فوتوغرافيا
مصور على طريق الحرير
كنتُ أعتقد أنها مجرّد محاضرة كغيرها من المحاضرات التي تتحدّث عن أحد المواضيع المختصة بالتصوير الضوئي، المحاضِر هو المصور الأميركي «مايكل ياماشيتا» والذي يعمل لصالح مجلة ناشيونال جيوغرافيك منذ أكثر من 30 عاماً، وصاحب الفيلم الوثائقي «أسطول الأشباح» الحائز على جائزة أفضل فيلمٍ وثائقيّ تاريخيّ في مهرجان نيويورك الدولي للأفلام المستقلة.
وهو أحد أعضاء لجنة تحكيم الدورة الخامسة لجائزة حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم الدولية للتصوير الضوئي، والتي كانت تحت عنوان «السعادة».
منذ سنواتٍ طويلة أواظب على حضور محاضراتٍ لمصوّرين مُلهمين، لكني لم أفقد وعيي الذهني مع أحد وأنساق وراء تدفّق أفكاره وجاذبية أسلوبه كما حدث في محاضرة «ياماشيتا»، لم أشهد حدثاً يرتبط عنوانه بمحتواه بهذه القوة والتمكّن والإبهار «مصور على طريق الحرير» مصور يقرأ الصور كقصة ويجبرك على الإنصات، ذو شخصيةٍ فنيةٍ مشاغبة تستحق أن تسعى لها ناشيونال جيوغرافيك وغيرها من الأسماء اللامعة. كانت رحلةً مبهرةً مبهجةً من خلال الصور على طريق الحرير وهي مناطق ممتدة من الصين وحتى أنطاكية التركية.
وقد عَرَضَ تلخيصاً لكل مرحلةٍ من مراحل رحلته إلى هذه المناطق وتحدّث عن أهمية استغلال الإضاءة الطبيعية وانعكاسها على المناظر التي تقع على طريق الحرير ، عدا عن مروره بسور الصين والحواجز والأبراج والقلاع القديمة التي شهدت حقباً زمنيةً خالدة في تاريخ البشرية.
سافرنا معه عبر عددٍ من الصور لآثار المعابد ومناظر الكهوف الحجرية البوذية، ومعالم حياة الناس الذين يعيشون في هذه الأراضي، مُظهراً ملامح ثقافات الشعوب في هذه المنطقة، وتحدّث عن تأثره الشديد في التصوير بأسفار أشهر الرحالة ماركو بولو واكتشافه أسرار الصين.
وقد شاركنا اعتقاده بأن البحث والقراءة للمصور قبل أن يقوم برحلاته ضرورة لا بدّ منها. في هذه المحاضرة شعرتُ بشعورٍ لذيذ افتقدته لعدة سنوات، وهو الاختراق العقلي غير المحسوس، هذا يحصل عندما يخترق أحدهم عقلك بملء إرادتك ويسيّره كما يشاء بدون وجود أدنى مقاومة من طرفك، مستخدماً سِحره الخاص في إمتاع العقل وإسعاد الروح وسلب مفردات التركيز.
هذه الأمسية حُفرت على جدران ذاكرة كل من حضرها وبدا هذا جليّاً في ردود الفعل بعد انتهاء المحاضرة وفي شعورهم الكبير بالامتنان للمحاضِر من ناحية وللجائزة من ناحيةٍ أخرى لتوفير هذا المستوى من المعرفة.
فلاش
من لا يسمع حديث الصورة فهو أعمى..
@SaharAlzarei