سمر وعر
“صباح قباني”.. فسيفساء العطاء
قامة دمشقية تألقت في العديد من المحافل الإعلامية والدبلوماسية والأدبية وحافظت على التواضع والرُقي، كتب سيراً ذاتية بقلم الثقة والدقة، وأظهر إبداعه الفني من خلال عدسته وقلمه.
في لقاء مدونة وطن “eSyria” بتاريخ 10 آذار 2015، مع الإعلامي “عصام داري” تحدث عن الراحل “صباح قباني”، ويقول: «لا يمكن أن أتحدث بإيجاز عن قامة سورية شامخة، فقد كانت له بصماته في حياته العملية، وسجل اسمه بحروف من ذهب في كل مجال دخل فيه، فهو الدبلوماسي المحنك الذي مثل “سورية” في أكثر من بلد، والإعلامي المتميز الناجح، والمصور الفوتوغرافي الفنان، تتوج كل نشاطات الراحل شخصية إنسانية متواضعة ومحبة وراقية، كان رجل كلمة وموقف ومبادئ يحترم الجميع، فاحترمه كل من عرفه أو سمع بهذه الشخصية السورية اللامعة، وهو ممن كوّنوا نواة الفن الدرامي السوري عندما جمع “دريد لحام” و”نهاد قلعي” و”رفيق السبيعي”؛ فتكونت أول مجموعة امتهنت الدراما التلفزيونية التي ارتقت إلى الحد الذي وصلت إليه اليوم».
وعن علاقة الدكتور “صباح قباني” بالفن والثقافة، تحدث الفنان الراحل “ياسر المالح” في إحدى ندواته بالقول: «تربى في بيئة حفزت لديه موهبته الأصلية، فعمل والده في صناعة الحلويات وعلاقته اليومية بهذا الحلو من المنتجات أثر إيجابياً فيه، وكذلك علاقة الأسرة بالموسيقا والرسم فقد كان يستمع إلى الموسيقا ويدرب أصابعه على الرسم، وهذه البيئة المشجعة لم تكن وحدها كفيلة بإظهار موهبته الإعلامية والفنية والدبلوماسية؛ فالجينوم الوراثي كان أيضاً أساسياً في هذا الأمر، كما كانت لديه الرغبة الهائلة لكسب الثقافة، فقد أجاد لغتين أجنبيتين وحين كتب أوراقه رسم لكل شخصية محوراً متكاملاً بعدة طبقات، ومخزونه الثقافي والمعرفي وذاكرته المتقدة جعلته يكتب بثقة تامة ودقة متناهية وتوصيف متكامل».
وفي لقاء مع الكاتب “إسماعيل مروة” قال عنه: «”صباح قباني” شخص مجبول بالأرض والوطن والفن والحب، لذلك لم يترك مكاناً لم يوقع عليه بحبه، فهو الكاتب المبدع الذي يكتب كما يريد لا كما يريد الآخرون منه، فأبدع في الكتابة عن أخيه “نزار”، هو أب من آباء الذوق فما من أحد كتب عنه إلا شكره حتى ولو لم تكن كتابة إيجابية، وبنبرة هادئة يقدم كل الود للآخر، أما من يقرأ سيرته الذاتية فلا بد سيذهل بهذا التواضع لرجل أبدع في كل شيء من السياسة إلى الأدب والفن والفنون الشعبية، ولكنه يغيب نفسه دوماً لحساب الأمانة العلمية، هو قيمة بذاته حتى في رحيله آثر أن يكون وحده ولا يجرح عين شآمه بالبكاء عليه».
أما الباحث “محمد مروان مراد” فيقول: «واحد من كوكبة المبدعين من أبناء الوطن، يملك مجموعة مواهب متألقة من الصعب حصرها في إطار واحد، فهو الإعلامي البارع، والفنان الرقيق، والدبلوماسي الأنيق وجهاً وكلمةً وجهداً، وهذا ليس غريباً، ففي حي “مئذنة الشحم” أبهى أحياء المدينة القديمة، وفي فردوس دمشقي باذخ بالنور والخضرة والعبير عاشت أسرة “القباني” جيلاً بعد جيل، الجد “أبو خليل القباني” مؤسس المسرح الغنائي في “مصر والشام”، والأب “توفيق القباني” الصناعي المتنور والوطني النصير والداعم للمجاهدين الثوار المقاومين للمحتل، والأخ الأكبر “نزار” شاعر “دمشق” الموله وبلبلها الصداح، في هذه الجنة الأسطورية نشأ “صباح” ليرشف الكلمة العذبة والنغمة الصافية والموسيقا الدافئة من كل ما يحيط به، وليتشرب الحب السامي والتهذيب الرفيع والوطنية الصادقة».
وعن حياته يقول: «ولد “صباح قباني” عام 1928، وتلقى علومه الأولى في الكلية العلمية الوطنية، ثم التحق بجامعة “دمشق” حيث نال شهادة الحقوق عام 1949؛ ليغادر إلى “فرنسا” ويحصل على شهادة الدكتوراه في الحقوق الدولية من جامعة السوربون في “باريس” عام 1952، وبعيد عودته إلى الوطن شغل عدة مواقع؛ ففي مجال الإعلام، عيّن مديراً لبرامج الإذاعة والتلفزيون عام 1953، ومديراً للتلفزيون في “سورية” بين عامي 1959-1961، وكان أول من ابتكر موجز الأخبار في إذاعة “دمشق” لمدة ثلاث دقائق كل ساعة، كما أوجد التقاسيم التي تسبق الأذان أو تلاوة القرآن الكريم، وابتكر العديد من البرامج التلفزيونية مثل “الأسرة السعيدة”؛ وهو أول برنامج تلفزيوني للتوعية الصحية، وساهم في اكتشاف مواهب الكثيرين من الفنانين منهم “دريد لحام”.
أما في السلك الدبلوماسي فقد عين قنصلاً في السفارة السورية في “نيويورك” لمدة أربع سنوات، ثم مديراً للإعلام في وزارة الخارجية عام 1966، فوزيراً مفوضاً في “جاكرتا” بـ”أندونوسيا”، فمديراً لإدارة أميركا بوزارة الخارجية عام 1971، وأخيراً سفيراً لـ”سورية” في “واشنطن” حتى 1980، وقد جمع في شخصه صلابة الشرقي ودبلوماسية الغربي».
ويتابع: «من هواياته الرسم الكاريكاتوري إلى جانب التصوير؛ حيث أقام عدة معارض لصوره الفوتوغرافية، منها: “نشيد الأرض”، “لحظات أندونوسية”، “المعرض الاستعاري”، وذات يوم سُئل عن سبب اهتمامه بالتصوير، فأجاب: (هل للمرء أن يوقف الزمن؟ بالطبع لا لأنَّه يتحرك باستمرار، لكن آلة التصوير توقف الزمن، وتحنِّط اللحظة، فالصورة هي اللحظة الفالتة من عقالات الزمان، وهي لا تشبه سابقتها ولا ما يلحقها)، وقد تم تكريمه عام 2004 في حفل افتتاح المعرض الخامس والعشرين لنادي فن التصوير الضوئي في “سورية”، وله بصماته بتأسيس مديرية الفنون في وزارة الثقافة عام 1958».
وعن الجانب الأدبي في حياته يقول “مراد”: «ترك العمل الوظيفي عام 1981 ولكنه بقي مرتبطاً بكتاباته وإنتاجه الأدبي، ومن أهم كتاباته: سيرته الذاتية في كتابه “من أوراق العمر”، عرض فيه للحياة الغنية التي عاشها سواء في طفولته أو شبابه، أو في الأعمال التي أداها في مختلف مراكز المسؤولية بشغف وأمانة، فكشف عن جوانب شخصيته المتنوعة في الفكر والفن والسياسة، وألف في هذا المجال كتابه “كلام عبر الأيام” عرض فيه سيرة أخيه الراحل “نزار قباني” الذي كان صديقه الأقرب، كما كتب السيرة الذاتية للدكتور “رضا سعيد” مؤسس الجامعة السورية، إضافة إلى ترجمته كتابي “أساطير أوروبا عن الشرق”، و”رسالة إلى الغرب” اللذين ألفتهما ابنته “رنا قباني”».
وعن أهم ما ميز شخصيته يختتم: «جمع عدة شخصيات متألقة، فكان في كل المهمات التي أسندت إليه مثالاً للمثقف الواعي، متعدد المواهب، متوقد الحماس، دمثاً في تعامله، شفافاً في فنه وأدبه».
رحل الدكتور “صباح قباني” بتاريخ 31 كانون الأول 2014، تاركاً اسماً لامعاً برز في شتى مجالات المجتمع السوري.