براندون ستراتون.. شاب حاول مد جسور التواصل الإنسانى بعدسة كاميرته
تحكى تجربته: إنجى ضيف
شاب خجول لم يدرس التصوير بشكل احترافى استطاع أن يصبح أحد أمهر المصورين فى العالم بحسه المرهف القادر على إبراز أصدق ما فى الناس وقدرته على التآلف مع الغرباء ولمس قلوبهم..إنه الشاب الذى خرج علينا بلقطاته لغرباء مدينة نيويورك من حيز ذلك المكان لتبدأ جولاتها فى العالم لتبعث ومضات من الأمل والصدق وتمد الجسور بين شعوب الأرض.
فى إحدى ليالى صيف 2010م بعد أن أتم من العمر حينذاك 26 عاما انتقل براندون ستراتون الخجول بطبعه والقادم من ولاية جورجيا من أتلانتا إلى نيويورك بحثا عن عمل بعد أن فقد آخر وظيفة له.
دفء التواصل الإنسانى
فى تلك الليلة الأولى أدرك أنه لا يعرف أحدا على الإطلاق فى هذه المدينة التى تضج ازدحاما فى كل جنباتها لكنه شعر فى الوقت ذاته أنه ليس وحيدا وأن هناك كثيرين مثله. وقرر براندون أن ينشئ صفحة على الفيس بوك تجمع لقطات لأشخاص فى نيويورك لا يعرف أحد عنهم شيئا لكن كلمات قليلة يعبرون بها عن موقف من حياتهم تحكى الكثير وتثبت أن أوجه تشابه البشرالحقيقية رغم كل اختلاف هى تلك الخفقات التى يشعر بها أحدهم تجاه موقف أو مشاعر أو تجربة إنسانية خاصة بآخر.
بكاميرتيه الاثنتين ورغم أنه لم يدرس التصوير ورغم خجله المتأصل فى شخصيته وجد نفسه قادرا على أن يسأل الناس أسئلة بالغة التوغل فى حياتهم الخاصة وشعر بدفء هذا التواصل الإنسانى فى أجمل صوره بشكل دفعه تلقائيا على الاستمرار. وأطلق على الصفحة اسم بشر نيويورك «HumansOfNewYork» وأصبحت أكثر رواجا باختصار الأحرف الأولى «HONY» وبعد خمس سنوات وصل عدد متابعى الصفحة إلى 80 مليون شخص. وفى عام 2013 قام براندون بجمع مجموعة من أجمل اللقطات والمواقف التى سجلتها كاميرته فى كتاب حقق مبيعات خيالية وظل لفترة طويلة متربعا على قوائم الكتب الأكثر رواجا.
-لماذا أصبح الشاب الخجول ملء السمع والبصر؟!
عندما يتحدث الناس عن سر تعلق الناس بـ «HONY» فهناك شبه إجماع على النقاط الآتية:
• أولا.. استطاعت كاميرا براندون أن تلتقط ومضات إنسانية رائعة ليس بالضرورة أنها تنطق كلها بالسعادة والنجاح فكثير من الكلمات تتحدث عن اعترافات مؤلمة أو فقدان لعزيز، لكن الثابت أن صدق المشاعر الإنسانية فيها يلمس القلوب على اختلاف أصحابها.
• ثانيا..إذا كنت تعتقد أن الصورة الأساسية الموضوعة والكلمات التى تصاحبها هى أجمل ما فى الموضوع فأنت مخطئ الأجمل بكل المقاييس هو تعليقات الناس على كلمات صاحب الصورة وما تحمله من تعاطف وتقبل وتفاهم ومشاركة إيجابية فى أروع صورها.
• ثالثا..حرص الرجل كان منذ البداية باديا فيما يتعلق باحتواء الناس على اختلافهم وإبراز أن ظاهر الأشخاص يخفى بداخلهم دررا كامنة من الحب والإنسانية.
• رابعا..أن الرجل دائم البحث عن سبل لمساعدة الآخرين عبر صفحته حيث استطاع أن يمول العديد من المدارس ودور رعاية الأحداث عن طريق لقطاته.
• خامسا..لم يتوقف الرجل عند نيويورك فبدأ أولا بتخصيص أسابيع لمشاعر بعينها كحب الرجل والمرأة مثلا ثم حب الوالدين.. إلخ ثم انتقل إلى تخصيص أسابيع من لقطات تمثل إما فئات معينة أو شعوبا مختلفة.
عندما خصص براندون أسبوعا لإلقاء الضوء على لمحات من حياة أهالي طهران كان الملايين يتابعون باهتمام بالغ – خاصة من الغرب- حياة إناس كانوا بالنسبة لهم علامة استفهام كبيرة لعقود طويلة ليدركوا يوما تلو الآخر خلال هذا الأسبوع كيف هو متميز ذلك الشعب من ناحية وكيف يتشابه مع الآخرين بشدة من ناحية أخرى. وعندما خصص براندون مؤخرا أسبوعا آخرا للقطات من حياة اللاجئين السوريين فى أوروبا وكأن نهرا من الخير والحب بدأ يتدفق فيما يتعلق بردود أفعال الناس تجاه ما يرويه هؤلاء الذين تركوا وراءهم كل شيء بحثا عن الأمان.
قصص لمست القلوب
شيء ما فى تلك المساحة يجعل حتى أكثر الناس تكتما وانغلاقا على آلامهم يفتحون قلوبهم ويسردون من القصص والأسرار والمشاعر ما ظل دفينا سنوات طويلة.
المغامر المصرى عمر سمرة الذى صنع التاريخ بوصفه أول مصرى يصل إلى قمة جبل إفرست أعلى قمم العالم قبل أن يتبعه بإنجازات أخرى ظل سنوات يطوى بداخله ألم فقدان زوجته بعد ولادتها ابنتهما فى إحدى المستشفيات الأمريكية لم يتحدث سوى على تلك الصفحة ليكتب كلمات تنطق بحب لا مثيل له تحكى عن تعارفه عليها ولحظات وفاتها وفجرت كلماته فيضا من تجاوب الناس وتعاطفهم معه كما لفت بعضهم النظر إلى مؤسسة خيرية أنشأها سمرة باسم زوجته التى كانت تعشق الأطفال تعنى بإيصال ألعاب للأطفال الفقراء فى أماكن مختلفة من العالم.
وعن الحب قالت امرأة قعيدة: «طوال عمرى وأنا أعانى من مشاكل فى الجهاز العصبى ومؤخرا لم أعد أقدر على المشى، كنت دوما متفائلة ولكننى أعانى كثيرا من الاكتئاب. لم ألتفت يوما وأجده بعيدا عنى يساعدنى على التغلب على أحزانى ويقول لى: عندما تصبح الحالة أفضل أنوى أن اصطحبك فى رحلة حول أوروبا. وعندما قلت له إننى لا أستطيع تحمل رحلة إلى نيويورك حاليا قال لى إنه سيرافقنى على الكرسى المتحرك إلى كل أنحاء المدينة وقد كان. وفى قمة إحباطى يوما ما قرر أن يجدد معى نذور الزواج».
شاب أسمر قال: «بعدما توفيت جدتى ولدت زوجتى فتاة وكنت فى منتهى السعادة لأننى أعتقد أن الرجل السعيد هو الذى يوجد فى عائلته إناث كثيرات: ابنة وعمة وخالة وزوجة..إلخ. قد يربت على كتفك فى وقت الآلام صديق ويقول: كل شيء سيصبح على ما يرام ولكن أبدا لا يكون وقع الكلمات كوقعها إذا خرجت من فم امرأة صادقة.
أحد اللاجئين السوريين فى أوروبا حكى: «شهر كامل لكى أصل إلى النمسا، قابلت رجلا قام بمساعدتى وذاكرت اللغة الألمانية بدأب ونهم 17 ساعة فى اليوم لمدة سبعة أشهر حتى أتقنتها كأهلها. والآن مثلت أمام قاض من النمسا وأصررت أن يتم إجراء المقابلة بالألمانية وبعدها قال لى: يا بني أنت الآن مواطن نمساوى.»
صورة طفل على الصفحة كتب أسفلها: مديرة المدرسة هى مثلى الأعلى، لا تعاقبنا بل تتحدث إلينا كلما أخطأنا ولا تمل. تقول: «كلما تسرب صبي من التعليم تستعد السجون إلى أن تفسح بداخلها لمكان آخر». في أحد الأيام مرت على التلاميذ فى المدرسة وجعلت طالبا تلو الطالب يقف لتقول له فى وجهه وهى تنظر إلى عينيه: «أنت مهم وقادر على إحداث فارق فيما حولك».