“محمد حاج قاب”… أتنفس من خلال الكاميرا
بين التصوير الضوئي والسياحة
نقلا عن موقع دمشق
سمروعر
شغفه بالاكتشاف وحبه للمغامرة جعلا منه رحالة بين أحضان الطبيعة يوثق معالم وطنه الكبير بصوره التي لا يعدّها لحظات عابرة، إنما يدخل بعدسته إليها الحياة، وينفض عنها غبار النسيان.
مدونة وطن “eSyria” التقت الفنان الرحالة “محمد حاج قاب” في منزله بمنطقة “العقيبة”، بتاريخ 4 شباط 2016، ليتحدث عن بداياته مع الرحلات، فقال: «منذ نعومة أظافري وأنا أفكر في ما وراء الجبال، وما خلف البحار، وبدأت رحلتي مع التجوال عندما كان والدي يصحبنا إلى أطراف “دمشق” ككل الدمشقيين لما يعرف بـ”السيران”، وظل شغف الرحلة والاستكشاف يراودني إلى أن بلغت سن الشباب، حيث قمت بأول رحلة استكشافية بصحبة أحد أقربائي إلى بلدة “حلبون”، ثم انتسبت إلى “الجمعية الجغرافية” وأصبحت أحد أعضاء فريق المغامرين فيها، ومن هنا أصبحت سعادتي في حياة الترحال والتنقل بين جنبات الطبيعة، جلت أنحاء “سورية” بأكملها، والعديد من الدول العربية والأجنبية، وأكثر مكان أحن إليه هو منطقة “الجزيرة”، ففي رحلتي النهرية في نهر “الفرات” بين “الرقة” و”البوكمال” واجهتني صعوبات كثيرة؛ أهمها أن ثقافة الترحال في عالمنا والعالم العربي منبوذة بمجتمعاتنا، علماً أن أشهر الرحالين هم العرب! ومن جهة أخرى “الفيزا” معضلة أي رحالة».
وعن “فرقة جوالة الأرض” يضيف: «بعد عودتي من رحلة “اليمن” التي حملت شعار: “اعرف جغرافية وطنك” أحببت أن أنقل هذه التجربة إلى بلدي، لأن الكثيرين لا يعرفون مكامن الجمال والعراقة في “سورية”، ومن هنا أسست عام 2005 فريق جوالة الأرض الذي حمل نفس شعار رحلة “اليمن”، ومن أهم أهدافها التعرف إلى الأماكن والطبيعة السورية، وزيارة الكتّاب والفنانين والأدباء وغيرهم ممن أثروا حقيبة العلم والثقافة، ومن أهم نشاطاتها المنفذة المسير بكل وديان وجبال “سورية”، والتعريف بالأماكن التي لا يصل إليها عامة الناس،
لقطة بعدسته
واللقاء بمفكري وأدباء كل منطقة على حدة، إضافة إلى تنفيذ معارض فنية تتحدث عن الحضارة “السورية”».
وبما يتعلق بهوايته وشغفه بالتصوير الضوئي، وأهم المعارض التي أقامها، فأضاف: «هي مرآة ما تراه عيناي، وهي الهواية الأقرب إلى قلبي وفكري منذ 20 سنة، ولم تفارقني الكاميرا أبداً في حلي وترحالي، وأعدّها شريكة سفري، وهي عيني الثالثة التي أرى من خلالها العالم، والبدايات كانت بتوثيق الناس والطبيعة والآثار في “سورية” ودول العالم، وأحب تصوير الوجوه التي رسمتها أنامل الزمن، وقد أقمت العديد من المعارض للتصوير الضوئي، أهمها معرضي في “سويسرا” بمستشفى “جنيف” الوطني، ولعائلتي الدور الأكبر بتشجيع هوايتي هذه، في حين كنت أحارب من قبل الكثيرين الذين يدعون أنها هواية البرجوازيين».
وعن الفرق بين التصوير الضوئي والصور الطبوغرافية، أكد: «أجزم أن الصورة الناجحة هي تلك التي يلتقطها القلب والعقل معاً، والصورة هي انعكاس لحالات المجتمع من أفراح وأحزان، أما الصورة الطبوغرافية فلها علاقة برسم الطرق وتخطيط المدن، فمن خلال الطبوغرافيا ترسم لوحات المدن، ومن خلال (الفوتغراف) ترسم مسرات وأفراح وأحزان الشعوب».
أنتجت رحلاته العديدة صوراً توثيقية تدون المناطق والأماكن التي زارها، حيث جعل من هذا المخزون الكبير عملاً احترافياً وفنياً يصنع به فناً يقدمه إلى الناس، يضيف: «كل منا يعلم أهمية التوثيق في حياة وذاكرة الشعوب، ولم أكن أفكر سابقاً أو يخطر ببالي يوماً أن أقوم بصناعة فيلم ما أو قصاصة وثائقية إلا بعد عام 2010، واكتشفت أن
“سورية” أنتجت آلاف العباقرة عبر تاريخها الطويل، ومئات الأشخاص الذين لهم
إحدى لقطاته الفائزة بجائزة عالمية
بصمات بمسيرة الإنسان، تركت كل هذه التساؤلات كلمة واحدة بداخلي جعلتني أقرر أن أدخل عوالم التوثيق للشخصيات السورية التي لم تتجرأ وسائل الإعلام تسليط الضوء عليها».
وعن علاقته بفن الزخرفة يقول: «الزخرفة هي التي تدر عليّ قوت يومي، هي تحوير للطبيعة، وفن من الفنون التي لولاها لما كانت جدران “دمشق” تعج بالجماليات، ولما رسمت حضارة العرب على حجارتها، ومن خلالها رسمت على جدران البيوت فني، وقد حصلت على العديد من الجوائز وشهادات التقدير، لكنني ما زلت أحاول أن أثبت تقديري لذاتي، فهو أهم ما أسعى إليه، وتقدير الآخرين لي هو مرآة ذاتي المعرفية».
برع بمعرض حمل اسم “الكيتش”، وجال به المدن السورية؛ حيث قال عنه: «هي كلمة ألمانية تعني الفن الرديء، ففي نهاية عام 2008 كان لي معرض يحمل نفس الاسم، و”الكيتش” بالعموم يغزو المجتمعات العربية تحت مسميات عدة، إذ أغلب الأوقات ندفع المال مقابل أشياء لا قيمة ولا روح لها، وهو ما يمكن وصفه على أنه حالة من حالات الخداع الإنساني، ولهذه الفكرة أنتجت معرضاً عرض في “دمشق” و”دير الزور” و”السويداء”، وسافرت به إلى “باريس”».
الباحث “زهير ناجي” تحدث عن الصفات التي ميزت شخصية “حاج قاب” بالقول: «هو شاب نشيط له حضوره بين أقرانه، يحب الرحلات والاطلاع والمغامرة، يحب مساعدة الآخرين من دون مقابل، وثق وأخرج عدداً من الأفلام الوثائقية عن حياة شخصيات سورية بارزة ليترك بصمته في هذا المجال الواسع والغني».
وأضاف المصور “عبد القادر شعيب”: «شخص متميز كرحالة، جال أماكن كثيرة من العالم
الباحث زهير ناجي
ووثقها بالصورة، أعماله نوعية لم يتطرق إليها أحد قبله كالطين و”الكيتش”، هادئ بتصويره، ينجز لقطته عن دراسة وليس عن عبث، هو شخص محترف وإنسان علمي يعرف كيف يتعامل مع عدسته، ويجعل الكاميرا ترسم».
يذكر أن “محمد حاج قاب” من مواليد عام 1977، درس الفنون التطبيقية، وعمل لسنوات مدرّساً لمادة الزخرفة بمركز الفنون التطبيقية، ومدرّساً لمادة التصوير بمعهد الثقافة الشعبية، يدير محترفاً بفن الزخرفة، وهو عضو بنادي التصوير السوري، وعضو في الجمعية الجغرافية السورية، وعضو في اتحاد الفنانين التشكيليين الفلسطيني، وأحد مؤسسي اللقاء الدولي للتصوير في “الرقة”.