تربطها بالمصممين خيوط الشمس .. وبريق هوليوود يعزز مكانتها |
لوس أنجليوس .. هل تسحب السجادة من تحت عواصم الموضة العالمية؟
هناك، في أعلى التلال بـ «بالم سبرينجز» بكاليفورنيا، على بعد قرابة الساعتين من لوس أنجليس، تحدث نيكولا غيسكيير، مصمم دار «لويس فويتون» بحماس عن كاليفورنيا، ثقافتها، أسلوب أهلها والمشاهد التي تميزها عن غيرها، وعلى رأسها صحراء «بالم سبيرنجز»، والمنزل المشيد على شكل طبق فنجان، من كوكب آخر، وهو تصميم حداثي مستقبلي طلبه النجم الراحل بوب هوب، وكان المكان المثالي لكي تعرض الدار الفرنسية مجموعتها الأخيرة من خط «الكروز» أمام 500 مدعو تولت مصاريفهم من مختلف أنحاء العالم.
فهذه المصاريف لا شيء مقارنة بما يمكن أن تجنيه بعد بيع التشكيلة وكل ما تنتجه الدار.
اختيار نيكولا غيسكيير للوس أنجليس لم يأت عبثا، فالمدينة بدأت تسحب السجاد من عواصم موضة عالمية أخرى، بما فيها نيويورك، إلى حد يجذب كثيرا من المصممين أن يعرضوا فيها بدل عواصم عالمية أخرى.
توم فورد مثلا، فضلها في الموسم الماضي على لندن، حتى يكون قريبا من النجمات خصوصا وأن حفل توزيع جوائز الأوسكار كان على الأبواب.
وليس ببعيد أن يتبع هذا التقليد في المواسم القادمة.
بالنسبة لنيكولا غيسكيير، مصمم «لويس فويتون» فإن تزايد أهمية لوس أنجليس كعاصمة موضة ليس هو الدافع الوحيد لاختياره «بالم سبرينجز» كمسرح لتشكيلته الأخيرة، فهو يعرف المكان جيدا، ويأتي إليه طوال العشرين عاما الماضية، ما ساعده على دراسة المكان والسكان المحليين على حد سواء، وترجمة ملاحظاته في تشكيلة غنية غلبت عليها فساتين ناعمة تذكرنا بهوليوود في حقبة الثلاثينات.
والملاحظ أن نيكولا غيسكيير ليس المصمم الوحيد، الذي جذبه سحر الساحل الأميركي الغربي، فراف سيمونز، مصمم دار «ديور» هو الآخر كان ينوي أن يقدم تشكيلة الـ «كروز» في لوس أنجليس قبل أن يغير الوجهة إلى جنوب فرنسا، في آخر لحظة، ربما لكي لا يدخل في منافسة مع غيسكيير أو ربما لأن بيت بيير كادران في الريفييرا الفرنسية أصبح متاحا له، وهو ما لم يستطع مقاومة إغرائه.
وسواء كان هذا أو ذاك فإنه قال في عدة مناسبات بأنه لا يمانع في العيش في لوس أنجليس، ولو خير لاختارها بدل باريس، لولا صعوبة نقل أوراش الدار العريقة إليها.
لكنه لا يفوت أي فرصة لزيارتها لمقابلة الزبائن والتعرف عليهم وعلى طلباتهم عن قرب، وهو ما لا يتاح له بشكل كبير في باريس، لهذا يحرص على أن يذهب إليها ثلاث أو أربع مرات على الأقل في السنة، فضلا عن قضاء بعض إجازاته الشخصية فيها، حيث يستبدل الفنادق الفخمة بشقق يستأجرها عن طريق موقع «آر بي إن بي» الإلكتروني.
من الناحية الإبداعية، تغلغلت لوس أنجليس في تصاميم خطه الخاص تحديدا، وهو ما ظهر في تشكيلة رجالية قدمها في عام 2014 وشاركه في تصميمها صديقه الفنان ستيرلينغ روبي في إطار شراكة كاملة تحمل اسميهما وسحر المدينة وتأثيراتها.
وإذا لم يكن راف سيمونز يستطيع إقناع المسؤولين في دار «ديور» نقله إلى لوس أنجليس، فإن هادي سليمان استطاع ذلك عندما قلد منصب، مدير فني لدار «سان لوران».
فهو يعمل فيها، ويعتبرها مركزه الرئيسي، وينتقل إلى باريس فقط عندما يتطلب الأمر ذلك. لم يتأثر سير العمل، بل العكس، فقد استقطب زبائن جدد من هوليوود، لا سيما أن أسلوبه يخاطب فناني الروك أند رول وكل من يتشبه بهم من ذوي الأجسام النحيلة.
غلين لاتشفود، وهو مصور أزياء، يعيد ظاهرة هجرة بعض المصممين إلى الساحل الغربي من الولايات المتحدة إلى هادي سليمان، قائلا: «أعتقد أن نقطة التحول الكبرى كانت نقل هادي سليمان لدار (سان لوران) إلى لوس أنجليس، لأنه غير فكرة الناس عن التصميم والمصممين»، وبالفعل فإنه أكد بأنه ليس من الضروري أن يوجد المصمم في ورشات العمل مع الحرفيين والخياطين في عصر العولمة والكومبيوتر.
وأكد جان توتو، رئيس دار «إيه بي سي» الفرنسية ومدير الإبداع بها، هذا الرأي بقوله إن هادي سليمان كان شجاعا ومحقا في خطوته، لأنه «عندما تخطر للمرء فكرة جيدة، لا يجب محاربتها أو مقاومتها».
توتو واحد من عشاق لوس أنجليس، ويذهب إليها مرتين سنويا، لكنه يشعر في كل زيارة أن «الوقت الذي أقضيه فيها قصير وغير كافٍ». لكن علاقته بالمكان ليست شخصية فحسب، بل عملية أيضا، لأنه افتتح محلا كبيرا في ميلروز مؤخرا.
ومن المقرر أن يفتتح متجرين آخرين خلال الصيف الحالي.
والحقيقة أن إقامة عروض الأزياء في المنطقة لا يضاهيها سوى التسابق على افتتاح متاجر جديدة أو تجديد ديكورات القديمة حتى تكتسب جاذبية أكبر، فمن المقرر أن تفتح «لي كليرور» الفرنسية أول فرع لها خارج فرنسا في شهر سبتمبر المقبل، وأن تنتهي دار «لويس فويتون» في يناير من تجديد أهم فرع لها من تصميم بيتر مارينو في روديو درايف.
وتمتد هذه الموجة إلى مقاطعة أورانج، حيث جددت دار «شانيل» متجرها في مجمع متاجر ساوث كوست وأعيد افتتاحه في أبريل الماضي، كذلك من المقرر أن تفتح دار «سيلين» أبوابها هناك في أغسطس.
دار «بيربري» البريطانية أيضا دخلت المنافسة في شهر أبريل الماضي بافتتاح محل رئيسي مكون من أربعة طوابق في نفس الشارع. ولم يمر الافتتاح مرور الكرام، إذا ترافق مع عرض ضخم بعنوان «لندن في لوس أنجليس» جرت أحداثه في مرصد «غريفيث» الشهير وبحضور شخصيات فنية وسياسية مهمة.
من ضمن ما قامت به الدار أن جعلت الأعلام البريطانية ترفرف فوقه والكل يرقص على موسيقى الحرس الملكي البريطاني الذي أخذ إذنا خاصا من الملكة إليزابيث الثانية للانتقال إلى لوس أنجليس، وكأن العملية فتح مجيد وليست مجرد افتتاح محل.
وكتب كريستوفر بايلي، مدير الدار الفني ورئيسها التنفيذي، في رسالة إلكترونية: «لوس أنجليس مدينة رائعة، وهي مركز تتفجر فيه الأفكار الإبداعية حاليا، نظرا لخليطها المذهل من مختلف المجالات، من سينما وتكنولوجيا وموسيقى وعمارة وطعام وثقافة، والآن الأزياء».
وبينما لا يشك أحد في مدى الحب الأميركي لكل ما هو بريطاني تقليدي، فإن الفرنسيين هم الأكثر حبا للوس أنجليس وإقبالا عليها، إذ من الصعب عدم ملاحظة حلم الهروب الذي يسيطر على كثير منهم.
صحيح أن باريس عاصمة السحر والأناقة والنور، لكن لوس أنجليس بالنسبة لهم هي عاصمة الدفء والشمس والمساحات المفتوحة وطبعا الحرية والانطلاق.
وإذا كان لهذا الحلم رائحة، فستكون رائحة زهرة الأوركيديا، والفريزيا، والليمون، والنعناع، التي تعد من مكونات شمعة «بيفرلي هيلز» التي صنعتها شركة «ديبتيك» الفرنسية احتفالا بافتتاح فرعها الجديد في لوس أنجليس خلال العام الحالي.
من الذين استهوتهم ثقافة المكان وطقسه، لويس ليمان، مصمم الأحذية الفرنسية، الذي انتقل إليها من باريس عام 2014 بعد خمس سنوات من التردد والتفكير: «في البداية وعندما فكرت في لوس أنجليس قلت لنفسي ماذا عساي أن أفعل هناك؟ أما الآن فأنا أعتبر انتقالي خطوة إيجابية جدا». المشكلة الوحيدة التي يواجهها ليمان هي اختلاف التوقيت بين أوروبا وأميركا، البالغ تسع ساعات.
يقول ليمان وهو يتنهد: «إنك تستيقظ في الصباح لتجد مائة رسالة في بريدك الإلكتروني».
وتشير أدلة حديثة إلى أن الأوروبيين ليسوا وحدهم من وقعوا تحت سحر المنطقة، فسكان نيويورك أيضا يتجهون إليها هاربين من الضغوط اليومية التي تفرضها المدينة، فضلا عن رغبتهم في قضم جزء من الكعكة اللذيذة التي تقدمها، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن مجال الأعمال فيها يشهد ازدهارًا ملموسًا.
ولا شك أن تسابق بيوت الأزياء الكبيرة على افتتاح محلات لها فيها، يؤكد هذا الأمر، وبأن الاستثمار فيها مجدٍ. وبحسب شركة الخطوط الجوية الفرنسية، وهي واحدة من الشركات التي تسير رحلات مباشرة بين مطار شارل ديغول ومطار لوس أنجليس الدولي، هناك زيادة قدرها 43 في المائة في حركة الطيران بين باريس ولوس أنجليس بفضل فعاليات عالم الأزياء والجمال التي تزداد عاما تلو الآخر منذ عام 2013.
لكن ليست كل السفريات من أجل حضور عروض أزياء ضخمة وفخمة مثل تلك التي نظمتها كل من «بيربري» و«لويس فويتون» مؤخرا، فالمدينة تعد قبلة المصورين منذ سنوات نظرا لشمسها وطقسها. كما أن حركتها الفنية تثير اهتمام كثير من بيوت الأزياء التي تريد أن تربط اسمها بكل ما هو فني أو ثقافي حتى تحسن صورتها وتخرج من الإطار التجاري الجامد والمتلهف على تحقيق الربح بأي ثمن.
في فبراير (شباط) مثلا، وقبل أن تنقل دار «لويس فويتون» ما لا يقل عن 500 مدعو إلى «بالم سبرينجز» بثلاثة أشهر، حجزت مساحة عرض في هوليوود، زيتنها بلافتة بأضواء النيون عرضت فيها منتجات الدار من أزياء أو إكسسوارات بأساليب ثلاثية الأبعاد أضفت عليها بعدا فنيا معاصرا. أما دار «غوتشي» فترعى منذ عام 2011 إلى اليوم فعالية «آرت أند فيلم غالا» التابع لمتحف مقاطعة لوس أنجليس للفنون، ومن المقرر أن ترعى دار «بوتيغا فينيتا» حفلا مماثلا لصالح متحف «هامر» للعام الثالث على التوالي.
ويشك بعض اللاعبين الأساسيين في عالم الأزياء بلوس أنجليس أن تكون الشعبية، التي يتمتع بها هذا النهج، مؤقتة يمكن أن ينتهي مفعولها في أي وقت.
من هؤلاء نذكر سكوت شتينبرغ، مؤسس «باند أوف أوتسايدرز» الذي لا يخفي أن لوس أنجليس بالنسبة له «ليست سوى أحدث محطة بالنسبة لبيوت الأزياء، ولا نعلم أين ستكون المحطة التالية».
باولا روسو، مؤسسة ماركة «جاست وان اي» وهي فرنسية المولد ومقيمة في لوس أنجليس لا توافق ستينبرغ نظرته المتشائمة، وتقول بأن الاهتمام سيستمر، لأنها لاحظت خلال سنوات وجودها فيها أن الجميع يرغب في العيش فيها، لسهولة التأقلم مع طقسها وثقافتها.
فبعد أن كانت نيويورك منذ عشر سنوات، وجهة القادمين من باريس، سحبت لوس أنجليس السجاد من كل العواصم وأصبحت الأكثر جذبا وشعبية، في الوقت الحالي على الأقل، وفضل كبير في هذا يعود إلى الموضة والأزياء.