الجمالية الفوتوغرافية
خاص لعرب فوتو
صالح الدغاري – السعودية
يقول الشاعر والناقد الفرنسي “بودلير” “لقد اضحت الفوتوغرافيا ملاذاً للفنانين غير المبدعين ، قليلي الموهبة ، الكسولين ، وإذا نجحت في
تحويل الفن عن إحدى وظائفه فإنها ستقضي على عنصر المشاركة الحقيقي لدى المتلقي لتحل محلها سلبية العقل ، أما إذا سُمح لها ان تسمو وتتسامق الى مجال مرواغ ، إلى ثمرة تعبير وإلى كل ما هو نفيس وقيم في اقترابه من الروح الإنسانية ،فحينها يمكن القول الويل والويل لنا”
كان ذلك الهاجس الذي تحدث عنه بودلير في مقال له بعنوان “الجمهور والفوتوغرافيا” والتي نُشر لأول مرة في المجلة الفرنسية عام ١٨٥٩، وقد كان بشكل واضح يعني فيه المرونة والانفتاح ناحية الفن عبر هذه الثورة البصرية الجديدة ، ولكي تكون كشكل لا ينفصل عن أشكال الإبداع التي تحاول خلق كيانات مستقلة لها وحتى لو قُدر لها أن تجلس على عتبة البيت الفني.
لا يمكن اغفال جانب مهم في الأمر, وهو الاحتياج الكبير الذي لا يستغنى عنه العلم في الفوتوغرافيا، اضافة للمُعطيات الثقافية والتغيرات الديموغرافية التي اجتاحت العالم ، والتي أصبح الأمر فيها يتطلب التوثيق وحفظها كتاريخ مصور، والخدمة الكبيرة التي قدمتها الصورة كذلك للناحية السياسية، برغم أن المُتتبع لتلك المرحلة الزمنية من تاريخ الفوتوغرافيا وفيما يخص الحالة الإستشراقية تحديداً، يُدرك أنها لم تعكس حالة الانثروبولوجيا الشرقية كما كانت تماماً ، ربما لأنها كانت تُدار بشكل غير متوازن ، وبقطب آحادي ، احتكر ذلك المُخترع الجديد ردحاً من الزمن، في سبيل تحقيق غايات وأهداف بعينها.
توصيف “بودلير” لا يعني تلك الحالة أعلاه حتماً ، فهو تحدث صراحة عن الفنانين ، ولم يتحدث عن الحرفيين او المهنيين الذي يؤدي اشتغالهم في التصوير لتحقيق هدف خارج النسق الفني تماماً، وإلا كان بإمكانه القول بشكل واضح ودقيق ، أن ما يحدث هو عملية مكنيكية, وفيزيائية ,وكيميائية, لمُخترع صناعي أطفأ بحضوره وتمثيله الشكل بدقة ، بريق ووهج اللوحة التشكيلية، وبإمكانه التعبير ايضاً أن هذا الأمر لا يمت للحالة الفنية التي تستدعي تعبيرية الفنان وعميق تجربته لتنفيذها بشكل مادي، وانتهى الأمر .
وهذا السياق يدعوا للحديث عن إشكالية وحدة الأسلوب بين مجموعة الفنانين الفوتوغرافيين ، وذلك في المحاكاة لمفردات اللغة البصرية ، بنفس المنهجية لعلاقة الدال والمدلول، ولاعيب في ذلك فالفنان هو نتاج مجتمع ، وعقله جزء من ُكل ، وقصدية “بودلير” تتعاطي مع كيفية تَمكنُ الفنان أن يسلك ناحية اخرى من الفهم والتطور مع كل تجربة يخوضها ، لأنه بذلك وبكل بساطة يكتشف أكثرعن عالمه الموازي الشاسع والذى لم يمارسه بشكل كامل .
كانت الكلمات قاسية في طياتها حذر وقلق واضح من فقدان الفن التشكيلي ، الذى أوشك أن يخلع عباءة التكرار ولبس ثوب التمرد ، وأصبح يُمثل أملاً للكلاسيكيين الجُدد الذين ابتعدوا عن تعاليم مُعلميهم, لأنهم خلقوا إلى جانب حالتهم الفنية حالة حسية جديدة و موازيةً تماما للحالة الفنية ، رغم أنها لم تَشذّ بعيداً عن الشكل العقلاني بداية الأمر.
وكان الحرص كل الحرص على أن لا تأخذ الفوتوغرافيا الطابع ذا الجانب الإيضاحي وحسب ، والذى يحد من القدرات الإبداعية التي تحملها بل وأن تأخذ جانبا تشكيلياً له حضوره القوى، وبقراءة الإسهامات النظرية والإبداعية لمن قام بعمل الأسس الجمالية في بداية التصوير الفوتوغرافي لهذا الفن الجديد ما يُثري القارئ الكريم ويوضح له الأمر بشكل ادق ناحية النظرية الجمالية في الفوتوغرافيا.