عن السينما الرقمية الجديدة
يتردد كثيرا في الاونة الاخيرة مصطلح ” السينما الرقمية Digital Cinema “ والذي أثار الكثير من الجدل في كونه النقلة النوعية الأولى التي ستحصل في تاريخ السينما بشأن كاميرات التصوير .. ليس هذا فحسب , بل في كونه يهدد هيمنة هوليوود ويعلن أن السينما ستكون ملكاً وحقاً للجميع .. نعم , بفضل هذه التقنية ستكون لك أنت وسبيلبرغ الفرص نفسها في الإخراج ..
تعرضت كاميرات التصوير السينمائية خلال مسيرة السينما للكثير من التطورات لكنها لم تكن تغييرات جذرية , ففي أواخر عشرينيات القرن الماضي تغيرت سرعة التقاط الكاميرا من 16 كادر في الثانية إلى 24 كادراً لتقترب – عبر ذلك التغيير – من سرعة الزمن الطبيعي وتجاري الصوت الناطق , وفي الثلاثينيات تم إضافة بعض القطع إلى الكاميرا رسمياً لتتمكن من التصوير الملون , وخلال عقود مضت يجري باستمرار تحسين الكاميرات السينمائية إلكترونياً ليكون من السهل ضبطها بمجرد الضغط على أزرار معينة , هذا فضلاً عن التحسينات التي طرأت على مادة السلولويد في الشريط نفسه كيميائياً من أجل أن يقدم صورة أوضح ويبقى مدة أطول .. نحن نتفق على أن هذه التطويرات مهمة جداً , لكن – مع هذا – فالكاميرا السينمائية هي نفسها من حيث المبدأ والأساس لتلك التي كانت موجودة قبل قرن فات .. ما زالت البكرات تدور ولفافات الأشرطة الطويلة الثمينة تسير بلا نهاية .. وهذا – في الحقيقة – لا يعد عيباً أو نقصاً , لكن الأمر المثير للغرابة , هو أن هذه الثورة الرقمية الهائلة التي نعيشها , والتي توغلت في منزل كل إنسان معاصر , لا يبدو أنها أثرت في كاميرات التصوير السينمائية أبداً , فالعمل ما زال يجري على الطريقة القديمة المكلفة جداً .. نحن في حياتنا اليومية نشاهد مئات المحطات على التلفاز التي تأتي بواسطة أجهزة ” رقمية ” , وأصبحنا نشاهد الأفلام ” رقمياً ” بواسطة الأقراص المدمجة العادية ( VCD ) أو الرقمية ( DVD )
.. ومؤخراً بدأنا نتناقل الصور والأفلام بين أجهزة الجوال ” رقمياً ” .. كلها وسائط تثبت أن التقنية الرقمية ليست قيد التجربة بل هي مادة استهلاكية يقتنيها الجميع بثقة ويشاهدون عبرها الصور والصوت بنقاء واضح .. مع كل هذا , أليس من الغريب أنه لم يخطر في أذهان صناع الأفلام ودور العرض السينمائية في هوليوود أن التعامل مع الكاميرات وآلات العرض الرقمية سوف يكون مريحاً ومربحاً على جوانب متعددة ؟
. وفي حال خطر هذا الأمر على أذهانهم , أليس من الغريب أن السينما الرقمية ما زالت لم تـُطبق بعد في صناعة الأفلام الكبيرة ؟ .. وأن الاستديوهات ما زالت متعلقة بالأسلوب القديم في التسجيل على لفافات ضخمة ثقيلة وشحنها بالمئات إلى صالات العرض التي تبعد آلاف الأميال ؟؟ ..
الإجابة بسيطة : لا شيء يضاهي جودة ونقاء شريط الفيلم التقليدي ( Film ) *.. لكن الأمور تغيرت مؤخراً , وتلك الإجابة البسيطة لا تكفي ليحتمي بها أحد رؤساء الاستديوهات .. فقد تم التوصل إلى كاميرات سينمائية رقمية كبيرة تمكنت من الوصول إلى جودة تقارب جودة كاميرات السينما التقليدية إلى حد كبير .. وكانت البادئة من جورج لوكاس حينما أثبت هذا الكلام عملياً , ليصور أول فيلم روائي طويل ذو ميزانية عالية كاملاً من خلال كاميرات رقمية ودون استخدام شريط واحد .. وذلك في العام 2002 عن طريق فيلم “ حرب النجوم The Attack of the Clones “ , لكن المؤسف في الأمر أن معظم دور العرض السينمائية قد طالبت الشركة الموزعة بتحويل النتيجة النهائية للفيلم إلى الصيغة التقليدية , لأن صالات العرض – ببساطة – لا تملك أجهزة عرض رقمية تعرض الأفلام الرقمية من خلالها , وإحضار مثل هذه الأجهزة أمر مكلف بالنسبة لدار العرض ليست على استعداد لتحمل نفقاته .. لوكاس سوف يصور الجزء الأخير رقمياً أيضاً , وصرح بأنه لن يعرضه إلا بواسطة بروجكترات رقمية هذه المرة .. هنالك العديد من المخرجين المشهورين الذين يتعاملون مع السينما الرقمية حتى قبل لوكاس , إعلاناً منهم بأن الوقت قد حان وأن السينما الرقمية قادمة في الطريق , أمثال ستيفن سودربرغ و روبرت رودرغز .. فضلاً عن المخرجين الشباب الذين بادروا بأنفسهم بصنع أفلامهم المستقلة عن طريق الكاميرات الرقمية الخاصة , وشاركوا بها في مختلف المهرجانات ..
ما هي السينما الرقمية ؟؟
السينما الرقمية ببساطة هي تقنية جديدة في التسجيل والعرض , تتمثل في التعامل مع الصور بمبدأ الصفر والواحد ( البت والبايت ) أي التعامل مع الصور على أنها إشارات كهربائية ثنائية ( رقمية ) بدلاً من طبعها وتحميضها كيميائياً على ورق حساس .. تماماً كما نلتقط الصور والأفلام في أجهزة الكمبيوتر أو الجوال , إذ لا يوجد شريط , بل لا توجد صورة ملموسة أصلاً , ولكننا نراها ونتناقلها .. هذا ما يحدث مع السينما الرقمية , فالكاميرا الرقمية تصور وتخزن المعلومات في ذاكرة إلكترونية موجودة بداخلها بكل هدوء بدلاً من ضجيج البكرات المزعج , وحالما ينتهي التصوير ببساطة يمكن للمصور سحب المعلومات ونقلها إلى جهاز كمبيوتر عادي ثم العبث بها وتحريرها كما يشاء .. دون وجود أي شريط في كامل العملية الإنتاجية .. وهنا تظهر نقطة قد لا ينتبه لها الكثير : تطبيق السينما الرقمية سوف يعيد تعريف السينما من الأصل في القواميس , وسيغير تعريف الكثير من المصطلحات المتعلقة بالكاميرا أو بعمليات صنع الفيلم .. فالفيلم المتحرك لن يعود مجموعة من الصور المتتابعة المطبوعة على شريط من مقاس معين , الفيلم سيصبح مجموعة أرقام ثنائية .. المونتاج لن يكون في أجهزة ضخمة خاصة بالمونتاج بل في جهاز كمبيوتر عادي .. على أية حال , هذه التقنية في التعامل مع الصور والأجسام المتمثلة في السينما الرقمية , تسمح للمخرجين بالكثير من المميزات , وتؤدي إلى طرق مختصرة كثيرة في الصناعة السينمائية سنذكرها فيما بعد .. والأهم أنها رخيصة جداً بل تكاد تعتبر بالمجان مقارنة بالكاميرات التقليدية وشرائطها باهظة الثمن .. كما أن إحدى أهم المميزات هو أنه ومهما تم عرض الفيلم الرقمي ومهما تم نسخه فإن سيل المعلومات ينتقل تماماً كما هو في النسخة الأصل , ما دام القرص الرقمي سليماً في الأساس , بعكس لفافات الأشرطة الحساسة جداً والتي ينبغي التعامل معها بحذر , إلى جانب أن تكرار عرضها أو نسخها أو تعرضها للغبار أو الحرارة أو المجال المغناطيسي يعرضها لخطر كبير يمكن أن يتسبب في إتلافها ..