكلت في 2003 للمحافظة على إرث كارتييه بريسون وضمان استمراريته للأجيال القادمة، أما «وكالة ماغنوم للصور» التي أسسها كارتيه-بريسون مع زملائه من المصورين الفوتوغرافيين روبرت كابا، وجورج رودجر، وديفيد سيمور في 1947، فتتعاون مع المؤسسة لتنظيم معارض خاصة بأعماله الفوتوغرافية، وأول معرض أقيم له في «البيت الأوروبي للتصوير الفوتوغرافي» بباريس. كما عُرض في غاليري هيوورد بلندن عام 1998 احتفالاً بالذكرى ال90 لميلاد كارتييه-بريسون.
سيرة فنان
طور هنري كارتييه-بريسون «1908 ـ 2004» المولود في شانتيلوب بمقاطعة السين، سحرا قويا عبر رسوماته المبكرة، لاسيما السريالية منها. وبعد أن أمضى عاماً في ساحل العاج، اكتشف عام 1932 كاميرا «لايكا» التي اختارها فيما بعد ليلتقط بها صوره وأقام العام 1933، معرضه الفني الأول في صالة جوليان ليفي بنيويورك.
وفي مرحلة متقدمة صنع أفلاما مع جان رينوار. ونجح عام 1943 في محاولته الثالثة للهروب من السجن بعد احتجازه كأسير حرب عام 1940، وانضم إلى جماعة سرية تعمل على مساعدة الأسرى والفارين. وفي عام 1945 قام بتصوير عملية تحرير باريس مع مجموعة من الصحفيين المحترفين ثم حول ذلك إلى فيلم وثائقي بعنوان «العودة».
بعد ثلاثة أعوام أمضاها في رحلات عبر الشرق، عاد عام 1952 إلى أوروبا وأصدر كتابه الأول «صور على عجل» واختار لنسخته بالانجليزية عنوان «اللحظة الحاسمة»، وشرح فيه منهجه في التصوير الفوتوغرافي. وقدم للكتاب بهذه الكلمات المختصرة: «تمثل الكاميرا بالنسبة لي دفتر رسم، أداة حدس عفوية، سيدة اللحظة الفورية التي هي ـ بالمعنى البصري ـ تسأل وتقرر في آن معا. وبمعنى مكثف: حضور الصورة عند بساطة التعبير».
بدأ بتقليص نشاطاته الفوتوغرافي في عام 1968، مفضلا التركيز على الرسم والتشكيل. ليؤسس مع زوجته وابنته «مؤسسة هنري كارتييه-بريسون» في 2003، في باريس. وتلقى كارتييه-بريسون عددا استثنائيا من الجوائز والألقاب وشهادات الدكتوراه الفخرية. ورحل عن الحياة داخل بيته في بروفينس يوم 3 أغسطس 2004، قبل أسابيع قليلة من ذكرى ميلاده ال96.
سيدة اللحظة
لخص المصور الفرنسي فلسفته بالتصوير حين قال: «تمثل الكاميرا بالنسبة لي دفتر رسم، أداة حدس وعفوية، سيدة اللحظة الفورية التي هي ـ بالمعنى البصري ـ تسأل وتقرر في آن معا. وبمعنى مكثف: حضور الصورة عند بساطة التعبير».
المصدر: الكتيب.