توارى حتى اعتقد الكثيرون بأنه ينتمي إلى فعل وظيفي يتعلق بمهن بعينها، وليس فناً بصرياً له مريدوه إبداعاً وتذوقاً، في مقابل مساحة أخذت في التعاظم استأثر بها الفن التشكيلي، الذي بدا وكأنه الفن البصري الوحيد القادر على الوصول إلى الجمهور، لكن المتتبع لنشاطات فن التصويـر الضوئـي في الإمارات عموماً، وفي دبي خصوصاً، يلاحظ تغيرات جوهرية على خارطة الفنون البصرية تتعلق بموقعه على «خارطة الفنون»، وهو أمر ترافق مع إطلاق جائزتين شغلت الأولى منها الأوساط الطلابية والشبابية خصوصاً، ومازالت الثانية في حاجة إلى تشكل ملامحها، وهما جائزة سمو الشيخ منصور بن محمد للتصوير الضوئي، وجائزة سمو الشيخ حمدان بن محمد للتصوير الضوئي.
ورش عمل أسبوعية، وندوات في كليات متعددة تتطرق إلى بعض مبادئ واتجاهات فن التصوير الضوئي، وكسب قاعدة وشرائح عدة، ليس هو كل المنجز على نحو قفز بفن التصوير الضوئي لصدارة مشهد الفنون البصرية متجاوزاً في ما يتعلق بشعبية مسابقتيه الرئيسيتين حضور الفن التشكيلي وغيره من الفنون البصرية، على الأقل بالنسبة لجائزة سمو الشيخ منصور بن محمد، التي اقتربت من اختتام دورتها الثانية، حسب عضو لجنة تحكيم الجائزة مدير دار ابن الهيثم للفنون البصرية، د. سعيد الشامسي، لافتاً إلى أن «فن التصوير الضوئي يعود الآن إلى استرداد مكتسبات وممارسات منظومات عدة، أبرزها منظومة التعليم التي اقتصدت كثيراً في الاحتفاء بالفنون، فيما كان التغييب الكامل هو نصيب فن التصوير الضوئي على مدار أكثر من 20 عاماً».
«شيخة» المصورات
حديث لا يمل، وصور ترتقي في فنيات التقاطها لتلك السائدة الآن في ما يتعلق بالظلال والخلفية والحركة، وامرأة شكلت عدستها شاهداً على زمن مضى منذ نحو 60 عاماً، هو محتوى أمسية احتضنتها مساء أول من أمس دار ابن الهيثم للفنون البصرية في منطقة البستكية لشيخة السويدي، أول مصورة إمارتية، حسب تاريخ فن التصوير الضوئي، و(شيخة) المصورات، حسب لقبها الشائع. عودة فن التصوير الضوئي إلى الواجهة بإيعاز من لإطلاق جائزتين مهمتين هما جائزة سمو الشيخ منصور بن محمد للتصوير الضوئي، التي تمحور حول تصوير «الفرجان» الإماراتية، وجائزة سمو الشيخ حمدان بن محمد، التي تجيء في عامها الأول تحت شعار «حب الأرض»، دفع بمستشار التعاون الثقافي الدولي، والمهتم باالحفاظ على التراث غير المادي وفق مبادئ منظمة اليونسكو، عوض علي صالح، بالسعي إلى الحفاظ على ما تبقى من ذاكرة عدسة السويدي سريعاً. السويدي التي أعاقتها إصابتها بجلطة دماغية عن مواصلة احترافها التصوير، ظهرت في الأمسية شاعرة، وقاصة خفيفة الظل، تحوي أسراراً موثقة عن سحر الماضي، نجحت في مد جسور وثيقة بين عدد من الفنون البصرية وبعض أبنائها وأحفادها الذين لايزالون يستفيدون من خبرتها التي راقمتها عقود السنين، ولكن بعدسات ذات تقنيات عصرية هذه المرة. |
وأضاف الشامسي «لا يمكن النظر إلى الحراك الذي استجد على ساحة هذا الفن بمعزل عن جوائز مسابقات التصوير، خصوصاً جائزة سمو الشيخ منصور بن محمد، التي أثمرت جهودها بالفعل بحكم أسبقية إطلاقها، وهو الأمر المتوقع أيضاً بالنسبة لجائزة سمو الشيخ حمدان بن محمد، في الوقت الذي يكتسب فيه هذا الفن بشكل يومي منتمين جدداً إلى رحابه، لاسيما من طلبة الكليات المختلفة الذين يحرصون على حضـور ندوات وورش عمل يتم عقدها بشكل دوري».
وكشف الشامسي عن أن «الجائزة التي تنهي استقبال الصور المرشحة بحلول 15 أبريل الجاري، وتدور حول محور تصوير الفرجان الإمارتية هذا العام، تزخر بثروة جمالية هائلة من الصور، التي قامت بالتقاطها عدسات محترفين وهواة ما بين إماراتيين ومقيمين على أرض الدولة، وفضلاً عن قيمتها الجمالية وما تحمله من ذاتية صاحبها، تحمل أيضاً قيماً توثيقية تتعلق بذاكرة الفرجان الإمارتية والعلاقات الحميمية التي تربط إنسان هذا المكان بها».
زخم استثنائي
مديرة برامج الدورات والورش التدريبية في دار ابن الهيثم للفنون، نادرة بدري، أشارت من جانبها إلى الزخم الاستثنائي الذي اكتسبه فن التصوير الضوئي جرّاء إطلاق الجائزتين، مضيفة: «أصبحت الدار تتلقى بشكل متواتر طلبات هائلة للانضمام إلى عضويتها، والأهم أن هناك حالة من النشاط المتعلق بالتواصل مع فعاليات الدار، التي لم تعد محصورة بتوقيتات إقامتها، بل هناك عدد كبير من المشاركين في جائزة سمو الشيخ منصور بن محمد للتصوير الضوئي، أصبحوا على تواصل دائم معنا، بشأن الحصول على استشارات فنية عقب حضورهم ورشة تدريبية استضافتها الدار لمن يمتلكون أعمالاً مرشحة للجائزة».
وأشارت البدري إلى أن «عدداً كبيراً من الجمهور وأيضاً الهواة تبدلت نظرته إلى فن التصوير، الذي كان مرتبطاً في ما بعد بممارسات حائرة بين التوثيق والترفيه، لكنه اتجه ليسترد جانباً كبيراً من أصالة موقعه فناً بصرياً يستحق مزيـداً من الاهتمام على كل الصعد، خصوصاً في ما يتعلق بإقامة المعارض الفنية، التي تشكل همزة وصل أساسية بين الفنانين ومتذوقي نتاجهم الإبداعي».
حداثة وتراث
الفنانة سومية محمد، التي أصبحت إحدى صورها الفوتوغرافية واحدة من شواهد قدرة المصورات الشباب على المواءمة بين الإخلاص للمشهد التراثي والاستفادة من التقنيات الحديثة في الوقت ذاته، عبر تحفة جمالية تقترب مفرداتها من جماليات التشكيل تشهد اهتماماً ملحوظاً من قبل روّاد دار «ابن الهيثم»، قالت إن «الأوساط الإبداعية في فن التصوير الضوئي مشغولة الآن بتجويد مشاركتها في جائزة سمو الشيخ منصور بن محمد ، نظراً لاقتراب موعد وقف تلقي طلبات الترشيح، في الوقت الذي تثار تساؤلات كثيرة تتعلق بالجائزة الجدية التي أمر بإطلاقها أيضاً سمو الشيخ حمدان بن محمد تحت شعار (حب الأرض)».
وكشفت سومية عن أنها استقرت، أخيراً، على الصورة التي ستشارك بها ضمن جائزة سمو الشيخ منصور بن محمد، لافتة إلى أن هناك الكثيرين من المصورين الهواة والمحترفين سيفاجئون لجان التحكيم بأفكار مبتكرة هذا العام، مستفيدين من حوار المواهب الذي تتيحه الأمسيات والورش التدريبية المتعلقة بفن التصوير.
وبعد ندوات وورش تدريبية أقيمت في مناطق مختلفة منها المنطقة التراثية في الشارقة، ومنطقة البستكية في دبي، وكلية دبي التقنية للطالبات، وجامعة الجزيرة في دبي، واستمراراً لثورة الصورة الضوئية جاءت استضافة دار «ابن الهيثم» بمقرها في البستكية أول من أمس، أمسية ومعرض لأول مصورة إماراتية شيخة السويدي، بمثابة إحدى ثمار ثورة الصورة، وألق فعالياتها، إذ حظي المعرض بحضور متنوّع للحدث الذي جاء بمثابة سرد للسيرة الذاتية للمصورة المبدعة مصحوب باستعراض لأبرز الصور التي التقطت الكثير منها إلى منتصف الخمسينات، وهو الحدث الذي كان جاذباً حتى لسائحين تصادف وجودهم في المكان، وحفزوا على ترجمة وقائع الأمسية فورياً إلى اللغة الإنجليزية.