جوائز الأوسكار: مفاجآت ونتائج متناقضة
جاءت نتائج مسابقة الأوسكار الـ88 التي أعلنتها ليلة الأحد الأكاديمية الأميركية لعلوم وفنون السينما، متناقضة، تعكس أولا فشل نظام تصويت الآلاف من أعضاء الأكاديمية على منح الجوائز، وثانيا تكشف هزال الموسم السينمائي الأميركي السابق الذي رشح عددا ممّن يفترض أن يكون “أفضل أفلامه” للجوائز، التي تحظى عادة باهتمام إعلامي عالمي لا نظير له بالنسبة لأي مسابقة سينمائية في العالم.
رشحت لنيل جائزة أحسن فيلم في مسابقة الأوسكار الـ88 لهذا العام ثمانية أفلام من أجل اتاحة الفرصة لتنافس عدد أكبر بعد أن كان الترشيح يقتصر في الماضي على خمسة أفلام فقط.
هذه الأفلام الثمانية هي: “المريخي” وهو فيلم مغامرات خيالية، و“ماكس المجنون: طريق الغضب” وهو أيضا فيلم مغامرات خيالية، و”الكساد الكبير” وهو عن الأزمة الاقتصادية في أميركا، و“بروكلين” الذي يقدم ميلودراما عن معاناة المهاجرين إلى أميركا في أوائل القرن العشرين، و“غرفة” أو “رووم” وهو ميلودراما عن علاقة أم بابنها خلال فترة احتجاز لهما من قبل رجل مجنون لمدة خمس سنوات، و“العائد” أو “ذا ريفينانت” الذي يمثل دراما هائلة عن كفاح الإنسان وسط بيئة بدائية من أجل النجاة، و“جسر الجواسيس” الذي هو دراما من عصر الحرب الباردة.
وجاء أخيرا “بقعة ضوء” وهو أقل هذه الأفلام من حيث المستوى، لكن موضوعه الذي يدور حول عدد من الأشخاص الذين تعرضوا للاعتداءات الجنسية من جانب قساوسة في الكنيسة الكاثوليكية، يبدو بالنسبة للداخل الأميركي موضوعا شديد الأهمية وذي جاذبية خاصة، خصوصا وأن القضية كانت قد شغلت الرأي العام الأميركي في 2001 و2002، عندما أسفرت جهود فريق من صحافيي صحيفة “بوسطن غلوب” عن كشف وتسليط الأضواء على وقوع عدد كبير من الاعتداءات الجنسية على الأطفال (الذين أصبحوا كبارا) من جانب رجال الكنسية الكاثوليكية في محيط مدينة بوسطون عبر سنوات.
يحتوي فيلم “بقعة ضوء” أو “سبوتلايت” على الكثير من الحقائق التي تتعلق بشخصيات حقيقية، ويصور كيف أدّت جهود الصحيفة وصحافييها إلى معاقبة مرتكبي تلك الأحداث.
ولاشك بالطبع في المستوى الجيد لسيناريو الفيلم الذي كان يستحق جائزة أحسن سيناريو أصلي (غير معدّ عن أصل أدبي)، وهي الجائزة التي حصل عليها بالفعل، لكنه لا يستحق جائزة أحسن فيلم التي كان من الأجدر أن تذهب إلى فيلم “العائد” للمخرج المكسيكي- الأميركي أليخاندرو غونزاليس إيناريتو. ولعل من مفارقات الأوسكار أن ينال المخرج إيناريتو جائزة الأوسكار لأفضل إخراج عن فيلم “العائد” دون الحصول على جائزة أحسن فيلم، فكيف يكون هناك فيلم جيّد دون إخراج جيّد، وألا يعني الإخراج الجيّد الذي يستحق جائزة بالضرورة وجود فيلم جيّد؟
هذه المفارقات تأتي كما ذكرنا، من طبيعة خضوع الجوائز، لا لمناقشات مباشرة بين أعضاء لجنة تحكيم يشاهدون الأفلام معا ويجلسون ويتناقشون معا، بل من خلال اقتراع سري عام مفتوح لأعضاء النقابات السينمائية الملتحقة بالأكاديمية الأميركية، وعددهم أكثر من ستة آلاف عضو.
الجائزة التي جاءت في محلها تماما بالطبع هي حصول الممثل ليوناردو دي كابريو على أحسن ممثل عن دوره في “العائد” الذي بذل فيه جهدا غير مسبوق من قبل بالنسبة لأي ممثل.
وكان دي كابريو قد ترشح للجائزة مرات عدّة من قبل دون أن يحصل عليها، وقد حصل “العائد” أيضا على جائزة مستحقة هي جائزة أحسن تصوير للمصوّر المرموق إيمانويل لوبيزكي.
وذهبت جائزة أحسن ممثلة إلى بري لارسون التي قامت بدور الأم في فيلم “غرفة”، وهو دور مؤثر لكن الرأي الأكثر معقولية كان يرى أن تذهب الجائزة إلى كيت بلانشيت عن فيلم “كارول”، فهي الأفضل والأكثر تميزا في الأداء من الممثلات الخمس اللاتي رشحن لها، والباقيات هن شارلوت رامبلنغ عن “45 عاما”، وجنيفر لورنس عن “جوي- فرح”، وسواريز رونان عن “بروكلين”.
من النتائج السلبية للأوسكار هذا العام أيضا فوز فيلم مغامرات سطحي وتقليدي، هو فيلم “ماكس المجنون: طريق الغضب” بأكبر عدد من الجوائز، ست جوائز وهي: أحسن تصميم ملابس وتصميم فني وماكياج ومونتاج ومونتاج صوت ومكساج صوت، وإن كانت كلها على أي حال في فروع تقنية.
ومن الجوائز المستحقة جائزة أفضل ممثلة ثانوية التي نالتها الممثلة السويدية الرائعة إليسيا فيكاندر عن دورها المؤثر في فيلم “الفتاة الدنماركية”، وكنا قد توقعنا أن يكون لها حظ في جوائز الأوسكار في المقال الذي نشر على هذه الصفحة عن الفيلم عند عرضه في مسابقة مهرجان فينيسيا السينمائي العام الماضي. وقد ذهبت جائزة أحسن ممثل ثانوي إلى البريطاني مارك ريلانس عن دوره المتميز كثيرا في “جسر الجواسيس”.
ومن الجوائز التي كانت متوقعة أيضا، حصول المؤلف الموسيقي الإيطالي الشهير إنيو موريكوني (87 سنة) على جائزة أحسن موسيقى عن فيلم “الأعداء الثمانية” لتارانتينو، وهو الفيلم الذي كان سيء الحظ كثيرا في ترشيحات الأوسكار، فقد حصل على ثلاثة ترشيحات فقط في التصوير والموسيقى وأحسن ممثلة ثانوية جانيت جنيفر لي.
أما جائزة أحسن فيلم تسجيلي طويل فحصل عليها فيلم لقي اهتماما عاطفيا أكثر منه اهتماما بالمستوى الفني هو الفيلم “إيمي”، عن المغنية الراحلة الشهيرة إيمي واينهاوس التي ماتت منتحرة في ظروف تراجيدية، وكان الفيلم الأفضل منه بالتأكيد هو “أرض الكارتل” وهو عمل غير مسبوق على الصعيد التسجيلي.
الترشيحان العربيان في الأوسكار خرجا خاليي الوفاض كما كان متوقعا، فالفيلم الأول “ذيب” للمخرج الأردني ناجي أبونوار لقي منافسة شرسة من جانب الفيلم المجري “ابن شاؤول” أو “سان أوف شول” الذي لا يتميّز فقط بمستواه الفني المرتفع وتجربته البصرية الهائلة، بل أيضا بموضوعه المتعلق بظاهرة الهولوكوست، أي التصفيات النازية لليهود في ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية، وهو موضوع له عادة تأثير كبير على العقل الأميركي، وعلى عقول ومشاعر صناع السينما في الولايات المتحدة والغرب بوجه عام. أما الفيلم القصير “السلام عليك يا مريم” للفلسطيني باسل خليل فقد تغلب عليه الفيلم الأيرلندي “المتهته” (التأتاء)، أي الذي لا يستطيع الكلام بشكل طبيعي.
وبوجه عام يمكن القول إن نتائج الأوسكار عكست هذا العام مستوى الإنتاج السينمائي في هوليوود، مع العلم أنه جرى استبعاد بعض الأفلام التي عرضت في مهرجانات خارجية، ولم تعرض بعد داخل السوق الأميركية مثل الفيلم الرائع “الحقيقة” الذي ربما يكون له شأن في ترشيحات وجوائز العام القادم.