جاسم العايف
الناقد التشكيلي “خالد خضير الصالحي” ، ضَيّفه التجمع الثقافي الجديد في البصرة في محاضرة عن التجربة التشكيلية للفنان “فيصل لعيبي صاحي”.أوضح الصالحي: بأن جيل الخمسينات- التشكيلي تَنَعّم برؤية مطمئنة للفن ، واستعاروا تعريفهم للرسم من مصادر خارجية نبعت من خطاب عصر النهضة العربية الذي لا يمتّ للفن بصلات بصَرية، ويعتمد أسانيد أبرزها اللغة والسرديات التي تنتجها الأمة لبناء خطابها الثقافي، وكانت (جماعة بغداد للفن الحديث)، نتيجة فهمهم للفن، ودوره في ذلك الزمن. لكن سرعان ما انقلب جيل الستينات على تطبيقاتهم العملية، بينما انقلب جيل الثمانينات على ما تبقى من الخطاب الذي كان بمثابة (شيزوفرينيا ثقافية) بسبب الجمع القسري بين خطابين (متناقضين): خطاب خمسيني ، وأعمالهم التي ترقى إلى الانتماء إلى عصر لاحق. وتساءل الصالحي: بعد أكثر من نصف قرن، وفي خضم التطورات الكبيرة في الفن العالمي- العراقي، هل مازال بعض الرسامين أوفياء للمنطلقات الأولى؟. وهل( فيصل) وكأنه قادم من الخمسينات ، وعاد ليرسم بروحها ؟!. أم ان (لعيبي) تشرّب بالإيمان بان الفن التشكيلي يحمل أهدافاً محددة قامت عليها “جماعة بغداد للفن الحديث”؟. وأضاف: “فيصل”، ترجم الروح المحلية عبر رسم (النماذج النمطية) التي يعتقد أنها تجسد ذلك الطابع المحلي مثل: مقاهي بغداد، فتى بزيه التقليدي العراقي، بائع الفواكه، مقهى إبراهيم، فرقة موسيقى (الجالغي البغدادي) ، صباغ الأحذية، الحلاق، جاسم المكوجي، المصور الفوتوغرافي (الشمسي)، مرزوق الجايجي.وذكر الصالحي: أن الهمّ الأكبر الذي هيمن على تجربة (فيصل) هو إعادة تأسيس فن الرسم الرافديني، والإسلامي القديم ، وفن تصوير الكتب ولكن بشروط اللوحة المسندية؛ وهو توجه يوضع على قدم المساواة مع ما قدمته (جماعة بغداد) ، فبعد عقود على وفاة (جواد سليم) ظهرت مقترحات جديدة لما كرس له جواد حياته ، وهو التعبير بأسلوب محلي مع تقنية أوروبية.كما ظهرت مجموعة من الرسامين الواقعيين، تأثروا بـ”الفن الواقعي الاشتراكي”، وقدم بعضهم تصوره لما يمكن أن تكون عليه الروح المحلية حينما تمتزج بما يسميه شاكر حسن آل سعيد بـ(قواعد اللوحة المسندية). وشخص الصالحي : تفرد (فيصل) بـ(الروح الفلكلورية) الشفيفة وبتصوير (نماذج)، بعضها منقرض كـ”المصور الشمسي” ، ويُعد فيصل امتداداً لـ(جواد سليم) باعتباره رساما مدينياً ، رسم اجواء المدينة.كما اعتبر الصالحي: الخطاب الذي تناقله النقاد عن تجربة “فيصل” باعتبارها تجربة مكرسة لتناول الفولكلور العراقي، قد اخضع تجربته لهيمنةٍ فرضتها سطوة (الموضوع) كموجِّه قرائي سيطر على ما كُتب عنه من مقالات بدت جلها أسيرة ((موضوع الروح الفلكلورية العراقية ، والتعبير عن الروح المحلية))، وفق منطلقات جماعة بغداد ،والخطاب المحايث لها. وهذا الموجه لا يخدم منجز (فيصل), بل ساهم في تعمية المحاولات الجادة لإضاءة منجزه, واسهم في تغييب الجوانب البصَرية فيه، وهي الجوانب التي تشكّل جوهر تجربته. وأكد الصالحي: إن تجربة (فيصل) ناتجة من ضرورة إثبات مركزية ((الطابع المحلي العراقي)) بعد إعادة تعريفه وتأسيسه وتثبيت مصادره، من تراث الرسم الرافديني، والعربي، والإسلامي، ثم إخضاعه للصياغة وفق أسس (أكاديمية) بما فيها من (مكتشفات تشريحية ومنظورية مختلفة), وهو المساهمة الأكثر أهمية لـه في تاريخ الرسم العراقي الحديث, وليست مساهمته في رسم الموضوعات (الفولكلورية) للحفاظ عليها. وأكد الصالحي: إن جوهر تجربته اندثر تحت ركام هيمنة موضوعة (الطابع المحلي العراقي) التي وقع فيها معظم النقاد الذين تناولوا أعماله ، فتوهموا إنها الثيمة التي تضم في طياتها (كل) منجزه. وأضاف: (فيصل) يسير في ذات الهدف الذي سار عليه جواد سليم و”جماعة بغداد للفن الحديث” ،إلا انه يفارق مقترحاتهم التطبيقية, مثلما يفارقهم كل الرسامين (الواقعيين) الذين ظهروا في العراق الذين صوروا (الروح المحلية) بأنها نقل أجواء البيئة العراقية, سواء أتباع فائق حسن, أو أولئك الذين تأثروا بالفن السوفيتي والجداري المكسيكي ، ولم يتضمن مقترحهم للتعبير بالروح المحلية أي تجديد جوهري أو زحزحة أسلوبية تم نقلها إلى الرسم العراقي دون تغيير جوهري، على عكس تجربة (فيصل). كما قدم الصالحي تصوراته حول المنظور والحلول المقترحة ، والجسد المقعر، ورأى: بإن “فيصل” اتجه إلى نمط من التشويه (الايجابي) في تحويره أشكال المشخصات، وهو ما يعرف (بالوضع الأمثل), الذي تتخذ فيه (المشخصات) أوضاعها الأكثر مثالية، من الناحية الشكلية، وإن لـ(فيصل) إجراءات في تحقيق قدر من التشويه منها: التلاعب بقواعد المنظور، وتعدد زوايا النظر، و التلاعب بتشريح الجسد البشري، ليتخذ كل جزء فيه وضعه الأمثل ومحاولته الحثيثة لردم فراغات اللوحة بشكل متوازن، سواء من خلال عدد الشخوص، أو أي توازن نسبي يحفظ ثقلها اللوني وغير ذلك من الأساليب التقنية التي تحقق ردم الفراغ . و أكد الصالحي: بأن (فيصل), رغم كل صفات الرسم الأكاديمي التي حافظ عليها, قد ابتكر حلولاً لمشاكل المنظور المختلفة، وحاول من خلالها توليف الفن الإسلامي و الرافديني مع قواعد الفن الأكاديمي، ما خلق فضاءً غامضاً، ومضغوطاً بطريقة قصدية, فكان يحاول (تركيب) أسلوب منظوري متعدد الزوايا ، و الهمّ الأكبر الذي هيمن على تجربته هو إعادة تأسيس فن الرسم الرافديني، والإسلامي القديم، بشروط اللوحة المسندية. ورأى الصالحي ان “فيصل” : يُثبت التعبير عن الروح المحلية, وهو (القانون) الذي هيمن على الفن، والنقد التشكيلي خلال الفترة التي سبقت الستينات ، و يمكن اغتناؤه بالمزيد من التجارب، ومنها إعادة تطويع الرسم الأكاديمي لقوانين الرسم الإسلامي والرافديني القديم، وجعله قادراً على التعبير عن الروح العراقية التي يبدو “فيصل” مأخوذاً بها, و هي متاعه في غربته التي استغرقت عقوداً.