3- القيادة:
لعل القيادة في العمل السينمائي تنحصر في عمل المخرج السينمائي كما هو معهود منذ نشوء السينما وهو امر لا يختلف عليه اثنان، سيما وان هنا مصطلح في معجم الفن السينمائي بمخرج نعم مخرج لا، أي ان المخرج يمسك زمام الامور بصورة حاسمة وجازمة ودون ان يحاول أي من المشاركين او المساهمين في العمل السينمائي، لذلك فالمخرج هو الذي يقول نعم او لا ودون ان يعطي او يبين الاسباب وبشكل مطلق، الا ما شاء او سنحت له الفرصة في تبرير ما اراده وحسب ظروفه، فهو يحمل العديد من الاسباب والدوافع التي تجعله ان يستبد في رايه واوامره الفنية او في ان يصر على موقف ما كونه يحمل الرؤيا الشاملة للعمل بصورة متكاملة وكونه يدرك كل الامور التي تحدث في سير مجرى الاحداث الدرامية وسير العمل الفني ايضا، فهو لا يمكن ان يبرر أو يفسر لكل ما يريده من العاملين من صغيرة وكبيرة ذلك لوقته الضيق والثمين، وكذلك لا يمكن ان يجادل من يحاول ان يعارضه او يناقشه اثناء التصوير كون ان المناقشة مرفوضة بالاساس لانها تعود بكثير من السلبيات على العمل كالخسائر المادية التي تنشب من استغراق الوقت حيث ان الاجهزة والمعدات المستخدمة في التصوير اغلبها مستاجرة، وتاخير أي دقيقة او ساعة سيحمل العمل نفقات اضافية في الايجار، وكذلك هناك ممثلين ربما يكونوا نجوم كبار لا يمكن لهم ان ينتظروا او يسرفوا في وقتهم فهم مرتبطين باعمال اخرى ولهم مواعيد محددة، وان أي مناقشة او جدال في العمل مع المخرج من شانه ان يترتب عليه استغراق في الوقت وهو ما غير مرغوب فيه اثناء التصوير، الامر الذي يجبر كل العاملين في الانصياع لاوامر المخرج الذي يقود العمل لذا فهو يقول نعم او لا فقط اثناء التصوير.
الواقع ان ما ذكرنا بشأن مخرج نعم او لا انما هى الشروط الواجب اتخاذها او الاستناد عليها اثناء التصوير وبنفس الوقت هي تقاليد معهودة في اغلب المؤسسات العالمية التي تعتمد النظام والمعايير القياسية في العمل وليس لنا دخل في المؤسسات المحلية البائسة او فى الاعمال غير القياسية، او غير نموذجية التي لا تعتمد هذا الاسلوب او النظام في العمل كبعض المؤسسات الانتاجية العربية التي يتدخل فيها ابسط العاملين بصميم عمل المخرج اثناء التصوير ليكبد العمل خسائر فادحة جراء المجادلة او المناقشة وجراء الاقتراحات والاسهامات المفاجئة، فقد لوحظ في الكثير الاعمال العربية وخلال التصوير المزيد من المقترحات والمناقشات اثناء التصوير وهي ما تربك سير العمل وما تخلق مزيد من التباطؤ في انجاز مراحل التصوير وكأن العاملين مع فريق العمل يجربون عملهم وان العمل قد طرأ للتو او حدث بشكل مفاجئ لهم، حيث يفترض ان تكون المناقشات والمقترحات في العمل اثناء مراحل التحضير أي قبل مراحل التصوير وهو معروف في اغلب المؤسسات النموذجية في الانتاج فهناك مرحلة تسمى بمرحلة التحضيرات تتم فيها اجتماعات موسعة ودقيقة ويتم خلالها مناقشة ارفع واعقد الامور فنطرح فيها كل الاقتراحات والمناقشات والمجادلات مع المخرج او الكاتب او مدير التصوير او المنتج وحين يبدأ التصوير لا احد يناقش او يتفوه او يجادل سوى المخرج الذي يقود العمل بالكامل وعلى سبيل المثال هناك تحضيرات لبعض الاعمال استغرقت اكثر من ثلاث سنوات وجرت خلال فترة التحضير المزيد من المناقشات والمجادلات والتعقيدات والمفاوضات والاتفاقيات وما الى ذلك وحين بدأ التصوير انتهى كل شيء واصبح التصوير بمراحل التنفيذ دون أي جدال او مناقشة تزعج المخرج الذي ينفذ عمله بمخيلته التي رسمها قبل التصوير، ولعل المخرج مصطفى العقاد الذي اخرج فيلم الرسالة قد استغرق اكثر من ثلاث سنوات في التحضير لهذا الفيلم ومن ثم بدا بمراحل التصوير حيث تشير احدى المجلات قي لقاء مع المخرج ان التحضيرات لانتاج الفيلم بدات في عام 1968 حتى بدأ التصوير عام 1973.
اذن القيادة تقتصر على المخرج السينمائي في مراحل التصوير وفي مراحل ما قبل التصوير الا ان المخرج وفي اغلب الاحيان عندما تكون هناك مجاميع كبيرة في العملية الانتاجية وتحديدا في عمليات التصوير يستند المخرج الى توزيع العمل على مجاميع وذلك لتحقيق تنظيم ومركزية في العمل بشكل عام، غير ان مراحل التصوير لا يمكن ان تتم بشكل جازم من قبل المخرج كون ان المخرج لا يتدخل في اكثر الاحيان اثناء التصوير بعمل الكاميرا التي تلتقط المشاهد والتي تصبح فيما بعد فيلم متكامل، حيث ان المصور السينمائي الذي ينظر في الواجد (viewer ) او (view finder ) هو اخر من يحدد وينفذ ما سيظهر في اللقطة من كتل او الوان او اشكال او أي حركة، بمعنى ان زمام الامور في الالتقاط سوف يكون بيده من التقاط حركة ما او شكل ما او أي شيء يظهر في اللقطة وهو امر يعكس الدور الرئيسى للمصور في قيادة اللقطة التي قد تكون متشتتة او قد تكون غير محددة من حيث نوع العدسة ومن حيث رقم الفتحة او عمق اللقطة وشدتها ووضوحها (focusing) وبالتالي يكون على المصور واجب للتغيير فيما لو كانت اللقطة غير مقنعة او غير مضبوطة من حيث حركة الكادر او حركة الممثل او الاكسسوار، وهو الامر الذي يستدعي مزيد من التدخل سواء بالاتفاق مع المخرج او من خلال صلاحيته التي يتمتع بها في بعض الأحيان لتحقيق التغيير الذي يدعم ما هو متفق عليه في التصوير مع مخرج العمل أو ما هو ضروري يهم لتفادي السلبيات التى قد تعود بنتائج غير مرغوب بها في التنفيذ للعمل.
إن طبيعة التنظيم في العمل السينمائي تحتم تقسيم العمل حسب التخصصات اثناء العمل، فعلى سبيل المثال يكون فريق الإضاءة مكون من مجموعة من المنفذين قد يصل عددهم في بعض الأعمال السينمائية الضخمة إلى مائة شخص وكذلك هناك على سبيل المثال في قسم الازياء مجموعة كبيرة من المصممين والخياطين والمنفذين للملابس ومسؤولين لمخازن الازياء وغيرهم، قد يصل عددهم الى اكثر من مائة شخص، والواقع ان كلاً من الفريقين يقودهما رئيس متخصص لكل فريق رغم ان مخرج العمل يقود العمل ككل حيث ان المخرج على سبيل المثال لا يملك الوقت الكافي في اغلب الاحيان كي يناقش منفذ ازياء او يناقش عامل اضاءة في موضوع ما اثناء التصوير او في تنفيذ هدف ما، فنراه يعتمد على الرأس في فريق الإضاءة او الازياء لتبليغ مطلبه وبطبيعة الحال ان الرأس هنا هو الرئيس الذي يقود الفريق لتحقيق ما هو مطلوب في العمل من قبل المخرج، وفي فريق التصوير تحديدا نرى ان المصور يحمل من المزايا في القيادة تفوق المزايا او الصلاحيات التي يتميزون بها رؤساء الفرق المشاركة في تنفيذ العمل السينمائي، حيث ان المصور يتعامل مع الكثير من العاملين في التصوير من مساعدي تصوير او منفذي عربة الشاريو او منفذي الساند المتحرك او المتنقل (Spool spider ) او منفذي حركة (الكرين) (crane ) او مصممي ومنفذي وعاملي الإضاءة أو مساعد الصوت الذي يحمل عصا الميكرفون (Boom microphone ) او الممثلين الذين يقومون بحركات عديدة أثناء التصوير او المجاميع (الكومبارس) الذين يقومون بحركات عديدة خلال المشاهد او اللقطات وكذلك يتعامل المصور مع المدير الفني ومنفذي الديكور ومنفذي الإكسسوارات والملابس ومنفذين آخرين قد يسهمون في عملية التنفيذ لتصوير العمل السينمائي.
الواقع ان اغلب هؤلاء الذين ذكرناهم انما هم بشكل او باخر يتعاملون مع المصور الذين سيلتقط اخر ما قاموا به من تحضيرات وتنظيمات في صميم عملهم لانجاز مهامهم في التنفيذ، ولا بد ان يكون المصور مدركا ومتيقنا مما سيرشدهم في تنفيذ عملهم في اللقطة الواحدة او في ذلك المشهد وذلك لتجنب الكثير من الاخطاء او السلبيات التي قد تؤخر العمل وتربكه، ان هذه الارشادات او المعاملة والتعامل مع العناصر التي ذكرناها من منفذي ومصممي واخرين في العمل تخلق للمصور سياق لتكون بمثابة نظام يحفز الجموع التي تتقبل تلك التوجيهات كجزء من عملها، وهو الامر الذي يولّد ويكوّن ظروف لان يكون المصور بمثابة المرشد والقائد لهم لتحقيق افضل النتائج خلال التصوير.
في كتاب لوي دي جانيتي (فهم السينما) الذي ترجمه المخرج العراقي الكبير المرحوم جعفر علي نلاحظ تطرق صريح لدور المخرج في قيادة العمل السينمائي من خلال قول المؤلف (عرف عن المصورين السينمائيين انهم يضحكون بتهكم عندما يمتدح النقاد”الاسلوب المرئي” للمخرج. بعض المخرجين لا يهتم حتى بالنظر من خلال ناظور آلة التصوير ويترك مثل هذه التفاصيل كأختيار اللقطة والتكوين والزوايا والعدسات الى المصور)(1)، اذن هناك الكثير من الامور التي يقررها المصور في الاعمال حين يخول في اختيار مثل هذه الأمور وهي ما يترتب عليها ان يتصرف بحسم وارادة دون تردد او قلق كما يتصرف القائد في حسم الأمور، فكما ذكرنا ان المصور في اغلب الأحيان يتعرض الى المزيد من المواقف التي قد تعرقل العمل وتأخره وبحكم الموقع الذي يشغله في التصوير، يكون المصور الحاسم لهذه الامور من خلال فرض رأيه وتدخله المباشر في حزم الكثير من الامور الاخرى التي يقرها المصور، ليس فقط أثناء التصوير بل حتى قبل التصوير كالتدخل فى تحديد المواقع والاوقات المناسبة للتصوير وهي من الأمور التي تندرج ضمن قوة شخصيته القيادية في العمل السينمائي، حيث ان المصور غالبا ما يتدخل ويناقش وفي بعض الأحيان يجادل المخرج قبل التصوير في اختيار مواقع او أماكن التصوير بحكم خبرته وبحكم رؤيته الفنية للعمل، وحتى في بعض الأحيان يتدخل المصور بعمل المخرج أثناء التصوير بايحاد حلول إخراجية من خلال حركة الممثل او مكان الديكور أو الإكسسوارات او طبيعة الملابس وذلك لخلق نوع من الجماليات للعمل او لخلق نوع من الانسيابية للبلورة التي يتوخاها المخرج في بعض الأحيان.