التصوير السينمائي
لم يكن التصوير السينمائي تصويراً كما نعهده اليوم ولم يتبلور بالشكل الذي نلاحظه يتطور يوماً بعد يوم لو لم يبتكر العالم ( ايستمان كوداك ) مادة شفافة بلاستيكية عملت بديلاً عن الزجاج الذي كان مغطى بهاليدات الفضة، حيث ابتكر كوداك مادة ( سيليولودية ) تعمل بمثابة الزجاج المغطى بهاليدات الفضة وتسهل عملية التصوير بكميات كثيرة ذلك لأن هذه المادة السليلودية مادة مرنة يمكن طيها، أي لفها على اسطوانات او بكرات وبالتالي يمكن ان تنظم مجموعة كبيرة من اللقطات الفوتوغرافية، حيث ان التصوير الفوتوغرافي قبل ابتكار ( ايستمان ) لم يكن يحمل من المزايا التي تشجع على تصوير مجاميع كبيرة من اللقطات، كون ان مادة الزجاج غير قابلة للطي الأمر الذي جعلها تلتقط لقطة واحدة وبالتالي اصبح التصوير منفرد والصورة الفوتوغرافية واحدة فقط، وعند دخول المادة السيليلودية في التصوير انتقلت عملية التصوير الفوتوغرافي وتطورت تطوراً ملحوظاً أدى الى ابتكار الصور المتحركة (motion pictures) أي الصورة السينمائية، حيث ان مبدأ التصوير السينمائي يعتمد على تدفق الصور بكميات كبيرة وهو ما يعادل ( 24 ) صورة في الثانية، أي ان الدقيقة الواحدة في التصوير السينمائي تحتاج الى اكثر من ( 1400 ) صورة فوتوغرافية، والساعة في التصوير السينمائي تتطلب الى اكثر من ( 86000 ) ألف صورة وهو الامر الذي شجع على ان يكون الفيلم السينمائي شريط طويل جداً وبطبيعة الحال هذا الطول لا يمكن السيطرة عليه ما لم ينطوي هذا الشريط على بكرة او مجموعة من البكرات.
وقد تطور التصوير السينمائي على هذا المبدأ وابتكر على أثر ذلك مجموعة من الافلام السينمائية المتعددة في القياسات والاحجام والمواد المصنعة او التي تدخل في صناعتها، ومن ثم اصبحت هناك مجموعة من الضوابط الاساسية التي يستند اليها التصوير السينمائي.
ان التصوير السينمائي بالاساس هو وليد للتصوير الفوتوغرافي كون ان كل لقطة من لقطات التصوير السينمائي انما هي بحد ذاتها صورة فوتوغرافية، أي ان كل الشروط التي ينطبق عليها التصوير الفوتوغرافي هي متوافرة في التصوير السينمائي من حيث تحديد الفتحة وسرعة الغالق ونوعية العدسة وما الى ذلك من شروط الطبع والتحميض، حيث تعمل الصورة السينمائية بشكل اساسي على مبادئ التصوير الفوتوغرافي لما يتضمن التصوير الفوتوغرافي من شروط تحديد العملية الفوتوغرافية المتكاملة، بالإضافة الى ذلك تدخل الشروط التي تحدد طبيعة الكادر ومكوناته من كتلة وخطوط ولون وظل وضوء في شروط التصوير السينمائي باستثناء تصميم حركة الاجزاء التي تتحرك داخل اللقطة السينمائية، حيث ان اللقطة السينمائية تتضمن كثير من المكونات المتحركة داخل اللقطة السينمائية ذاتها، وكذلك تتحرك آلة التصوير السينمائي عند التصوير بشكل متعدد ومتنوع لتحقيق اغراض سينمائية جمالية ووظيفية، ولكي نفهم التصوير السينمائي بشكل دقيق لا بد من ان نفهم طبيعة التصوير الفوتوغرافي، حيث كما ذكرنا ان التصوير الفوتوغرافي هو اساس للتصوير السينمائي، اذاً كان لزاماً ان نتوغل في طبيعة التصوير الفوتوغرافي لكي ندرك طبيعة التصوير السينمائي الذي يفوق الفوتوغرافي من حيث كميات الصور والحركة الجمالية التي يخلقها العمل السينمائي، فالعمل السينمائي قد يختلف مع التصوير الفوتوغرافي فقط في ناحية الحركة ومكونات اللقطة ذاتها عما هو متوافر في مكونات اللقطة الفوتوغرافية، اما النواحي التطبيقية في عمليات اظهار او تصوير اللقطات فانما هي لا تختلف عما في التصوير الفوتوغرافي، فالحركة في مكونات اللقطة السينمائية هي التي تجعل وجود اختلاف التصوير السينمائي والتصوير الفوتوغرافي، ذلك ان الحركة هي التي تعطي بعد سينمائي للتصوير كونها تمثل تتابع او تسلسل للمكونات والموجودات في داخل اللقطة ذاتها وهي التي تعمل على ابتكار الضرورات الجمالية والوظيفية في العمل، وهي التي تعمل على بلورة الادراك الحسي والادراك المعنوي للموضوعات التي نرغبها في تحقيق الفكر السينمائي او الفكر الدرامي في الاعلام السينمائي، بينما ان اللقطة الفوتوغرافية تتوقف ابعادها في نفس اللقطة الواحدة رغم انها تحمل ابعاد كثيرة، حيث ان اللقطة الفوتوغرافية رغم قدرتها العظيمة في تفسير الاشياء او الاحداث الجمالية وغير الجمالية انما هي تتوقف بل تتعارض مع اللقطة السينمائية في الحركات، ففي اللقطة السينمائية هناك حركات للمكونات في اللقطة ذاتها، وهناك حركة اخرى للكاميرا السينمائية وبأشكال متعددة ومتنوعة وبأوضاع مختلفة للغاية تسهم في خلق حيوية للموضوعات وحيوية للتفسير وحيوية للجمالية تسعف المتلقي في تمثيل وادراك الموضوعات التي يحققها التصوير السينمائي.
ان التصوير السينمائي حين ظهر كما نلاحظه فى صالات العرض أوحينما ندركه من خلال الحركة التي نراها مستمرة وبفعالية عالية في الفيلم السينمائي الروائي او التسجيلي لم تكن بداياته بدايات محدودة بل انها كانت متطورة ومتلاحقة في تقديم الابتكارات الجديدة، فبينما يتطور الفيلم السينمائي تطورت الكاميرا او وسائل الإظهار والتثبيت وتقدمت ولا زالت تتقدم الى يومنا هذا، فهناك سلسلة من الابتكارات والاختراعات اسهمت في خلق العملية التصويرية واسهمت في بلورة التصوير السينمائي الى حدود واسعة وبليغة، فعلى سبيل المثال كانت العدسات المستخدمة في التصوير السينمائي عدسات وفق حدود ثابتة ووفق امكانيات بسيطة لا يمكن ان تعطي الابعاد والاحجام في تدفق مجموعة من اللقطات مثلما تقدم او تعطي العدسات المستخدمة في التصوير السينمائي في الوقت الحاضر، فلو شاهدنا على سبيل المثال الافلام الصامتة سوف نجد ان حركات الكاميرا وحركات عدسات الكاميرا والمنظور الذي يظهر على الفيلم نلاحظه فقيراً، حيث ان اللقطات في اغلب الاحيان تكون ساكنة على محور واحد، وتكون في نفس الوقت معتمدة بالاساس على حركة الممثل، ونجد ان العدسة المستخدمة انما هي فقط لاظهار مكونات الشكل الذي ترسمه الكاميرا لخلق الافتراض، وكذلك نجد ان الافلام القديمة وخصوصاً الصامتة لا تضمن حركات العدسات او الـ (زوم) ZOOM، فكل الحركات الموجودة في تلك الافلام انما هي حركات تسند الى الممثل والاكسسوارات والديكورات والملحقات المتعلقة بالممثل او الديكور، بينما نجد في الوقت الحاضر في الافلام الحديثة استخدامات عديدة لحركة الكاميرا وحركة العدسات ومستوياتها وزواياها التي تشكل وبالمقارنة مع ما كان معهود في الافلام الصامتة قفزة نوعية في تقدم التصوير السينمائي، وايضاً نلاحظ ان طبيعة الافلام السينمائية باتت متطورة بشكل غير محدود عما كان في السابق من حيث اظهار اللون ودقة الحركة وابراز قوة الصورة السينمائية وحدتها، حيث ظهرت مجموعة من الافلام الملونة ذات الاستخدامات المتعددة والمتنوعة من حيث اللون والحساسية والحجم والابعاد، فهناك جملة من الافلام السينمائية التي ظهرت في العمل السينمائي وتنوعت واختلفت في اظهار الاشكال او الالوان التي يبرزها العمل السينمائي، فنرى انتقال السينما من التصوير ذو اللونين الاسود والابيض الى التصوير بثلاث ألوان، ومن ثم التصوير بالالوان المتعددة، وكذلك نجد ان الافلام السينمائية بدأ يتطور حجمها مع تطور العمل السينمائي، فنرى على سبيل المثال وجود احجام متعددة مثل افلام (M8 ) وافلام ( M 16 ) وافلام ( M 35 ) وافلام ( M 70 ) وافلام من أنواع اخرى متطورة أكثر مما هو في هذه الافلام، وكذلك نجد ان عملية التصوير السينمائي وطريقة العرض السينمائي هي الاخرى بدأت تتطور الى حدود واسعة وبليغة، فقد ظهرت طرق عديدة في التصوير السينمائي والعرض السينمائي تعتمد على ابراز الابعاد الثلاثة وهي ما يطلق عليها السينما المجسمة، وظهرت عروض اخرى تستعين بمؤثرات صوتية وصورية وتستعين بمؤثرات أخرى لبلورة العرض السينمائي بالشكل الذي يحقق تقدم وتطور ملحوظ في السينما.
هناك تقنيات رقمية سينمائية في التصوير السينمائي من خلال استخدام كاميرات تلفزيونية رقمية(HD) ومن ثم تحويلها إلى فيلم سينمائي، حيث استخدم المخرج السينمائي الكبير فرانسيس فورد كابولا هذه التقنية بوقت مبكر في استوديوهاته (زويتروب ) وذلك بان يتم التصوير بأكثر من كاميرا تلفزيونية ومن ثم تتم عمليات المونتاج وفق التقنيات التلفزيونية المعتمدة كان تكون بأربع فيديوات (PLAYER) وجهاز (RECORDER) تسجيل مع جهاز
(SPECIL EFFECT) مؤثرات صورية وتقنيات أخرى كان تكون بالصوت او بالإشارة الصورية وتصحيحاتها ، الواقع ان هذه التقنية بدأت تتحسن إلى حدود غير معقولة فكثير ممن يصورون باستخدام الكاميرا السينمائية ذات الخام السينمائي نوع (70M) أو (35M) أو (16M) بدؤوا باستخدام هذه التقنية التي تختصر الجهد والتكاليف وتقلل من الخسائر او القلق ، حيث ان التصوير السينمائي معقد وغير ميسور وليس لكل من يصور يجيده فهو في غاية من الدقة وأي خطا يرتكب فيه تنتج عنه خسائر بليغة الأمر الذي يجعل عمليات تنفيذه صعبة ومرهونة بالعديد من المختصين والمعدات والمكائن من مختبرات تحميض وطبع وأجهزة تصحيح وأمور أخرى عديدة مرتبطة بالمونتاج والمكساج كالمافيولا وأجهزة التسجيل الصوتي ، والواقع إن هذا الأمر يعزو أيضا إلى أن مختصيه في المجال السينمائي غير متوافرين بدرجة توافر المصورين التلفزيونيين أو الاختصاصين الآخرين بمجال التلفزيون، لذلك كان استخدام التقنيات الرقمية في السينما أشبه ما يكون إنقاذ للكلف والجهود وللوقت المستغرق ، فالتصوير السينمائي مرهون بمراحل الطبع والتحميض ومن ثم التصحيح اللوني وهي مراحل ليس سهلة او بسيطة بل هي تحتاج الى متخصصين والى أجور تصل إلى آلاف الدولارات تحتاج إلى انتظار بمعنى إنها تحتاج إلى وقت إضافي ، بل انه حتى بعد المونتاج هناك مراحل في التصوير السينمائي غاية بالتعقيد والتخصص مثل مراحل المكياج الصوتي والدبلجة التي كثيرا ما تحتاج إلى وقت ومتخصصين في الصوت السينمائي ،وهي ما تحتاج إلى وقت إضافي وإمكانيات غير سهلة ، هذه الأمور المعقدة في التصوير الرقمي أصبحت يسيرة وغير معقدة ويمكن للكثير ممن يعملون في المجال التلفزيوني ان يقوموا بها .
ان هذه التقنيات الرقمية سهّلت العمل السينمائي الذي كان يكلف الكثير من الجهود والإمكانيات والوقت والمال ، وهو ما جعل ان تكون هناك تجارب ناجحة للعديد من العاملين بهذا المجال ، الأمر الذي شكل منافسة عند المنتجين في السينما وللعاملين أيضا ، حيث برزت فرق سينمائية خارج أمريكا تنافس أمريكا بالإنتاج كالفريق الذي أنجز فيلم (LORD OF RINGS)، ومن الجدير بالذكر ان السينما المصرية استخدمت هذه التقنية في تصوير الأعمال السينمائية ، حيث أن هناك الكثير من المشاهد السينمائية وفي أعمال سينمائية كثيرة استخدمت التقنيات الرقمية ، ففي فيلم العاصفة على سبيل المثال هناك استخدام للعديد من التقنيات الرقمية كمشاهد الانفجارات أو المشاهد الأرشيفية التي هي بالأساس مشاهد تلفزيونية ، ولعل المخرج شريف عرفة كان قد استخدم هذه التقنيات في أفلامه ، وأيضا هو الحال مع المخرج الكبير محمد خان الذي تناول هذه التقنية في السينما بالكثير من الأعمال .
على المستوى العالمي يلاحظ ان اغلب الأعمال التي تنتج في أمريكا بعد عام 2003م تستخدم الإمكانيات الرقمية في التصوير ، فأفلام مثل هاري بوتر او رجل العنكبوت او طروادة أو سيد الخواتم او حرب النجوم …الخ هي أفلام اعتمدت التقنية الرقمية بشكل جذري ، ولعل المخرج والمنتج العالمي جورج لوكاس قد استخدم كاميرات تلفزيونية من نوع
( Hi DIFFENTION – HD) (SONY) عالي النقاوة لتصوير مشاهد حرب النجوم .
ان المستقبل الحتمي للسينما تتلقفه التقنيات الرقمية بشكل عجيب ، فبعد ان دخلت التقنيات الرقمية في الصوت السينمائي عبر الـ(DOLBY DIGITAL ) أو (DIGITAL THEATER SOUND -DTS)أو(SONY DIGITA DINAMIC SOUND -SDDS ) ، نرى إنها دخلت في الصورة أيضا ، فبعد ان كانت الصورة في السينما تشكل إعجاز أمام التلفزيون في شدة الوضوح والنقاوة بحكم أفلام الـ
(70M) أو (35M) التي تمنح من الوضوح والنقاوة الصورية ما يفوق الصورة التلفزيونية بالكثير الكثير ، نرى ان الدجتال اقتحم هذا الوضوح ونال من ان يحتل المكانة في الاستخدام لتحقق مزيد من الإمكانيات التي يسرت العمل وقللت من تكاليفه ، حيث ان شدة الوضوح التي كانت تقف حائل في استخدام التصوير التلفزيوني بالسينما تلاشت مع دخول التقنيات الرقمية ، فلم تعد التقنيات السينمائية تحتفظ بشي يفوق التقنيات الرقمية سوى النكهة التي تنبعث من العرض السينمائي بالعارضات الخاصة بالافلام السينمائية داخل صالات السينما ، والتي هي مهما تدخلت بها التقنيات الرقمية لم تستطع النيل منها لانها خالدة بحكم التقاليد التي تمنح من طبيعة العرض وليس من التقنية فقط،.
التقنيات الرقمية تمكنت ان تعطي نتائج تضاهي النتائج التي تمنحا السينما في شدة النقاوة بالصورة والصوت ، وفي الاستخدام والطريقة وهو من عززها بان تتمكن من ان تنال مكانة الصدارة في التلفزيون ومن ثم في السينما ، هذا الامر في الواقع غير متوقف و غير منته فهناك المزيد من التقنيات الحديثة في التصوير الرقمي يمكن ان تمنح المزيد والمزيد للصورة المرئية وايضا يمكن ان تمنح المزيد والمزيد للصوت المسموع ، ان البحوث مستمرة في المجال الرقمي الذي يتضاعف ويتزايد يوم بعد يوم ، الأمر الذي يمكن ان يحقق غاية في التنبؤات المختبئة في كواليس الدجتال .