“منير كباس”.. الصور التوثيقية الأولى لـ”اللاذقية”
لم يمضِ وقت طويل على اكتشاف التصوير الفوتوغرافي في العالم حتى وصلت طلائع المصورين إلى “اللاذقية”؛ موثقة تاريخها وأمكنتها وناسها.
للحديث عن تاريخ بواكير التصوير الضوئي في “اللاذقية”، التقت مدونة وطن “eSyria” بتاريخ 15 كانون الثاني 2013، المصور الفوتوغرافي المهندس “منير كباس” (59 عاماً)، وهو يجهز حالياً لطباعة أول كتاب من نوعه عن تاريخ التصوير الفوتوغرافي في “اللاذقية” خصوصاً، والساحل السوري عموماً، وقد تحدث السيد “كباس” قائلاً: «اكتشف التصوير الضوئي عام 1839 في فرنسا، وبعد عشرين عاماً وتحديداً في عام 1859، مر الجغرافي الفرنسي “أمانويل راي”؛ المختص في دراسة القلاع والقصور الصليبية بمدينة “اللاذقية”، وقد ضمت بعثته المصور “لويس دوكلير” Louis de Clereq 1836-1901؛ الذي قام بتسجيل أول صورة لمدينة “اللاذقية” بطريقة بانورامية تظهر جامع “المغربي” وما حوله (مرفقة مع الصور وتعرض للمرة الأولى على المواقع العربية)، وقد تمكنت من تحديد النقطة التي التقط منها الصورة، وهي حالياً سطح ما كان يعرف باسم “دير الموارنة” مقابل جامع “البازار”، وصورة أخرى لبلدة “جبلة” تظهر داخل وخارج المدرج الروماني وما حوله، فكانت هذه الصور أول الصور للمحافظة في تاريخ التصوير الضوئي، وهي بنسخها الأصلية محفوظة اليوم في متحف “اللوفر” الفرنسي، ضمن كتاب “رحلات إلى الشرق”».
وتابع السيد “كباس” حديثه قائلاً: «ثم مر بمدينتنا المصور “أدريان بونفيلز Bonfits” ما بين العامين 1890- 1895، مسجلاً ثلاث صور لمدينة “اللاذقية”، وهي: صورة للمرفأ، وأخرى لقوس النصر، وصورة ثالثة لمعبد قديم على طريق “رأس شمرا”، كما سجلت صور لـ”اللاذقية” من قبل الدكتور “جيمس بالف”؛ وهو أول طبيب مقيم في المدينة أتى مع الحملة التبشيرية البروتستانتية عام 1897، تظهر رجلاً بزيه التقليدي، وخلفه موقع المدارس التبشيرية (مكان مستشفى الأسد حالياً). كما مر بـ”اللاذقية” أيضاً المصور الفرنسي “رينيه دو بارك” في عام 1905، وسجل بعض الصور التي ترصد الحياة الاجتماعية، تم إصدارها بشكل بطاقات بريدية».
وأشار السيد “كباس” إلى
المهندس منير كباس |
أنه لم يُلحظ وجود أو إقامة مصور ضوئي سواء أكان من أهل المدينة أم من خارجها قبل العشرينيات من القرن الماضي، إلى أن جاء المصور الفيتنامي “هوان فان تيان” Hoan Van Tian 1890 -1957، مع الجيش الفرنسي عام 1918، وعند انتهاء خدمته معه عام 1922، بدأ يعمل في التصوير، وقد سجل بنشاط منقطع النظير جميع معالم “اللاذقية” الاجتماعية والتاريخية والسياسية، فكان عن حق رائداً للتصوير الضوئي في المدينة، والصور المنشورة لتلك الفترة تمت على فترات؛ امتدت من عام 1922 إلى عام 1929، ويتم تمييزها من طريقة كتابة اسم اللاذقية” على البطاقات، إذ كان يستخدم حروفاً مختلفة بحسب الإصدار، تظهر على الصورة كلمة “Lattaquié”.
من أهم عوامل استمرارية “هوان” في عمله التوثيقي -غير المقصود- هو قيام اثنين من أبناء المدينة، هما: “جميل عقيلي”، و”شفيق ماميش”، بتمويل وإصدار صور التقطها “هوان” على شكل بطاقات بريدية، فكانت الحصيلة ثلاث مجموعات من الصور تحوي كل مجموعة منها اثني عشر منظراً مختلفاً يرصد معلماً معيناً من معالم “اللاذقية”، الأمر الذي أدى إلى انتشار تلك البطاقات في جميع أنحاء العالم، فقد وجد منها في: (مصر والسودان وفرنسا)، وطبعاً لم ترسل كلها من “اللاذقية” إنما وجدت هناك بطريقة ما قد تكون من قبل دار الطباعة الفرنسية التي طبعت تلك البطاقات، وهي: “Catala freres”، بعضها كتب عليها: إصدار “جميل عقيلي وشفيق ماميش”، أما الغالبية، فقد كتب عليها: إصدار “شفيق ماميش” فقط، إلى أن أصدر “ماميش” في مدة متأخرة مجموعة من البطاقات البريدية تحت اسم Photo Hoan».
وأضاف: «من الحكايات التي تروى عن “هوان” أنه كان يلقب نفسه بـ”الأندو شيني”، ويتكلم العربية مكسرةً، بينما لقبه أهل المدينة بـ”الشيني”؛ أي الصيني بعد أن تزوج فتاة من المدينة، وأصبح واحداً من أهلها،
الصورة الوحيدة للمصور هوان.. |
وعندما حضرت السيدة “أم كلثوم” لتقدم حفلتها الشهيرة في مقهى “شناتا” عام 1930، استدعته للتصوير وعرضت عليه مقابل كل صورة عشرة قروش، فيما طلب هو خمسة عشر قرشاً، فرفضت فتركها ومشى، وضاعت بذلك صور كانت ستضيف إلى سيرة المدينة حدثاً مهماً، وقد بقي “هوان” يصور في مدينة “اللاذقية” حتى عام 1942، حين غادرها إلى “بيروت”، وتوفي عام 1957، ودفن فيها».
في نهاية العشرينيات تقريباً ظهر مصور أرمني يدعى “بابازيان” صور أيضاً في المدينة عدداً مهماً من الشوارع والأمكنة داخل وخارج “اللاذقية” المدينة، وقد كان يكتب على الصور التي يلتقطها بخط يدوي ذاكراً أسماء المناطق التي صورها، من بينها صورة مهمة جداً لـ”رأس شمرا” (أوغاريت) عند بدء عمليات التنقيب الأثرية فيها عام 1929، وصور أخرى من بينها صورة جوية للمدينة.
وبعد “هوان” لم تسجل فوتوغرافيا الحركة العمرانية والاجتماعية في “اللاذقية” بهذه الاستمرارية والدقة إلا ما بين عامي 1959- 1960، من قبل المصور “طوروس”، وهذا المصور كما قال المصور المهندس “قيس محجازي”: «اسم “طوروس” في الحقيقة هو اسم استوديو كان يضم اثنين من الإخوة، واحد منهما اسمه “طوروس”، كان الاستديو الخاص بهما في “شارع الحرية” قرب بناية الأخرس جانب ثانوية الأرض المقدسة، ويستحق أحدهما لقب فنان ضوئي مبدع، وعندما توفي استمر شقيقه بممارسة المهنة، ولكن عندما توفي الثاني توقف الورثة عن ممارسة المهنة واستبدلوها بمهنة أخرى، استمر نشاطهما من أوائل الخمسينيات حتى أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، وقد كلف بشكل رسمي من قبل حكومة الوحدة بين “سورية ومصر” برصد وتسجيل المنشآت الاقتصادية والسياحية العامة والخاصة، بغية إصدار دليل اقتصادي عن “اللاذقية”، فكان حصيلة ما صوره مجموعة ضخمة من الصور تسمح للدارس المهتم أن يقارن بين لاذقية “هوان” في العشرينيات، ولاذقية “طوروس” في الستينيات.
أول صورة لمدينة اللاذقية للمصور “دو كلير” |
بعد الستينيات ظهر العديد من المصورين من أبناء المدينة، فكان أول من مارس التصوير في “جبلة” المرحوم “مأمون مورلي”؛ الذي يتابع أولاده إلى اليوم هذه المهنة، وفي “اللاذقية” ظهر العديد من المصورين المحترفين الذين سجلوا تطورات المدينة بعدساتهم.
وعلى صعيد الريف اللاذقاني بدأت حركة التصوير متأخرة حتى ما بعد منتصف الستينيات تقريباً.
في حديث سابق قال المصور الضوئي المعروف “عبد الحميد هلال”، وهو من أوائل من صور مناطق وعادات وتراث أهل الريف: «بدأت التصوير تقريباً أوائل السبعينيات مستخدماً كاميرا روسية بالأبيض والأسود، ثم انتقلت إلى الملون أوائل الثمانينيات، وأنا اليوم أرفض الدخول في عصر الديجيتال وأصرّ على التحميض والأفلام».