المسابقات الفنية وعدالة التحكيم
في الآونة الأخيرة شهد الوطن العديد من الدعم والاهتمام الذي يستحق الإشارة وذلك بإقامة مسابقات لمعارض تشكيلية أغلبها اهتم باللوحة الفنية السعودية مما ساهم في رفع الذائقة البصرية، ونمو مستوى التذوق لدى المشاهد الذي تحول من النظرة النفعية للعامة من الناس من حيث اقتناء لوحة فنية لمجرد تعليقها على حائط لتكملة ديكور مكان إلى نظرة الاستمتاع والتقدير. ومما لا شك فيه أن هذه المسابقات تسهم بشكل كبير في تطور الفن التشكيلي المحلي حيث أنها تبرز مراحله الحاضرة، والماضية، والمستقبلية، فالماضى يزيد من قوة الحاضر، أما المستقبل يعد بمثابة إنعاش لما هو ماثل في اللحظات الراهنة، ومن هذا المنطلق نجد أهمية هذه المسابقات التي وإن كانت لا تزال على المستوى المحلي في وطننا الغالي إلا أننا نأمل أن تتطور في المستقبل لتشمل مسابقات يشارك بها جميع دول العالم المختلفة مثل التي تقيمها عدد من الدول العربية الشقيقة ومن أهمها “البينالي العالمي” بجمهورية مصر العربية وبعض دول مجلس التعاون الخليجي.ولن نتطرق في موضوعنا هذا إلى العديد من دول العالم التي تقيم هذه المسابقات ولكننا نطرح قضية ليست بجديدة على الساحة التشكيلية وهي تكمن في آلية التحكيم وشخصية المحكمين أنفسهم.
فبرغم محاولة الجهات المعنية بالتنظيم والإشراف على هذه المسابقات والاستعانة بمحكمين أجانب من أصحاب التخصص لتحكيمها وذلك حرصا منها على الموضوعية وعدم الانحياز ونزاهة التحكيم، إلا أن هناك من جاء بفكرة آلية ليس متعارف عليها لا محليا ولا عربيا ولا دوليا لتحكيم هذه المسابقات المحلية تدعي ” فرز أولى” والفرز الأولى يعني استبعاد الأعمال التي لا تتناسب سواء مع موضوع وشروط المشاركة في المسابقة المقامة أو من النواحي الحرفية الفنية والمبنية على وجهة نظر هذه اللجنة للفرز الأولي، ويتم هذا الفرز واستبعاد اللوحات عن طريق هذه اللجنة المنفصلة قبل إطلاع اللجنة الرسمية الأساسية المعنية والمكلفة بالتحكيم على كافة الأعمال وهذه الآلية تعني أن هناك لجنتين منفصلتين وهناك أيضا أعمال مستبعدة قد تم استبعادها بناء على اختيار من قبل هذه اللجنة الأولية ولم تطلع عليها اللجنة الرسمية المفوضة بتحكيم المسابقة وهذه الآلية ليست منصفة ولا عادلة لا من حق المشارك أو اللجنة المفوضة الرسمية إن صح التعبير لتحكيم الأعمال فالفرز الأولي واستبعاد الأعمال وأخذ قرار الأعمال الفائزة والأعمال المناسبة للعرض تأتي جميع قراراتها من قبل لجنة واحدة واتفاق هذه اللجنة على المعايير وشروط المشاركة التى بموجبها يتم التحكيم.
البروفسور ياسر منجي
عند رجوعنا للأخذ بآراء محكمين دوليين شاركوا بتحكيم عدة معارض دولية وعرض فكرة تحكيم لجنة منفصلة للفرز الأولى كان وجهة نظر أستاذ دكتور “أحمد نوار” الحاصل على درجة الأستاذية من جامعة ” فرناندو ” بمدريد وله عضوية في عدة جماعات عالمية وفنان ممارس له العديد من المقتنيات في متاحف العالم ومؤسس عدد من المتاحف المصرية، وعضو لجان تحكيم عالمية في مثل هذه المسابقات ويصعب سرد سيرة “نوار” الثرية بالإنجازات، والمراكز الفنية الحكومية المرموقة، والمعارض، فأعرب بقوله :(أنه مهما وصلت عدد الأعمال المتقدمة للمسابقة فيفضل أن الاختيار يأتى من قبل لجنة واحدة لوضع معايير واحدة أيضا وليس لجنتين حتى تتحقق العدالة في الاختيار ).
واتفق مع البروفيسور ” نوار” أستاذ دكتور ” ياسر منجي” بروفيسور في النقد وعلم الجمال بقسم الجرافيك بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة وله عدة مؤلفات نقدية في مجال الفنون التشكيلية وعضو لجان تحكيم للعديد من المعارض الفنية وله مشاركات عالمية كفنان ممارس في مجال الجرافيك الذي أعرب بقوله:(بالنسبة للسؤال الخاص بآلية التحكيم، فما هو معتمد لدينا في مصر ومعمول به في كافة المعارض الجماعية والمسابقات، فهو أن لجان الفرز تكون هي نفسها لجان التحكيم، بمعنى أن اللجنة تُشَكَّل من الأعضاء والرئيس، وتُناط بها مهمة الفرز، والتي تأتي في المرحلة الأولى بطبيعة الحال، ثم تنخرط اللجنة نفسها في المرحلة الثانية، وهي مرحلة التحكيم، لاختيار الفائزين وإقرار نتائج التحكيم ،وهذه الآلية منطقية جداً، حيث إن اضطلاع اللجنة نفسها بمهمة الفرز، يعطي أعضاءها فرصة تأمل الأعمال لوقتٍ كافٍ، ومِن ثَمّ يكونون على بصيرة من أمرِهِم في المرحلة التالية (مرحلة التحكيم)، كما تأتي – في الأغلب – آراؤهم أكثر اتساقاً وتوافُقاً، نتيجة ما قد يكونوا ناقشوه من موضوعات وما أثاروه من ملاحظات في مرحلة الفرز، مما يكون هادياً لهم في التحكيم بدرجة كبيرة).
في مسابقة فريدة من نوعها رصدت لها الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض جوائز مادية قيمة لرسومات أطفال مدارس المملكة لتستعين الهيئة فيما بعد بهذه الرسومات لتزيين “مترو الرياض” والتي لاقت إقبالاً شديداً من قبل الأطفال إذ وصل عدد اللوحات المتقدمة إلى أكثر من ألفين ومئتين وخمسة وعشرين لوحة فنية، وأشرف عليها المهندس خالد عبدالله الهزاني” مدير إدارة برنامج المشاريع المعمارية” بالهيئة، كما أنه رأس لجنة التحكيم المكونة من خمسة أفراد فقط. فقد نظمت جميع اللوحات المشاركة بعد الأخذ بآراء لجنة التحكيم وذلك بتصنيفها إلى مجموعات حسب المراحل الدراسية أو العمرية، ومن ثم صورت جميع اللوحات وتم حفظها على برنامج متطور في الحاسب الآلي، ودعم كل عضو لجنة التحكيم بشاشة حاسب آلي استعرضت من خلالها صور اللوحات المقدمة جميعها فنجد في أعلى الشاشة المرحلة العمرية للمتسابق وصورة اللوحة وأسفل الشاشة الرفض أو القبول الذى تم من قبل كل عضو من أعضاء لجنة التحكيم بدون تدخل من الآخر وبموجب الاتفاق من قبل اللجنة قبل استعراض اللوحات على الأسس والمعايير التي يتم التقييم على أساسها كما كانت هناك شاشة كبيرة تعرض نتائج التصويت المنفرد وتحصر مجموع الأصوات. فهناك الصور التي نالت الأصوات الخمسة ومن ثم أربعة وثلاثة وهكذا تم فرز اللوحات المبدئى من قبل لجنة واحدة للفرز والتقييم قبل الاطلاع على اللوحات الأصل مما أوجد في هذه الآلية النزاهة والعدالة وعدم الانحياز المطلوبة في مثل هذه المسابقات ولعل هذه المسابقة تعد الأولى التي ترعاها الهيئة كما أنها الأولى محليا التى نفذ من خلالها التحكيم بهذه الآلية المعاصرة باستخدام وسائل الحاسب الآلي وبرامجه المتطورة وفق المعايير العالمية والحضارية والتي نأمل أن تطبق وتستعين بها الجهات الأخرى المعنية بإقامة المسابقات الفنية.
نحن إذ نستعرض ما سبق ذكره بدافع الرؤية والإدراك إلى أهمية الوعي بأساليب التحكيم التي تحقق العدالة في مسابقاتنا المحلية ولا يعني عدم الفوز أن اللوحة المستبعدة لا ترقي للمنافسة كما لا يمكن أن جميع اللوحات المتقدمة للعرض تنال جوائز ولكن لابد أن نضيف هنا أنه من المهم أن تتوفر في شخصية المحكم الإلمام بعادات وتقاليد وعقائد ومستوى النمو الثقافي وتاريخ وحضارة الفنان المتقدم للمسابقة وأن تحكم كما هو متبع في بلدان العالم حتى لا تفقد هذه المسابقات مصداقيتها وعزوف الفنانين المعروفين بتاريخهم العريق على الساحة بالتقدم للمشاركة والاطلاع على تطور وجديد أساليبهم في المجال.