الموسيقى
تعتبر الموسيقى هى الشكل الثالث للصوت . وليس من السهل وضع الموسيقى أثناء تصوير الفيلم كما هو الحال مع الحوار والمؤثرات الصوتية . ولهذا
فإن الموسيقى تؤلف عادةً بعد أن يتم المونتاج . وهى تعتبر مرحلة مكملة ، ومتممة ، للحالة المزاجية والإيقاع فى القصة ، والتصوير والمونتاج .
وهناك استثنائين لهذه القاعدة وهما أفلام الرسوم المتحركة والأفلام الموسيقية . ففى أفلام الرسوم المتحركة ، يتم تأليف الموسيقى وتسجيلها أولاً , ويتم قياس الموسيقى تبعاً لعدد الكادرات فى الفيلم ، والمعلومات المسجلة عن هذه الكادرات . وحين يتم الإنتهاء من الفيلم يكون مطابقاً للموسيقى فى الكادرات .
أما فى الأفلام الموسيقية ، يتم تصوير الأبطال وهم يغنون ويرقصون على أنغام الموسيقى الأمر الذى يتطلب تأليف وتسجيل الموسيقى مسبقاً . وتحمل الموسيقى المؤلفة خصيصا للأفلام نوعاً من التميز عن غيرها . فهى تؤلف لتدعم عناصر الفيلم من تصوير ، ومونتاج ، ومحتوى القصة ، وليس من المفترض أن تقدم هذه الموسيقى بمفردها ، فهى مرتبطة بالفيلم الذى ألفت لأجله . وعلى الرغم من ذلك ، تنتشر بعض أنواع الموسيقى وأغانى الأفلام كقيمة فى ذاتها . ولكن يكون ذلك في حالات قليلة ، لأن هدف هذا النوع من الموسيقى هو الإسهام الدرامى فى الفيلم ، عن طريق الألحان المرتبطة بالشخصيات ، وتلك أيضاً المتعلقة بالأماكن ، والحالة المزاجية ، ودرجة السرعة ، والتتابع ، والتأكيد الدرامى ، والتحذير ، والهجاء ، والفكاهة ، ويمكن أن تعامل الموسيقي أيضاً كوسيلة إنتقال من مشهد لآخر ، وإضافة معلومات .
1- اللحن الرئيسى للبطل :
يؤلف هذا اللحن خصيصا للتعريف بشخصية معينة Character Themes . ومن أشهر الأمثلة على ذلك اللحن المشهور الخاص بشخصية “لارا” فى فيلم “دكتور زيفاجو” . ففور حدوث هذا الربط بين اللحن والشخصية ، يمكن ان يُعزف فى أى وقت ، وأى مكان فى الفيلم ، لإثارة ذكرى الشخصية . ففى الفيلم ، كلما ذهب دكتور زيفاجو ليرى حبيبته، أو تذكرها ، أو كتب عنها ، أو فاز بها ، أو خسرها ، أو لمحها وسط الزحام ،
كان يتم عزف ” لحن لارا ” .
2- اللحن الخاص بالمكان :
إن الألحان الخاصة بالمكان Locale Themes تساعد فى توجيه المتفرج وإثارة مشاعره لأحداث مرت مرتبطة بمكان معين . فمثلاً
مدينة تكساس الأمريكية لها لحنها الخاص الذى يعزف على الهرمونيكا ، وكذلك منطقة القناة في مصر , ومناطق الخليج , والمغرب العربي . وفور
أن يتم تقديم اللحن مرتبطاً بالمكان ، يمكن أن يُعزف بعد ذلك فى الفيلم ، لإستدعاء ذكريات هذا المكان وأوقاته وناسه .
3- الحالة المزاجية :
يمكن أن يتم التعبيرعن الحالة المزاجية Mood لمجموعة من المشاهد بالموسيقى الخاصة بها . فمثلاً حفلة تتويج الملك يمكن أن تصور بصورة هزلية أو بجلال ، إعتماداً على نوع الموسيقى المصاحبة . كما يمكن تحويل الإحساس بالسعادة على الشاشة إلى شعور الإحساس بالخطر ، نتيجة لأن الموسيقى المعزوفة توحى بأن شيئا خطراً على وشك الحدوث . ويمكن أن يكون موت رجلا مثلا خبراً سعيداً ، إذا ما صاحب ذلك موسيقى مرحة . ولكن فى بعض الأحيان ، يمكن أن تكون الموسيقى مستقلة عن الصورة وتظل تؤثر فيها . فمثلا يستخدم بعض الأوروبيين أمثال انجمار بيرجمان Ingmar Bergman ، الموسيقى الكلاسيكية لمصاحبة الأحداث المهمة فى أفلامهم . فوقار الموسيقى يكسب الفيلم وقاراً واحتراماً ، بصرف النظر عن جوهر الفيلم نفسه . فكان مثلاً المخرجون الشيوعيون يستخدمون الموسيقى الكلاسيكية لتوقير وإضفاء الهيبة على أفكارهم الايديولوجية .
4- السرعة :
إن درجة السرعة tempo فى الفيلم تعمل بصورة مكملة للحالة المزاجية للموسيقى ، وللحركة الدرامية السريعة على الشاشة . فمشاهد الذروة هى تلك التى تحمل موسيقى ديناميكية ، والتى تزيد من التأثير الدرامى للمشاهد ، دون جذب انتباه المتفرج إليها فى ذاتها . ويتم عمل مونتاج هذه المشاهد بالتزامن مع مسار الصوت ، حتى يتم الوصول للدقة فى عرض الصورة والصوت ، مما يزيد من قوة وبروز عنصر السرعة فى الفيلم .
5- موسيقى التتابع :
تستطيع الموسيقي أن تربط بين مجموعة من المشاهد التى ليس بينها علاقة ، كمشهد المونتاج الذى يصف رحلة سفر أو رحلة بحث مثلا. تعكس الموسيقى هنا روح الحركة الدرامية فى المشهد ، وتستمر بصورة مستقلة عن حركة موضوع التصوير نفسه . ففى فيلم Butch Cassidy and the Sundance Kid دفعت قسوة القوانين الزوجين إلى السفر إلى بوليفيا ، وكان دور الموسيقي هو الربط بين مشاهد السفر من مدينة إلى مدينة ، وإرتقاء المركب الى امريكا الجنوبية ، ثم الوصول لبوليفيا . وقد تم تغطية 8 آلاف ميل فى دقائق ، من خلال الموسيقى .
6- التأكيد الدرامى :
يعتبر التأكيد الدرامى Dramatic Emphasis فى الفيلم من وظائف الموسيقى الأساسية . فالكلمة الواحدة ، أو الجملة ، أو حتى صوت الضجيج ، قد يكون محملاً بمحتوى درامى جوهرى ، لكنه قد لا يصل إلى المتفرج ، أو ربما يصل ناقصاً ، إذا لم تصاحبه الموسيقي . وقد كانت تُستخدم الموسيقى بغزارة ، كتلك الأفلام المستدرة للدموع فى فترة الحرب العالمية الثانية . فحين يعرض التليفزيون الآن مثل تلك الأفلام القديمة ، تصاحبها ضحكات ساخرة من الجمهور لأن كل استدارة من البطل تصاحبها لازمة موسيقية . ولكن الآن أصبح الإتجاه مختلفاً فى درجة إستخدام الموسيقى ، حيث أصبح من المفضل توفيرها للأزمات العميقة فى الفيلم ، مع التوازن فى استخدام العناصر الأخرى كالحوار والمؤثرات الصوتيه فى عملية التأكيد الدرامى .
ويمكن استخدام الموسيقى للتأكيد الدرامى فى الأفلام التسجيلية والتعليمية . فمثلا فى فيلم “Thursday’s Children” ، فعندما استطاع طفل أصم وأبكم أن يتكلم كلمة لم يسمعها من قبل ، صاحبتها موسيقى منتصرة على آلة الفلوت .
7- الموسيقى التحذيرية :
تعطى الموسيقى التحذيرية Premonition الشعور بأن شيئاً على وشك الحدوث . ففى فيلم The Diary of
Anne Frank، تتكلم الشخصيات عن مستقبلهم فيما بعد الحرب ، وفى خلال ذلك تُعزف موسيقى ثقيلة تحذيرية تتنبأ بأن حجرات الغاز فى معسكرات التعذيب هى مستقبلهم الوحيد . وغالباً فى كل أفلام الحروب ، كانت هذه هى نوعية الموسيقى التى تعزف وتحذر بقدوم معركة مع العدو ، ويتعرف عليها المتفرج بسهولة ، وتكون خاصة بموسيقى وطنية أو عرقية .
8- الموسيقى التفسيرية :
إن الموسيقى التفسيرية Commentative music هى أغنية راقصة خفيفة ، تعبر كلماتها عن مشاعر وأفكار ليس لها نظير مرئى من الصور . وغالباً ما تستخدم لتقديم فكرة الفيلم الرئيسية ، أو أن تعبر عن الأفكار الداخلية للبطل ، أو تعبر عن هجاء لأحد الشخصيات . فمثلا فى فيلم “الخريج” The Graduate، عبر الكورس عن إزدراءه لإمرأة فى منتصف عمرها على علاقة مع بينجامين ، تستخدم الأغنية هنا كبديل عن استخدام التعليق على لقطة قريبة لوجه ساكن .
9- الموسيقى الهجائية والفكاهية والإنتقالية والتعليمية :
تستخدم الموسيقى لأكثر من هدف وبطرق مختلفة . وتلك هى أمثلة عن الطرق المختلفة لإستخدام الموسيقى . فيمكن ان تُستخدم الموسيقى الهجائية Satire فى مشاهد لجيوش هتلر ، وهى ترتاح بجانب الطريق فى فيلم تسجيلى ، وهى موسيقى مشوهة ، ومتقطعة ، لأغنية رقيقة معروفة ، يُهدهد بها للطفل قبل نومه . أما فى الفكاهة Humor، فتُعزف فى حالة تقليد طريقة سير شخصية أو مظهرها . وتُستخدم الموسيقى أيضا كوسيلة إنتقال
Transition من مجموعة مشاهد إلى أخرى . والموسيقى التعليمية Information يمكن أن تأخذ شكل الفلكلور الهندى مثلاً ، للتعريف بالثقافة الهندية فى فيلم تعليمى . وليس هناك أية وسيلة لتحديد الإختلافات والتنوعات التى يستطيع أن يسهم بها مؤلف موسيقى موهوب فى الفيلم . ذلك فى ماعدا الأفلام الموسيقية التي تكون فيها الموسيقى هدفاً فى ذاتها , ولكن هناك نقد واحد موجه لهذا العنصر من الموسيقى هو أنها تعتمد على شعور وعاطفة المتفرج أكثر من وعيه .
أما الواقعية فى الأفلام التسجيلية والدرامية فتستخدم الحد الأدنى من الموسيقى ، حيث أنها تُوفر للحظات التصعيد العاطفى فى الفيلم ، كلقطات القتل والغرق
مثلا، مما يزيد من التأثر الدرامى الكبير ، كما أن عدم استخدام الموسيقى فى الأجزاء الأخرى ، يعطى تأثيراً مضاعفاً لتلك اللقطات التى تستخدمها .