“قصة يونوسكيه”.. لكل من يجعلون للحياة طعماً
هناك أشخاص يسيرون فى الحياة ينثرون الفرح من حولهم ، و لا تملك عندما تتذكرهم سوى أن تبتسم ..هكذا هو يونوسكيه .
“قصة يونوسكيه “ هو فيلم كوميدى اجتماعى عرض ضمن أسبوع اﻷفلام اليابانية بمركز الإبداع الفنى بدار اﻷوبرا ، و الفيلم مأخوذ عن رواية للكاتب اليابانى “ يوشيدا شوئيتشي “ ، فى إطار حرص مؤسسة اليابان لعرض مجموعة من اﻷفلام الروائية الحديثة التى تعرض فى نوهت ﻷول مرة .
و بطل الفيلم “كنجو كورا” فى دور “يونوسكيه “ يعد من أبرز الممثلين الشباب في اليابان ومن أشهر الأفلام التي ظهر فيها “الغابة النرويجية” المأخوذ عن رواية هاروكي موراكامي بنفس الاسم وفيلم “الأفاعي والأقراط ” وشاركت في بطولته نفس بطلة فيلم قصة يونوسكيه وهي “يوريكو يوشيتاكا” فى دور “شوكو يوسانو “ .
الفيلم يدور حول قصة يونوسكيه شاب بسيط وطيب يبتسم دوما ابتسامة خالية من الهموم ، ينتقل من الريف للدراسة فى جامعة طوكيو ،و يبدأ في تكوين صداقات ، والاندماج في عالمه الجديد.
و يحكي الفيلم قصص نضوج يونوسكيه وأصدقائه وتأثير يونوسكيه عليهم حتى بعد سنوات طويلة من تخرجهم في الجامعة.
و يعتمد الفيلم على تقنية ” الفلاش باك” و ” الفلاش فورورد ” ، فتجد نفسك تتابع قصة يونوسكيه و أصدقائه فى الجامعة ، و إذا بك فى مشهد آخر تنتقل لمستقبل تلك الشخصيات ، و تتعرف إلى أين وصلوا فى الحياة و هم يتذكرون يونوسكيه و كيف أثر فى حياة كل منهم ، و يعتبرون أنفسهم محظوظين ﻷنهم التقوه ، و لكن يظل بطل الفيلم نفسه غائب ، و لا تعرف ما حدث له فى المستقبل .
حتى تفاجأ فى منتصف الفيلم بخبر يذاع فى الراديو يعلن موت يونوسكيه مصور فى الـ 35 من عمره و هو يحاول إنقاذ سيدة من حادثة قطار ، و فى المشهد التالى تجد يونوسكيه فى الجامعة يبتسم كعادته ، فلا تعرف أتحزن ، أم تبتسم لمرأى يونوسكيه ، و هل إعلان موت البطل بهذه الطريقة يخفف من وطأة تأثر المشاهدين ، و يعزيهم برؤية يونوسكيه يبتسم ؟
فى مشهد من المشاهد يظهر يونوسكيه و هو يرقص السامبا فى عرض للجامعة و هو يرتدى زى ” الشمس ” وكأنه رمز لشخصه فى حياة اﻵخرين ، فهو كالشمس التى تشرق على حياة اﻵخرين فتمنحهم البهجة و الدفء .
و عندما يتذكره اﻷصدقاء ، قال أحدهم لرفيقه : أعتقد أننى أكثر حظا منك ﻷنى التقيت يونوسكيه ، و آخر يتذكر هو و زوجته يونوسكيه و يبتسمون ، و هو يحكى لها أنه كان السبب فى زواجهم ، فعندما حملت منه فى الجامعة ، لم يكن يدرى ما يفعل ، و لكن يونوسكيه سانده و نصحه بإلا يترك يدها ، و أن هناك حياة طفل فى خطر و عليه الاعتناء به ، و عندما طلب الصديق من يونوسكيه المساعدة المالية ، وافق فورا ، فقال الصديق : كنت أمزح فقط ، فرد يونوسكيه يقول : أما أنا فلا ، خذ المال ، أنا لا أستخدمه كثيرا على أى حال .
وقعت فتاة غنية ذات شخصية مرحة و بريئة فى حب يونوسكيه ، و هو لم يكن يبالى فى البداية ، و من براءته لم يكن يدرك حتى أنهما يتواعدان ، و كان يظن أنهم يخرجان كاﻷصدقاء ، حتى اعترفت له البطلة أنها تغار عليه ، و فى قصة الحب التى تجمعهم ، نجد مشاهد رومانسية رقيقة تذكرنا بالحب فى الزمن الجميل ” الحب الخجول ” ، فأول مرة يعترف لها يونوسكيه بأنه معجب بها ، تختبأ شوكو وراء الستار من الخجل ، و قبلتهم اﻷولى المرتبكة ، و ضحكهم العفوى ، و براءتهم و هم ينادون بعضهما ﻷول مرة بأسمائهم اﻷولى دون ألقاب .
تسافر شوكو للدراسة فى باريس لمدة أسبوعين ، و لكن فيما يبدو من مشاهد شوكو المستقبلية ، أنها لم تعود مرة أخرى ، فلم يكن يوافق والدها على علاقتها بيونوسكيه ، و ربما كان إرسالها لباريس لإبعادها عنه ، و لكنها ظلت تذكره كحبها اﻷول ، و معه اكتشفت ذاتها و ما تريد أن تفعله فى الحياة .
فعندما كانا على الشاطئ ، وجدوا مجموعة من لاجئين فيتنام يتسللون ﻷراضى اليابان عبر البحر ، و تطاردهم الشرطة ، و حينها رأوا أما تكاد تسقط تحمل طفلة رضيعة ، ركضت شوكو لتساعدها ، و أمسكت الشرطة بيونوسكيه و شوكو و هما يحاولان إنقاذ الطفلة ، و تغير حياتهم منذ هذه اللحظة ، فحينها يدرك الاثنان أنهما لم يكن لهما قيمة أو دورا فى الحياة ، و تختار شوكو فى المستقبل أن تعمل فى أفريقيا و تساعد الناس ، و يونوسكيه مات و هو يحاول إنقاذ سيدة من القطار .
تشعر خلال الفيلم بهذا التفاوت بين مرح الشباب و يأس الكبار ، عندما يقول أحد الكبار ليونوسكيه ” ابتسم ما دمت شابا ” ، و فى حديث يونوسكيه مع خاله الذى يبدو عليه اليأس و الحزن ، حتى يقول له يونوسكيه : “ أمى قلقة بشأنك ، لا تصبح كاتبا ، فالكتاب ينتحرون ! “ .
أما عن وظيفة المصور ، فتكشف قصة حياة يونوسكيه ، كيف بدأ ولعه بالتصوير ، حينما تعرف على جاره المصور ، و حضر معرض له، ووقف مذهولا أمام إحدى الصور ، و حينها بدأ ولعه بالتصوير ، و قام جاره بإعارته الكاميرا ، و كانت أول صورة التقطها لمولودة صديقه ، كما التقط صورة شوكو قبل الرحيل ، ووعدها أنها ستكون أول من ترى صوره اﻷولى .
و قد احتفظ بالصور فى دولابه فى ورقة كانت رسمت عليها شوكو و احتفظ بها ، و عندما توفى ، أرسلتهم أمه لها ، و كان الإهداء مكتوب ” من أجل عيون شوكو ” فللنهاية قام يونوسكيه بحفظ وعده لها .
و ينتهى الفيلم و يونوسكيه ممسك بكاميرته ، ويجرى تحت أشعة الشمس مبتسما كعادته ، و صوت أمه فى الخلفية و هى تبعث برسالة لشوكو ، بعد وفاة يونوسكيه، تشكرها لسؤالها عنها ، و تطمئنها قائلة : “ لا أظن أننى سأبكى للأبد ، لقد مر ثلاثة أشهر على وفاة يونوسكيه ، و كلما أتذكر وجهه ابتسم ، و أشعر أنى كنت أما محظوظة لكون يونوسكيه ابنى و أنى عرفته ” ، و تتابع : “ آتى لزيارتى لنتذكر يونوسكيه سويا و نتلو قصة مضحكة وراء اﻷخرى ” .
هكذا كانت تتذكره أمه ، و هكذا كان يتذكره أصدقائه ، هو يونوسكيه ذو الوقفة الخجولة ، الذى يتحدث دوما وهو يرفع خنصره ، و شخصيته المرحة ، و ابتسامته التى لا تحمل هما ، أمثاله هم من يعطون طعما للحياة و يجعلونها أكثر بهجة .
ففى مشهد موت جدة يونوسكيه ، يقول لقد بكى الكثيرون على رحيلها ، فيا ترى إن مت ماذا سيحدث ، فردت صديقة له قائلة : أظنهم سيتذكرونك و يبتسمون .