أحمد دوابشة.. «الوجه البريء» الذي شوهه إرهاب المستوطنين
نابلس- المركز الفلسطيني للإعلام
لم يكن لقاء الطفل أحمد دوابشة الثلاثاء الماضي (22-3) عاديا، فقد جاء بعد ثمانية أشهر غاب خلالها عن محيطه وأطفال قريته دوما جنوب نابلس، منذ أن ارتكب المستوطنون جريمتهم بحرق عائلته.
“سارة” ابنة عمة أحمد التي تقاربه سناً، كانت صاحبة الصورة التي انتشرت بكثافة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأظهرت لهفة أحمد لرؤية من يقربه سناً من أقربائه وأطفال قريته.
أحاط أحمد “سارة” بذراعه، وأخذ يتحسس وجهها الخالي من الحروق على خلافه، وهي الطفلة التي لطالما لعب معها في حديقة منزل جده، وتصف حفصة دوابشة، والدة سارة، اللحظات التي أفاق فيها أحمد من نومه حيث سارع كل الأطفال الصغار لاحتضانه وأخذوا يلعبون معه.
تقول حفصة لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام”: “كان هو بين حينٍ وآخر يغرق في عيونهم، ويلمح أقاربه أسئلةً كثيرة فيها، لِمَ حدث معي هذا أنا فقط؟ لِمَ وجهي لا يشبه وجوههم؟ لِمَ تنظر لي سارة باستغرابٍ لم أعهده؟”.
وتشير حفصة إلى أن ابنتها تسألها دائماً عن سبب تلك الحروق التي تغطي وجه أحمد، ومع أنها تجيبها دائماً عن السؤال، إلا أنها تعيد تكراره عليها مراراً.
جريمة تفضحها الصور
لشهور عديدة، اعتاد الناس على مشهد أحمد يغطي القناع الطبي مساحة كبيرة من جسده، ليخفي تحته هول الجريمة التي ارتكبها المستوطنون بحقه وعائلته، الذي كان هو الناجي الوحيد فيها، ليكون شاهدًا على إرهاب المستوطنين.
وجاءت زيارة أحمد السريعة والأولى له بعد المحرقة إلى مسقط رأسه، لتتيح لعدسات المصورين الكشف عن حجم الجريمة التي اقترفها المستوطنون بحق طفل لم يتجاوز الرابعة من عمره حينها.
تستطرد حفصة: “لقد كان جميلاً أن يعود أحمد إلى بيته بعد غياب طويل، وأن يرى أناساً ألفهم ينظرون له ويودون لو يلمسونه ويلعبون معه كما كان دائماً”.
كان لقاءً مؤثراً شهده منزل الشيخ الضرير “أبو نصر” دوابشة جد أحمد، تقول عنه ابنته حفصة: “لقد بكت عيون أبي الباهتة دموعاً لم نكن نظن أنه كان يملكها، كنا نظنها جفت على ابنه وزوجة ابنه وعلي الصغير”.
أسئلة صعبة
وشاءت إرادة الله أن يصل أحمد إلى دوما نائما مرهقا بعد رحلته إلى إسبانيا التي زار خلالها نادي ريال مدريد، الأمر الذي وفّر على أقاربه عناء الاستجابة له بزيارة منزل عائلته المحترق.
وتقول عمته: “لقد كان ذلك مريحاً بالنسبة لنا، فلم نضطر لإجابته على أسئلةٍ حفظناها، ولن نضطر أن نشرح له أنه لن يعود إلى بيته القديم الذي أصبح كتلةً من الرماد، ولم نلمح العتب في عينيه حين يرى بيته المحترق”.
مريم دوابشة (17 عاماً) الخالة الصغرى لأحمد، والتي رافقته أياماً طويلةً في المستشفى، حيث مكث شهوراً يتلقى العلاج، وآثرت البقاء معه على إكمال فصلها الدراسي، بدت في غاية السعادة بعد أن أتيح لها رؤيته عن قُرب مجددا.
تقول مريم لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام”: “لقد وصل أحمد نائماً إلى البيت وأفاق مستغرباً مما يجري، وغير مصدقٍ أنه في بيت جده أخيراً”.
وتضيف: “كنا نخشى أن يسألنا العودة لمنزله أو رؤية والديه، لكن ضجيج المكان وفرحة الناس به أنساه ذلك، ولو لبرهةٍ من الزمن”.
وتصف مريم كيف أن الأهل والأطفال أخذوا يحتضنون أحمد واحداً تلو الآخر، حتى تمكنوا من أن يشتموا فيه رائحة والده سعد ووالدته رهام وشقيقه الرضيع علي بعد طول غياب.
سنوات علاج طويلة
وبعد الزيارة القصيرة التي لم تدم أكثر من ثلاث ساعات، أمضى نصفها نائما، عاد أحمد لمستشفى “تل هشومير” لاستكمال مراحل علاجه التي يبدو أنها ستستمر طويلا.
ويقول نصر دوابشة، عم أحمد، لمراسل “المركز” إن وضعه الصحي في تحسن مستمر، وهو في المرحلة الثانية من العلاج، وهي مرحلة التأهيل والتي تحتاج إلى فترة 3-4 شهور، وتشمل إجراء عدة عمليات في يده اليمنى ورجله اليسرى.
ويبين أن أحمد سينتقل بعد هذه المرحلة إلى مرحلة التجميل، والتي يتوقع الأطباء أن تستمر ما بين 7-8 سنوات ليعود إلى وضعه الطبيعي.
ويقول دوابشة: “الحمد لله، لا يوجد أي نقص في جسد أحمد، وهناك تشوه في أذنه اليمنى، وسيتم إعادتها لوضعها الطبيعي”.
وتسعى عائلة دوابشة الآن لإخراج أحمد من مستشفيات الاحتلال ليكمل علاجه بالخارج، ويقول عمه: “الواجب الوطني والإنساني يحتم علينا أن نخرجه من المستشفيات الصهيونية، فلا يعقل أن يحرقونا ويعالجونا في نفس الوقت”.
أحمد طفلٌ صغيرٌ بأحلامٍ كبيرةٍ لكنها بسيطة، يحلم باللعب والذهاب إلى الروضة، يطلب باستمرارٍ أن يركب سيارة والده التي لم يتسنَّ لعائلته أن تفرح بها، ولكن حلمه الوحيد الذي ما يلبث يتكرر على لسانه هو رؤية والديه وتمنيه الذهاب إليهم.
المصدر – السبيل –