انحراف مسار التكنولوجيا عن اتجاه الواقع .. ما بعد الإنترنت
الاستثمارات تتدفق على قطاع تكنولوجيا الواقع الافتراضي، فيما يُعد لحظة يُقارنها الأنصار بعصر الكمبيوتر الشخصي المبكر، لكن كيف سيتم استخدام الواقع الافتراضي – وتأثير ذلك في المجتمع – هذا أمر خاضع للنقاش.
كل موظف جديد في “أوكولوس في آر” وهي شركة الواقع الافتراضي المملوكة لـ “فيسبوك”، يُعطَى نسخة من رواية الخيال العلمي لعام 2011 “ريدي بلاير وان” Ready Player One.
في كتاب إيرنست كلاين، الذي يعكف ستيفن سبيلبيرج على إعداده للسينما، يؤدي موت مؤسس شركة التكنولوجيا إلى بحث في جميع أنحاء العالم عن ثروته المُخبأة في عالم أوسيس الافتراضي.
مارك زوكربيرج، الذي باعتباره رئيس شركة فيسبوك دفع ملياري دولار في عام 2014 للاستحواذ على شركة أوكولوس، لكنه لا يزال حيا. من نواح كثيرة أحداث كتاب كلاين كانت وراء تطوير سماعة ريفت للواقع الافتراضي Rift VR التي سيتم إطلاقها الشهر المقبل.
بريندان إيرايب، الرئيس التنفيذي لشركة أوكولوس، قال لـ “فاينانشيال تايمز” العام الماضي “نحن نحب الكتاب. تجب قراءته من قِبل كل الموظفين. نحن جميعاً نريد خلق الواحة، أوسيس”.
أوكولوس ليست شركة التكنولوجيا الوحيدة التي تأخذ الإلهام من الخيال العلمي أثناء استكشافها إمكانات الواقع الافتراضي. ماجيك ليب، الشركة الناشئة في فلوريدا، تطوّر سماعة “واقع مختلط” أكثر جرأة بكثير، وقد ذهبت أبعد من ذلك. بعد فترة وجيزة من جمع أكثر من 500 مليون دولار في عام 2014 من شركة جوجل وغيرها من المستثمرين، عيّنت “ماجيك ليب” نيل ستيفينسون، مؤلف كتاب “سنو كراش”، وهو كتاب آخر ضمن كتب الواقع الافتراضي. الأحداث في كتاب الخيال العلمي الصادر في عام 1992 تجري في كل من العالم المادي، و”فضاء الواقع الافتراضي” – وهو خليفة الإنترنت – وقد ألهم كثيرا من مطوّري الواقع الافتراضي.
بعد تعيينه في منصب كبير المستقبلين في “ماجيك ليب” كتب ستيفنسون “عندما كتبته، كان يبدو كما لو أن تلك التكنولوجيات قريبة. من الناحية العملية، استغرقت وقتاً أطول مما توقّعه أي شخص لجعل هذا النوع من التكنولوجيا جاهزة للاستهلاك”.
وقال “إن أحد مظاهر تكنولوجيا “ماجيك ليب” كان كافياً لإقناعه أخيرا بأن فضاء العالم الافتراضي بات على وشك الوصول”.
يبدو أن وادي السيليكون يوافق، استناداً إلى المبالغ الضخمة من المال الذي يتم إنفاقه من قِبل أمثال شركة أبل، على التمويل والبحث في مجال الواقع الافتراضي وقريبه الأكثر تعقيداً، الواقع المختلط أو المُعزّز، على هذا الوصول الوشيك.
وفي وقت تتباطأ فيه مبيعات جهاز آيفون بعد تسعة أعوام من النمو الهائل، تُراهن معظم شركات التكنولوجيا الكبيرة على أن سماعات الواقع الافتراضي، ستبدأ الانطلاق قريباً. ويتوقّع بعضهم أن مفاهيم الخيال العلمي هذه ستكون بمثابة حقيقة من حقائق الحياة اليومية قبل نهاية العقد الحالي.
كيف ستبدو هذه التكنولوجيا وما الذي تعنيه للمجتمع، فهذا يبقى مثار جدل ساخن. شركتا جوجل وسامسونج تتخيّلان مستقبلا، حيث الهواتف الذكية تبقى في قلب تجربة الواقع الافتراضي. وتسعى “جوجل” إلى إثارة الاهتمام بمنظار “كاردبورد” غير المُكلف الخاص بها، المصنوع فقط من بطاقة، وفيلكرو وزوج من العدسات البلاستيكية، حيث تم دمج الهاتف الذكي.
إذا كان من الممكن مقارنة أجهزة الواقع الافتراضي المذكورة بموقع يوتيوب – وضوح أقل من السينما، لكنه سريع ورخيص – فإن شركة أوكولوس وغيرها من الشركات تهدف إلى شيء يشبه أكثر تجربة آيماكس.
ستكون تكلفة كل من شركات أوكولوس ريفت وإتش تي سي فايف وبلايستيشن في آر من شركة سوني، مئات الدولارات وستتطلب جهاز كمبيوتر أو وحدة تحكم في الألعاب لتشغيل شاشات العرض عالية الوضوح الخاصة بها. النتيجة هي تجربة واقع افتراضي أكثر وضوحاً وواقعية.
السماعات المحمولة، مثل كاردبورد وجير في آر بسعر 99 دولارا من شركة سامسونج، متاحة منذ الآن، في حين إنه سيتم طرح ريفت وفايف وبلاي ستيشن في آر للبيع في الأشهر القليلة المقبلة، الأقل يقيناً هو متى ستصل أجهزة الواقع المختلط، مثل شركات ماجيك ليب وهولولينز من “مايكروسوفت”.
بدلاً من إغلاق العالم الحقيقي واستبداله بشيء رقمي، كما يفعل الواقع الافتراضي، تقوم هذه السماعات ذات الواقع المختلط بتركيب صور يولّدها الكمبيوتر – شركة مايكروسوفت تدعوها الصور المُجسّمة – على العالم الحقيقي.
يقول سكوت نولان، الشريك في شركة فاوندرز فاند، وهي مستثمر مُبكر في شركة أوكولوس “محور الواقع الافتراضي يتعلّق بالانغماس وكونك في مكان آخر، في حين إن محور (الواقع المختلط) يتعلّق بجعل المكان الذي أنت فيه أكثر إثارة للاهتمام أو أفضل بطريقة ما. أنا أعتقد أن كليهما سينموان لفترة طويلة جداً”.
في الفترة التي تسبق بطولة كرة القدم الأمريكية هذا الأسبوع في سان فرانسيسكو، عرضت شركة مايكروسوفت كيف يمكن لمُشجّعي كرة القدم الأمريكية الذين يحملون أجهزة هولولينز رؤية إحصائيات إضافية، تطوف بجانب شاشة التلفزيون وإعادة خلق للملعب على طاولة القهوة.
شركة أبل، أيضاً، تعمل على مشاريع في هذا المجال وكانت في فورة توظيف لمواهب الواقع الافتراضي. يقول أشخاص مُقرّبون من الشركة “إنها تملك نموذجا أوليا لسماعة وتناقش إمكانية إنشاء “نوافذ سحرية” في العالم الرقمي”. تيم كوك، الرئيس التنفذي، لم يقل أي شيء عن المشروع باستثناء التعليق أن الواقع الافتراضي هو “رائع فعلاً”.
قال جيرمي بيلينسون، مدير مختبر التفاعل البشري الافتراضي في جامعة ستانفورد، في مؤتمر هذا الأسبوع “إن شركة أبل لم تأت إلى مختبري منذ 13 عاماً”، لكنها الآن قامت بزيارة “ثلاث مرات في الأشهر الثلاثة الأخيرة”.
حسد أوكولوس
على الرغم من المنافسة المحتملة، إلا أن “ماجيك ليب” تحب استخدام شركة أبل كمقياس. روني أبوفيتز، الذي أسس شركة ماجيك ليب في عام 2011، قال في مقابلة مع “فاينانشيال تايمز” هذا الأسبوع “نحن نُفكّر في هذا باعتباره ولادة وسط جديد، مثل أجهزة كمبيوتر أبل في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات. نحن نفتح حقاً المساحة السطحية للتجربة البشرية مع الحوسبة. نشر نص هو في رأيي ليس التفاعل الطبيعي مع العالم. حيث يجب أن تُطيعك أجهزة الكمبيوتر”.
هناك عدد قليل حتى شاهد سماعة ماجيك ليب. يقول أبوفيتز “إنه سيتم شحنها “قريباً” وقد بدأ التصنيع التجريبي في مصنع سابق لموتورولا في ولاية فلوريدا التي تدعوها الموطن”. يقول بعض الذين جرّبوا النماذج الأولية “إنها تُشبه خوذة مرتبطة بحاسوب عملاق، الأمر الذي قد يستغرق أعواماً لتصغيرها إلى سماعات محمولة”.
أحد المستثمرين الذي قرّر عدم دعم الشركة رفضها باعتبارها “مشروعا علميا” يُغذّيه حسد شركة جوجل لاستحواذ شركة فيسبوك على شركة أوكولوس.
ويُصرّ أبوفيتز على أن الجهاز سيكون “محمولاً وخفيف الوزن”، مع صور تطوف على “نهر حي من التمثيل الخفيف”، وسيكون بسعر رخيص بما يكفي “ليصل إلى الجماهير”.
المستثمرون يستثمرون في رؤيته. هذا الأسبوع، جمعت شركة ماجيك ليب 793.5 مليون دولار من شركتي جوجل وعلي بابا، مجموعة التجارة الإلكترونية الصينية، ما منحها قيمة تبلغ 4.5 مليار دولار – وهو أمر غير مسبوق بالنسبة إلى شركة ناشئة لم تكشف حتى عن منتجها علناً، ناهيك عن البدء في بيعه.
يقول بين وود، محلل التكنولوجيا في شركة الأبحاث، سي سي إس إنسايت “إنه تأييد آخر لحقيقة أننا على أعتاب شيء تحويلي للغاية. والناس يضعون بعض الرهانات الكبيرة جداً على موجة التكنولوجيا هذه”.
فريق الواقع الافتراضي في شركة جوجل ينمو من حيث الحجم والنفوذ على حد سواء داخل الشركة. الرئيس التنفيذي في شركة جوجل، ساندر بيكاي، أخبر محللين هذا الأسبوع، أن شحن خمسة ملايين سماعة كاردبورد، بما في ذلك الترويج في صحيفة نيويورك تايمز، وفيرايزون وستار وورز، هو “مجرد الخطوة الأولى. ما وراء هذه الجهود المُبكّرة، سترون مزيدا منا ومن شركائنا في عام 2016”.
مع عديد من السماعات التي ستدخل السوق هذا العام، قد يكون التحدّي هو معرفة ماذا سيفعل الناس بها. ألعاب الفيديو تُعتبر التطبيق الشعبي الأول، والبعض يختبر إصدارات الواقع الافتراضي لأفلام منها “ذا مارشان”.
وتعتقد شركة فيوتشرسورس للاستشارات أن سوق محتوى الواقع الافتراضي يُمكن أن تصل قيمتها إلى 8.3 مليار دولار في غضون أربعة أعوام.
باستثناء الترفيه، يقول المؤيدون “إن هذه السماعات يُمكن أن تغير وجه مجال التعليم والسفر والعقارات والهندسة المعمارية، ناهيك عن عقد المؤتمرات عن طريق الفيديو وشبكات التواصل الاجتماعي”.
ويشعر بعض المُطّلعين في أوبر بالقلق من أن شركة أوكولوس يُمكن أن يتبيّن يوماً ما أنها تخريبية لأعمالهم من خلال القضاء على الحاجة لتنقل الناس. لماذا نوقف سيارة أجرة بينما نستطيع الانتقال عبر الفضاء على الفور؟
يقول نبيل حياة، شريك في رأس المال المُغامر من شركة سبارك كابيتال، التي تدعم شركة أوكولوس أيضاً “كلما كانت السوق في مثل هذه المرحلة المُبكّرة، يجب أن تكون لديك قناعات قوية موجودة بشكل حر. فنحن لا نعرف ماذا سيحدث”.
عدم اليقين هذا يوفّر أرضا خصبة لأصحاب المشاريع. يقول أنجني ميدها، الشريك في شركة كيه بي سي بي إيدج “ستكون هناك شركات بقيمة مليارات الدولارات بدأها طلاب جامعة، لأن شخصاً ما قدّم لهم جهاز ريفت كهدية وقاموا بحل مشكلة مُحدّدة للغاية”.
مع ذلك، فإن أي قارئ للخيال العلمي يعرف أن التكنولوجيات الجديدة تحمل مخاطر في طياتها، أيضاً. المستقبل المصوّر في كتاب “ريدي بلاير وان” وكتاب “سنو كراش” هو بائس وفوضوي.
في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، كتب أكاديميون بقيادة كريستيان ساندور من معهد نارا، اليابان، أن “الواقع المُعزّز الحقيقي”، حيث لا يُمكن تمييز العالم الرقمي عن العالم الفعلي، “سيكون الوسيلة الأكثر قوة التي تكون تحت تصرّف البشرية على الإطلاق”.
كما طرحوا أيضاً السؤال حول ما إذا كان الواقع الافتراضي سيترك الناس غير قادرين على فصل الواقع الحقيقي عن الافتراضي، حيث كتبوا “هل سيعمل على تحسين نوعية الحياة والتواصل بين البشر، أم أنه سيكون تلك الأداة التي ستعزلنا وتُدخلنا في عالم من الوهم”؟
على الرغم من أنه وجد الإلهام في كتاب “سنو كراش”، إلا أن أبوفيتز يُشير إلى مصدر آخر لوصف الرغبة الجماعية بالواقع الافتراضي. حيث قال “مستخدمو “ماجيك ليب” سيكونون السحرة، لكن نأمل أن الناس الذين لا يتمتعون بأي مهارة سيستمتعون به أيضاً”.