صامد هو كأيّ جندي شريف لم تخدعه المغريات ولم تثنه المزاعم عن متابعة دوره على منصّة الوطن، لم يلذ بالفرار ولم يغادر مع من غادروا، بل حمل سلاحه بكامل العزيمة والثبات والجرأة والثقة والإيمان بذاته وبالوطن، وتابع بهمّة عالية القبض على ملامح الجمال الذي لم تشوّهه الحرب على سوريا ولم يبدده الخراب، واعتبر أنّ تقفّي أثر الجمال هو جبهة مناظرة لكل القبح الذي خلّفته المؤامرة من صلب الإرهاب الذميم، التصوير لدى ” علي نفنوف ” ليس مجرد لحظة عابرة، بل نظرية فلسفية لها منطقها ورؤيتها وأسلوبها وخصوصيتها الأوسع من زوايا الصورة والأعمق من أبعادها.. وللوقوف على ناصية الرؤية معه كان لمجلّة – إلّا – الألكترونية الحوار التالي..
دمشق – زاهر قضماني
*علي نفنوف .. مثقف لك قاموسك ومفرداتك وامكانياتك الذاتية لصياغة اوسع مخيلة وتحويلها الى قصيدة .. لماذا اخترت الكتابة بالآلة الى جانب القلم ….؟!
– ليست القضية باللغة أو المفردات التي نمتلكها .. إنما بطريقة توليف وتوظيف هذه اللغة لإيصال رسالة ما وعن هذا القاموس والمفردات هي عبارة عن خلاصة تجارب ودروب صعبة وطويلة سلكتها ..لأصل الى قناعات تقول ان الأبداع هو واحد مركزه، نقطة الاقتراب من العقل سواء أكان هذا الأبداع يصاغ بالريشة أو بالقلم أو بالعدسة ولكن لماذا اخترت الكتابة بالآلة الى جانب القلم .. ربما لأن هذه الآلة تخط لغة العيون .. هذه اللغة هي الأوسع انتشارا لأنها تدخل الى كل الثقافات و القوميات بلا مترجم وبلا مفسر .. إضافة الى أنّها لغة العيون العاشقة لكل ما هو جميل وهي اللغة العالمية بامتياز
*هل عمدت من خلال الصورة الى تظهير المخيلة لديك أم مصادرة المخيلة لدى الآخر ؟.
– في كيمياء الابداع هنالك ما يسمى تفاعلات .. و انفعالات .. والمعروفة بعامل التخيل .. هذا العامل يكون طرفاه المتلقي والفنان .. ولكن لك أقول انني أحاول استفزاز العين من اجل لفت الانتباه على المشاهد المألوفة وتحويلها الى مشاهد ولوحات فنية .. هذا الاستفزاز هو مشوار التحدي الذي يبدع من خلاله فنان الضوء .. ويقدم ولائم عشقه بلغة الإحساس.
*تقول أنّ لكل صورة رسالة تحملهابكامل تفاصيلها لتصل المتلقي هل أنت كاتب هذه الرسالة أم تؤمن بيد الخلاق العظيم التي كتبتها وأنت تطوعت لتكون الساعي في إيصالها
– لاشكّ أنه هو الفنان الاعلى .. وهو المبدع الخلّاق الذي خلق لنا الجمال بكل ما يحيط بنا ولكن أنا حارس على هذا الجمال الآلهي .. بل عريف حفل للتعريف به وتقديمه .. نحن لم نبدع في اختلاق المشاهد .. بل كل ما نقوم به هو تحويل هذا المشهد المألوف الى وليمة عشق وإعجاب من خلال ريشة الضوء و زوايا العين ومنصّة العرض على مسرح الوجود الذي يقدّم المشاهد التي لا تنتهي ونحن كل ما نفعله نختلس منها لترتوي ذائقتنا ومشاعرنا المرهفة.
*تحاول ان تدحض الحرب بالحب وان تزيح العتمة بالضوء وان تتصدى للسلاح بالعدسة وان تصمد في وجه الخراب بالجمال هل ساهم الاعلام الحصيف في دعم جبهتك في وجه الاعلام المغرض الذي الهب جميع الجبهات؟
-يجب ان يكون الفنان .. جندي مقاوم يسخّر ابداعه وفنّه للرقي بمفهوم السلم والحياة .. في وجه آلة القبح والغباء وهنالك طرق وأساليب كثيرة للفنان منها العرض المباشر .. وإقامة المعارض والندوات والنشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي والشبكة العنكبوتية وليس فقط بانتظار وسائل الاعلام التي قد تكون مشغولة بروتينها الذي لم تخرج منه أو أنها لم ترتقِ الى مفهوم ان الفن سلاح .. ولكن .. انا راض عن تجربتي في هذه الظروف .. لم اتوقف .. ولم اطلب من الاعلام المستحيل .. كان لنا دروب اخرى تمكنت من خلالها خلق فسحة واحداث نافذة جميلة رفدت حولي الكثير ممن تابعوا واهتموا وتفاعلوا حدّ العشق والتماهي مع الصورة التي ألهبت جميع العدسات كرسالة حبّ يتداولها الجميع عبر الأثير واختزنت بأجهزة جميع الزوار الذين جعلوا من صورة علي نفنوف مجرّة جديدة تضاف إلى سماء عالية وشاسعة لنجمات صغيرة تلمع وتتألق.
*تتحدّث دائما عن التصوير الضوئي ..هل الصورة رهن الضوء و بمغيبه تنعدم الرؤية؟..
ج5 هنالك حقيقة تقول ان لا صورة بلا ضوء لأن التصوير الضوئي هو مصطلح فوتوغرافي فوتو تعني الضوء ..وغراف تعني الرسم.. أي الرسم بالضوء إذاً فنان التصوير يرسم بريشةٍ من شعاع لوحته الخالدة …وحسب علوم الفيزياء الصورة هي انعكاس للمشهد المنظور اليه … لهذا وبكل تأكيد لا صورة بلا ضوء.
*هل التصوير يعتمد على الكم .. أم أنه كالطلقة إما أن تصيب الهدف أو تخيب..؟
– في بداية المشوار الفني .. كان التقاط المزيد من الصور هو الأسلوب المعتمد ولكن بعد نضوج التجربة اصبحت اللقطة أكثر صعوبة وتحول هذا الفن من المتاح الى التحدي.
*هل التصوير يمكن أن يعيل أسرة .. أم أنه مجرّد هواية باهظة الكلفة لا تسترد حتى قيمة أتعابها؟
– يقال قديما أنها كانت هواية الملوك نظراً لكلفتها الباهظة ..فمثلا في عام 1920م كان غرام الذهب يساوي 5 ليرات سورية في دمشق وكانت طباعة الصورة تساوي خمس ليرات إذاً كانت الصورة تتعادل بل تتساوى قيمتها مع قيمة الذهب ولكن أي فن إذا تحول للأسترزاق يموت وتموت حالات الابداع فيه لأنه يتحول الى حرفة.. و أنا آثرتُ أن أبقى هاوياً يركض وراء اللقطة المتفرّدة بشغف عاشق هائم على غير مدىً.
* على الرغم من كون التصوير فن وابداع . إلّا أنه لم يأخذ المصور الحيّز اللائق اجتماعيا وثقافيا ..برأيك ما السبب؟
-التصوير هو فنّ الحقيقة، ونحن في مجتمع لا يزال يخاف الحقيقة لا يزال يخاف من صورته .. لذلك نحن امام ثقافة مجتمع لم يرتقِ الى مستوى الصورة .. فمثلا ..الجميع يرفض التجاعيد في صورته ويقوم بازالتها على برامج الكومبيوتر.. اذا القضية مرتبطة بالثقافة العامة ..وهذا سبب كافي في أوروبا لان يكون المصور الفنان في اعلى مراتب الفن والثقافة والمجتمع
* التصوير علم أم خبرة ..؟
– التصوير هو إحساس وعين راصدة مع مهارة فنان في استخدام أدواته، وبديهته في علوم الفيزياء، لتتوافق كل هذه العلوم والمهارات لحسم اللحظة في إعطاء الاوامر لكبس الزر .. وهذه اللحظة هي في واقع الأمر لحظة انتصار الضوء
*هل استسهلت التصوير على حساب الشاعر والصحافي ام لازلت قادر على توفير الوقت لكل ما يتزاحم فيك؟
– انا شاعر في صورة اختطفها كفكرة ومشهد، ومصور في قصيدة اقرضها بكل مافيها من وقع وتوازن وعمق.. وصحفي في صورة تقول ما لا يقال .. انا ذاهب الى ما يجول في داخلي فور حدوثه سواء اكان صورة ام قصيدة ام مقال.
*رفضت تصوير الخراب الذي حلّ بسوريا .. برأيك هل يمكن أن نمزّق الصورة داخل ذاكرتنا في حال تجاهلناها؟
-انا خير من يصور الازمة ولكن بطريقة مختلفة بطريقة الانتصار للجمال.. من خلال تكريسه كموقف .. وكجانب قادر على ازالة الصور السوداء من الذاكرة حينما يكون الجمال قبلتنا ووجهتنا وغدنا ومستقبلنا، الحرب خراب آني، والقادم حتما سيكون أجمل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شكرا للشاعرة غادا فؤاد السمّان لنشرها ثقافه الضوء وهذا العشق السوري –
علي نفنوف
خاصّ – إلّا –